حزب الله.. ألف باء الصراع

الصراع مع العدو الاسرائيلي ليس عملية ثأر، تحكمها تقاليد العشيرة وقيم القبيلة. الانحدار به الى مستوى العمليات المتبادلة، ضربة مقابل ضربة، لا يزيد من قيمة الملتزم بتلك الطقوس، ولا يثير سوى الهزء والشك.

جدل الرد على الإعتداء الاسرائيلي السافر على الضاحية الجنوبية، الاسبوع الماضي، بلغ مداه الاقصى، الذي لم يسهم الا في تصفية ما تبقى من رصيد لدى حزب الله، بدده في سوريا، ولم يرفع من معنويات جمهوره، ولا حلفائه الذين بلغ بهم الامر حد التحريض على الحرب الشاملة، التي قد لا تبقي شيعياً واحداً في البلد.. وهي في المناسبة أمنية دفينة لدى أكثر من حليف للحزب، إذ لا يمكن ان يتمنى الحرب سوى كارهٍ للشيعة أو حاقدٍ عليهم أو راغبٍ بالتخلص منهم، مرة والى الابد.

اقرأ أيضاً: حزب الله يسعى لردّ بلا حرب

ما زال الحزب أسيراً لهذا الجدل، ورهيناً لخطاب حماسي مصطنع أطلقه في أعقاب الحرب الاخيرة في العام 2006، عن النصر الالهي الذي كانت جميع الادلة الواقعية، الحسية تدحضه وتنفيه، وما زالت. إرتفاع عدد الصواريخ التي بات يمتلكها الحزب، والتي كانت سلاحه الاقوى بل والأوحد في تلك الحرب، لم يوفر دليلًا كافياً على أن العدو الاسرائيلي قد إنهزم، أو إرتدع. بل حصل العكس تماماً، بشهادة ما جرى في الضاحية الاسبوع الماضي، والكثير من الاعتداءات التي حفلت بها السنوات ال13 الماضية.

الاعتداء الاخير كان الأخطر بلا أدنى شك. محاولة إغتيال بواسطة الطائرات المسيّرة، وبلا حرب مشتعلة، هي على الارجح مقدمة لإختراقات إسرائيلية لا تنتهي، حيث يمكن أن يصبح تحليق تلك الطائرات فوق الشوارع وبين المباني ووراء السيارات أمراً عادياً ، وحيث يمكن أن تصبح أهداف إسرائيل غير محددة لا بالزمان ولا بالمكان، ولا بطبيعتها التي قد لا تتصل بالصراع نفسه. هذا فضلا عن أن إمتلاك الحزب نفسه وأطرف لبنانية أخرى مثل هذه التقنية السهلة والمتوافرة في الاسواق، يعني تحويل لبنان الى غابة، تستخدم فيها الطائرات المسيّرة في الخلافات السياسية، بل حتى العائلية بين اللبنانيين أنفسهم !

الجدل الذي وقع الحزب في أسره، أسقط من يده جميع أوراق القوة المفترضة، ولم يحفظ له حتى ورقة التصدي لتلك الطائرات، التي يعرف الجميع مدى تفوق إسرائيل في مجالها ومدى تشددها في الاستمرار بالتحليق في الاجواء اللبنانية،( وتجربة ما بعد صدور القرار 1701 في العام 2006 خير برهان)، ومحدودية قدرة الحزب ومعه حلفاؤه الأيرانيين والسوريين والعراقيين، على إسقاط تلك الطائرات. كما أن انفعال الحزب واعلانه الغريب بأنه سيرد، بدل ان يكون الرد فورياً وبعد ساعات على الاعتداء المكشوف على الضاحية ، ثم تأكيده بان الرد سيكون من لبنان بالذات، بدل أن يلتزم، ولو خطابياً، بوحدة الجبهات التي سبق هو نفسه أن أعلنها، وبوحدة المسار والمصير مع سوريا والعراق وايران واليمن..لم يترك للحوثيين مثلا او للحشد الشعبي العراقي فرصة المساهمة، على جبهة كل منهم، في قتال العدو الاسرائيلي.

الرد من لبنان هو تأكيد جديد لفكرة الثأر القبلي، وتحريف كبير لفكرة الصراع الوطني والقومي والاسلامي. لا يملك الحزب من الردود ما يمكن أن يحيد سلاح الطيران الاسرائيلي المسيّر. ولا يملك لبنان بمؤسسته العسكرية من الادوات ما يعطل ذلك السلاح. لكن المواجهة هنا، وفي هذه الحالة بالذات، حيث تزول الفوارق بين ما هو أمن خارجي وأمن داخلي، هي شأن الدولة أولا، فتعلن أنها “حكومة مقاومة جديدة” على غرار تلك التي كانت موجودة في العام 2006، تنتزع المبادرة من الحزب وتتولى المواجهة المباشرة مع العدو بكل السبل العسكرية والامنية والدبلوماسية.. وتترك للحزب فرصة تعلّم ألف باء الصراع، التي تحظر التحول الى قوة عسكرية تقليدية وعلنية مزودة بالصواريخ الغبية او الذكية، بل تقتصر على ملاحقة العدو خارج الحدود الدولية.

لن يكون من السهل تحرير حزب الله من أسر خطابه المتضخم، لا سيما بعد الكارثة التاريخية التي تسبب بها في سوريا، لكن المحاولة هي اليوم أقرب ما تكون الى مهمة وطنية ذات أولوية قصوى.

السابق
علوش لـ«جنوبية»: الحريري لا يتماهى مع «حزب الله».. ولا للإستراتيجية الدفاعية!
التالي
هذا ما طلبته الأمم المتحدة بعد عملية «حزب الله»