جريمة مطمر جبل تربل: لا بأس إن مات «أبناء الجارية» كُرمى لعيون «أبناء الست»!

جبل تربل
بالأمس، تمت الدعوة الى اجتماع في سراي طرابلس، حضره رؤوساء بلديات واتحادات بلدية ونشطاء مدنيون ومهتمون بالشأن العام، وقام خلاله مستشار وزير البيئة الاستاذ "شاكر نون"، بشرح بعض النقاط المتعلقة بفضيحة إنشاء مطمر جبل تربل الذي يصر المرتكبون لهذه الجريمة، على تسميته بال parking لإيهام الناس بأنه "مؤقت"، وبأن اخطاره ليست كبيرة كما يدعي بعض المتخصصين والنشطاء البيئيين. وفيما يلي بعض الملاحظات التي امكن استخلاصها من هذا اللقاء الذي دام ثلاث ساعات:

أولاً: ظهر عبر الشاشة وزير البيئة “فادي جريصاتي” الذي كان انفعالياً يرمي الاتهامات يميناً ويساراً وعشوائياً، وفشل في تقديم أي افكار علمية او موضوعية مقنعة. وقد تمحورت كلمته حول عدة نقاط: عاب على الناس بشدة رفضهم إقامة مطمر الموت، واتهم المعارضين بأنهم طائفيون وشعبويون وطارئون على موضوع البيئة، مبدياً قناعته بالقرار الذي اتخذه برمي النفايات في المطمر قبل عزله وتأهيله حسب الأصول ، وقبل إجراء دراسة أثر بيئي تؤكد صلاحية الموقع جغرافياً وجيولوجياً وانسانياً . فهذا الوزير العلماني الوطني الكبير، يريد ان يقتل الناس عبر صفقة ظاهرها حلّ بيئي وباطنها تجارة مربحة تدر ملايين الدولارات، واذا غضبوا واعترضوا ودافعوا عن انفسهم ولم يوافقوا على قتله لهم بدم بارد ، يصبحون برأية طائفيين وشعبويين. مع العلم انه ينتمي الى تيار سياسي مستعد لأن يخرب البلد ويعطل عمل الحكومة ويشل الدولة بأمها وأبيها، من أجل وضع لبناني مسيحي مكان لبناني مسلم ، في وظيفة من الدرجه العاشرة.

اقرأ أيضاً: فتنة النفايات: عندما يبيعك زعيمك في سوق النخاسة!

ثانياً: أعلن بعض رؤوساء البلديات المجاوره لجبل تربل، بأنهم لم يكونوا على علم بالصفقة – الجريمة ، وانه تمّ استدعاؤهم على عجل، لإخبارهم بانه جرى الاتفاق على حل مشكلة النفايات في الاقضية الاربعة (زغرتا وبشري والكورة والضنية). ولكن الحلقة الضيقة من الاشخاص الذين دبّروا الجريمة بسرية تامة، أخفوا عنهم كل التفاصيل المتعلقه بمكان المطمر وكيفية عمله، ثم طلبوا من البعض منهم ، بأن يلتقط معهم الصورة الشهيرة وهم يرفعون اشارة النصر، رغم ان هذا البعض لا يعرف اي شيء عن الصفقة التي احتفظ بأسرار صندوقها الاسود، الوزير وبعض رؤوساء قضاء زغرتا ورئيس اتحادات بلديات الضنية “محمد سعدية” الذي بدا وكأنه الوحيد المتحمس للصفقة!

هلا رشيد امون
الدكتورة هلا رشيد أمون

ثالثاً: فشل مستشار الوزير بإقناع أغلبية الحاضرين بدفاعه عن المطمر، وراح يعرض عليهم خططاً وافكاراً مستقبلية تتعلق بكيفية التخلص من النفايات، ولكنها في الاساس مراحل كان يجب ان تتم قبل البدء بعملية الطمر، وليس بعدها. وعرض عليهم مرافقته الى مطمر الناعمة ليظهر لهم عظمة عمل هذا المطمر.

رابعاً: طرح محافظ الشمال “رمزي نهرا”، أسئلة غاية في الأهمية عن طريقة عمل المطمر ومصادر تمويله وهُوية الجهة المنفذة له وآليات مراقبه عملها لضمان التنفيذ وفق القوانين، فظهر من جواب المستشار ان وزارة البيئة لا تملك الإجابات عن هذه الأسئلة الجوهرية، وانها من شأن وزارات أخرى. ما يعني ان عمل وزارة البيئة يقتصر على إرضاء بعض القيادات السياسية وكسب ودّهم، وعلى تسهيل اجراء صفقات الموت السرية مع السياسيين لإنتقاء موقع لرمي النفايات بشكل عشوائي، واذا انتفض الاهالي ومنعوا تنفيذ حكم الإعدام الظالم بحقهم، تطلب الوزارة مؤازرة القوات المسلحة من جيش وقوى امن ، لنقل شاحنات النفايات بالقوة وعلى جثث الناس المتضررين.

لقد اثبتت بعض الدراسات العلمية أن طبيعة التربة والصخور التي يتكون منها جبل تربل، من شأنها تسهيل دخول المياه السطحية إلى المياه الجوفية عبر التشققات الصخرية، ومن ثم ايصالها الى الأنهار الجوفية والبحيرة الجوفية الضخمة الموجودة، أي الى خزان المياه الجوفي الذي يغطي قرى المنطقة ، ابتداءً من تربل والمنية ومرياطة وعزقي وعشاش وحيلان ، وصولاٌ إلى طرابلس وأطراف القلمون..

ومع ذلك ، فقد اتخذت وزارة البيئة قراراً عشوائياً وغير قانوني باعتماد “جبل تربل” مطمراً لأربعة أقضية، وسلّمت ملف الموت هذا، الى المتعهدين والسماسرة الذين لا يملكون ادنى خبرة في إنشاء المطامر وتشغيلها، وليس الى مكتب استشاري متخصص. ولم تقم بتقديم دراسة تقييم أثر بيئي شامل للموقع مقدّم من اصحاب العلم والخبرة والاختصاص (وليس من مافيات الزبالة) يثبت صلاحيته او عدم صلاحيته لأن يكون مطمراً . ولم تصدر القوانين والمراسيم، ولم تحدد المعايير والشروط والعقوبات التي يجب ان تُفرض في حال مخالفة الجهة المنفذة لها . ولم تكترث بصحة الناس وحياتهم وبيئهم.
بل لقد كان كل همّ الوزارة الترويج لطمر النفايات غير المعالَجة والقابلة للتحلل في جبل تربل، بغية تحويله إلى مكب دائم سيكون كارثة بيئية وإنسانية بكل ما للكلمة من معنى، على القرى المجاورة، بفضل العمليات الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية التي ستنتج عن طمر النفايات فيه، دون معالجة أو مراقبة أو متابعة لمخاطر ما سوف تنتجه النفايات من عصارة سوف تتسرب (ولاسيما مع هطول الامطار ) الى المياه الجوفية والتربة، حاملةً معها السموم والمعادن الثقيلة والملوثات الكيميائية والبيولوجية. بالاضافة الى انبعاثات الغازات السامة (ولاسيما غاز الميثان) التي سيكون لها عواقب خطيرة على البيئة من حيث تلوث الهواء والاحتباس الحراري. أضف الى ذلك ، مخاطر انتشار الروائح الكريهة والحشرات والقوارض في الاراضي المجاورة للمطمر؛ والاضرار التي ستلحق بصحة الناس، نتيجة اصابتهم بأمراض السرطان والرئة والجهاز التنفسي.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يظلمون السياحة اللبنانية

رغم تصاعد المدّ الشعبي العارم  للمطمر، وما رافقه من إغلاقٍ للطرقات وتكسيرٍ لعدد من الشاحنات، إلا أن ما تمّ التخطيط له منذ البداية في الغرف السوداء قد حصل: فقد تمّ فتح فجوة غير مطابقة للمواصفات الفنية والشروط البيئية في “جبل تربل”، وقامت خفافيش الظلام بجمع النفايات المكدسة على طرقات قضاء زغرتا، وتوجهت الآليات الى موقع الجريمة حيث أفرغت حمولتها التي قَدرت بما يزيد على 70 شاحنة، أي ما يعادل الف طن من النفايات . وقد حصل كل هذا، بمؤازرة مشددة من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بناء على موافقة خطية من وزيرة الداخلية، باعتبار أنّ قرار “العمل” في المطمر أو “تجميده”، هو حصراً بيد وزارة الداخلية.
الجريمة وقعت، المؤامرة نُفّذت، يوم الغضب الزغرتاوي تمّ إلغاؤه، الأهداف المرسومة تحققت، واكتشف الناس أنهم أضيع من الأيتام على مائدة اللئام، وبدأت عمليات البيع والشراء السياسي الرخيص والتلاعب بعقول الناس لخداعهم وتضليلهم ، من خلال إعلان بعض تجار السياسة رفضهم إقامة المطمر. والكل على ثقة أن هذا البازار السياسي المقيت، ليس أكثر من تكتيك خبيث لامتصاص غضب الناس، وإظهار تعاطف كاذب معهم، وانتظار هدوء العاصفة، كي تبدأ جولة جديدة من جولات تهريب “الموت” تحت جنح الظلام الى مناطق “اولاد الجارية” الذين باعوهم ساستهم المنافقون بأرخص الاثمان ، كُرمى لعيون “أولاد الست”.

هناك حكمة تقول: “لا يتسلل العدو من ثقوب أسوار مدائننا ، بل من ثقوب ضمائرنا”.. فلا نامت عيون الجبناء!

السابق
صرخة من البص في صور رفضاً لتحويل المنطقة إلى مكب لنفايات
التالي
جبل طارق تفرج عن سفينة ‘غريس 1’