سياسات «حزب الله» و«دويلته» تعزل لبنان اقتصادياً!

أدى الانهيار الاقتصادي اللبناني المتواصل إلى إعلان رئيس الوزراء سعد الحريري عن خطة طوارئ عاجلة، لكن مسؤولين وخبراء يرون أن حزب الله هو أحد أهم أسباب هذا التردي، بجانب الفساد المستشري في البلاد الذي يساهم فيه حزب الله نفسه.

ويرزح لبنان تحت وطأة أحد أثقل أعباء الدين العام في العالم عند 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويعاني منذ سنوات في ظل نمو اقتصادي متدن.

ويوضح مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر لـ”الحرة” أن إعلان حالة الطوارئ هو تعبير عن خطورة الوضع الاقتصادي الذي لم يشهد له لبنان مثيلا وهو ما يسمى بـ”توأمة العجزين”، أي عجز الخزينة بشكل كبير جدا تعدى 11 في المئة وهذا فاق بأشواط كل المعايير الدولية، والأهم من ذلك عجز ميزان المدفوعات الذي بلغ 23 في المئة من الناتج المحلي للعام الماضي، مضيفا أن “الاقتصاد اللبناني ينزف وعلى وشك الانهيار”.

وقبل عشرة أيام، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للبنان إلى CCC بفعل مخاوف مرتبطة بخدمة الدين.

وفي ظل واحد من أكبر أعباء الدين في العالم وتدني معدل النمو وتداعي البنية التحتية، يواجه اقتصاد لبنان صعوبات جمة وتسعى السلطات لتطبيق إصلاحات لتجنب نشوب أزمة.

وتقول وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية اللبنانية مي شدياق لـ”موقع الحرة” إن السبب في وضع خطة طوارئ اقتصادية يكمن بأن “الوضع بالبلد اقتصاديا يخضع لأزمة، وهناك إصلاحات مطلوبة من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي حتى نحصل على المساعدات والبرامج الاستثمارية”.

فما هو دور حزب الله في الأزمة الاقتصادية اللبنانية؟

اقتصاد موازي

ترى شدياق أن “الأزمة الأساسية هو الاقتصاد الرديف لحزب الله والتهريب الذي يقوم به”.

وأوضحت أن “حزب الله يستطيع أن يدخل موادا عبر القنوات غير الرسمية وحتى عبر المرفأ بدون أن يدفع رسوما على أساس أن ما يدخله هو تحت إطار المقاومة، فيتم إدخال كل المواد التجارية بدون أن يدفع الضرائب والرسوم المقررة، في حين أن التجار يدفعون”.

وكشفت لـ”موقع الحرة” أن وزارتها تعمل على تقديم استراتيجية لمكافحة الفساد الأسبوع القادم لمجلس الوزراء، يتضمن توقيف التهريب عبر المعابر، مشيرة إلى أنه في لبنان يوجد أكثر من 130 معبرا.

ويرى الباحث السياسي الدكتور مكرم رباح أن “الرئيس ميشال عون وصهره وزير الخارجية جبران باسيل يستعملان حزب الله في الداخل اللبناني لتمرير صفقاته، لا سيما صفقة الكهرباء والعديد من الصفقات المشبوهة بسبب قوة سلاح حزب الله وليس بسبب قوته البرلمانية”.

ويتمتع حزب الله مع حليفه التيار الوطني الحر الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون، بأكثر من ثلث عدد الوزراء، ما يتيح لهما عرقلة أي قرار لا يرغبان به داخل الحكومة.

ولحزب الله ثلاثة وزراء، في حين حصل التيار الوطني الحر مع وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية على 11 وزيرا، وذلك ضمن 30 وزارة.

“ثنائية الدولة والدويلة”

يصف الكاتب علي الأمين في حديثه مع “موقع الحرة” الوضع في لبنان بأنه “ثنائية الدولة ودويلة حزب الله التي أصبحت تسيطر على الدولة من مداخلها إلى حد كبير”.

ويقول الأمين: “في السنوات الماضية تمكن حزب الله من التغلغل أكثر فأكثر في المؤسسات الأمنية والعسكرية خصوصا، وأصبح يتحكم بطبيعة الحال في السياسة الخارجية والدفاعية، وهو ما أثر سلبا على الاقتصاد”، مشيرا إلى أن تأثير “دويلة” حزب الله على كل خيارات لبنان ساهم في تراجع العلاقات اللبنانية العربية وهو ما أثر على الجانب الاقتصادي والمصالح المشتركة.

تراجع من المحيط العربي

يرى الكاتب علي الأمين أن لبنان لم يسبق له أن شهد مثل هذه “العزلة” عربيا “وهذا ناتج عن سياسات حزب الله بسبب دوره السياسي والعسكري، حيث خرج من كونه فصيلا سياسيا إلى (تقمص) أدوار أمنية وعسكرية حتى خارج لبنان مثل وجوده في سوريا واندماجه في السياسة الإيرانية والتي تتصادم بشكل مباشر مع الدول الخليجية”.

وأضاف أن “سياسات” حزب الله أدت إلى قطع دول الخليج دعمها المالي بعد أن كانت تساهم في الاقتصاد اللبناني بشكل مباشر من خلال المساعدات والدعم في مجالات عديدة، ما أدى إلى انكشاف للأزمات العميقة ففي الاقتصاد اللبناني، إضافة إلى استفحال الفساد في الإدارة العامة والسياسات المالية.

ويرى الدكتور مكرم رباح في حديثه مع “موقع الحرة” أن “بيع الطبقة السياسية روحها لحزب الله أعطاه شرعية معينة تسمح له بأن يغامر أكثر وأكثر، وهو ما دفع دول الخليج العربي التي كانت تحمي لبنان اقتصاديا من الانسحاب من الساحة اللبنانية، وذلك يضع لبنان وكافة مؤسساته تحت المجهر”.

وعن سبب تغلغل حزب الله في المؤسسات الأمنية و تحوله للمتحكم الأكبر في السياسات الداخلية قال علي الأمين لـ”موقع الحرة”، إن “امتلاكه السلاح يؤثر في الواقع السياسي، كما أن سياسة إدارة الظهر من قبل الدول العربية أحدثت فراغا أمام تمدد إيراني يريد أن يتحكم في المنطقة فأصبحت الفرصة سانحة”.

ويتمتع حزب الله بثقل وازن على الساحة السياسية في لبنان، يستقيه من دعم إيراني كبير أتاح له التزود بقوة عسكرية ضخمة استخدمها لتقديم دعم ميداني كبير للنظام في سوريا.

وحزب الله هو التنظيم الوحيد في لبنان الذي لم يسلم سلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).

عقوبات أميركية

يرى الدكتور مكرم رباح أن حزب الله و”مغامراته الدولية” هي التي أدت إلى فرض عقوبات أميركية على حزب الله وعلى الدولة اللبنانية ومؤسساتها أو نوع من الضغوط، وذلك يدفع جميع المؤسسات المالية العالمية إلى الحذر وعدم الاقتراب من السوق اللبنانية للاستثمار فيها.

وقام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (أوفاك) بفرض عقوبات على أكثر من 50 من الأفراد والكيانات المنتسبين لحزب الله منذ عام 2017، واستهدفت أحدث العقوبات “جمال ترست بنك”، وهي مؤسسة مالية مقرها في لبنان تتقصد تسهيل الأنشطة المصرفية لحزب الله، بحسب ما ذكرته وزارة الخزانة الأميركية.

يقول رباح إن “نشاطات حزب الله تتم عبر تبييض الأموال أو استعمال الشبكات غير الشرعية مثل التجارة في السلاح والمخدرات في دول أميركا اللاتينية، وكل ذلك يضع لبنان في الواجهة ويعطي شعورا، وهو حقيقي، بأن الدولة اللبنانية رهينة متعاونة مع حزب الله، مما جعل لبنان كنوع من الدولة المارقة المتعاونة مع الإرهاب بحسب التصنيف العالمي، بعد أن كان لبنان معروفا في السابق بسويسرا الشرق بسبب حياديته وخدماته المالية”.

وبحسب بيان للخارجية الأميركية في أبريل الماضي فإن “مداخيل حزب الله تصل إلى نحو مليار دولار سنويا تتأمن عبر الدعم المالي المباشر الذي تقدمه إيران، والمبادلات والاستثمارات الدولية، وعبر شبكة من المانحين ونشاطات تبييض أموال”.

وتسعى واشنطن إلى قطع التمويل عن حزب الله، وتأتي العقوبات ضمن مجموعة كبيرة من الإجراءات المناهضة لطهران منذ انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي من الاتفاق النووي الدولي المبرم معها عام 2015.

لكن علي الأمين يرى أن “العقوبات لا تمس الاقتصاد اللبناني ولا تؤثر عليه بشكل مباشر وإنما هي عقوبات على حزب الله، لكنها تساهم في دفع العديد من الدول العربية على الأقل للاستمرار بمقاطعة لبنان”.

وأكد سامي نادر أن على لبنان تحييد نفسه عن الصراعات الإقليمية حتى يستعيد الاقتصاد الثقة.

ويتفق معه الدكتور مكرم رباح الذي يرى أن حل الأزمة الاقتصادية عبارة عن “تمنيات” ما لم تستعد الدولة السيادة والهيبة بنفسها، مضيفا أن “حزب الله لا يقاوم إسرائيل بل يقاوم الدولة اللبنانية ويقوضها”.

وأضاف: “على سعد الحريري أن يستعيد دوره كرئيس للحكومة وأن يقول للمجتمع الدولي والأشقاء العرب أن الدولة اللبنانية لن تدخل في اللعبة الإقليمية، لا سيما مشروع إيران التوسعي”.

اقرأ أيضاً: هذا هو سقف حرب «المئة دقيقة»؟

السابق
مزارع بيجي العراقية مليئة بألغام موقوتة تركها داعش
التالي
هل «الصين» لها علاقة بإختراق هواتف «آيفون» لإستهداف مسلمي «الإيغور»؟