واجبات الفلسطيني تجاه لبنان

تَوَقّفَ المَسار الديمُقراطي المُؤسّساتي في السُّلطة الفلسطينية، نتيجة الانقسام المستمر منذ عام 2006. ولم ُتسْتَكْمَل عملية التحوّل من ديمقراطية “غابة البنادق”، إلى ديمقراطيةٍ حديثةٍ مؤسّساتيةٍ، تحتكم للقانون وتخضع للمساءلة والمحاسبة، وتعود لصندوق الاقتراع دورياً وعند الضرورة.

لهذا ضَعُفَتْ   قدرة المركز الفلسطيني على القيادة والتأثير الحاسمَيْن، في مخيمات اللجوء هنا في لبنان، فضلاً عن جملة عوامل أخرى. وهكذا استمرت حال المخيمات أسيرة ماضٍ مُثْقَل بالصراعات، وحاضرٍ يهيمنُ عليه السلاح.

إلى ذلك، وفي ظلِّ هذا الواقع المتمادي، يميلُ الخطابُ الفلسطيني في لبنان للحديث المستفيض عن الحقوق، والحديث المقتضب عن الواجبات بطريقة عائمة من دون رؤية واضحة وصياغةٍ دقيقةٍ.

اقرأ أيضاً: «حماس» و«حزب الله» والجوامع المشتركة

غالباً ما نصف لجوءَنا “بالقسري”، ولا ننتبه إلى أن الوصف هذا ينطبق أيضاً على البلد المضيف، الذي رحّب رسمياً بنا، بينما أبدى البعض تحفظاً أو اعتراضاً، ما يجعل مسؤولية الضيف مضاعفة، في التعامل مع حساسية البلد المضيف، الذي بنى دولته، وصاغ نمط عيشه بطريقة يجب احترام فرادتها وخصوصيتها. بناء على ما تقدم، أرجو أن لا يستغرب البعض إذا وضعتُ على رأس قائمة واجباتنا -كفلسطينيين ضيوف- مطالبة الدولة اللبنانية بنزع سلاحنا داخل وخارج المخيمات، وإنفاذ سيادة القانون على أرضها. وهو بالمناسبة حق للدولة اللبنانية وواجب عليها أيضاً.

لا نفعَ من الإعلان المتكرّر عن قبولنا سلطة القانون، بينما يتكدّس السلاح في مخيماتنا، على انقسام مرجعياته وأهدافه ووظائفه، وهي ليست بالضرورة فلسطينية دائماً. هذا ما حصل في مخيم نهر البارد، ويحصل بشكلٍ دوري في مخيم عين الحلوة.

أليس في هذا ما يفسّر واقع الحال في عدة مخيمات تشهد تزايداً في عمليات بناء الجدران الاسمنتية، وارتفاع الأسلاك الشائكة حولها باستمرار، بينما تتعمّق حالة البؤس لتُشكّل الواقع الرئيس للهجرة غير الشرعية؟!!

في أيار الماضي، أطلقت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني مبادرة جديدة لورشةِ عملٍ مشتركةٍ، تهدف إلى توحيد الرؤية حول الحقوق والواجبات وحضر وفدنا موحداً بالشكل، منقسماً بالمقاربة بين داعمٍ للشرعية الفلسطينية ومعارضٍ لها.. وثمّة من لا يعترف بها أصلاً وبالممارسة. هذا الأمر يرفع منسوب الحذر، من أن يتسبب تباين وجهات النظر الفلسطينية بفشلِ “المبادرة -الفرصة” وهو ما لا نرجوه.

إلى ذلك، لا بدّ من القول إن واجبنا في الحوار الثنائي يقضي بمغادرة منطق المقايضة أو السّعي للكسب السريع أو الاستقواء. لأن مسألة الحقوق الإنسانية، هدف ينتمي لسلّم المبادئ القيميّة قبل السياسة. وهذا يفرض علينا الارتقاء في الحوار إلى المستوى القيميّ، الذي يناسب سمو عدالة قضيتنا، ومكانتها عربياً ودولياً، من دون أن ننسى للحظة أن أهل لبنان كافة قدّموا فوق استطاعتهم لفلسطين، وتحمَّلوا أهوالاً وأثقالاً جساماً. فهل نستطيع أن نبلي بلاءً حسناً على قدر هذه المسؤولية في ورشة الحوار الجديدة؟! إنه سؤال برسم القيادات الفلسطينية المحلية جميعها.

أخيراً، ونحن في بداية الحوار مع مضيفنا اللبناني، بعد كل ما جرى له ولنا خلال العقود الماضية، وبعد كل ما جرى بيننا أيضاً، علينا القول إننا في المشهد اللبناني لسنا “ضحايا”، وضحايا فقط -كما يحلو لبعضنا أن يردّدعلى الدوام -بل نحن أيضاً وخصوصاً أصحاب خيارات، لأننا واللبنانيين معاً في “الهمّ شرقُ”. ولأننا راكمنا معاً من الخسائر ما يصعب حصره. وعليه لا بدّ من البحث تحت السقف القيميّ عن تقاطع المصلحة الفلسطينية الجزئية في لبنان، مع المصلحة الوطنية اللبنانية، كما تراها وتحددها الشرعية اللبنانية.  وأي تموضع لا يضمن تحقيق هذا الانسجام لن يخدمَ أحداً، إن لم يؤدّ إلى ما لا تُحمد عقباه.

ومن نافل القول إن هذه العجالة حول واجباتنا فقط تجاه لبنان الوطن والدولة، إنما تندرج في سياق تطوير نهج المصارحة والمصالحة. وضرورة تعميمه على المستويات كافة، سيّما الشعبية منها، باعتبار ذلك شرطاً ضرورياً للتقدم معاً نحو تكريس الحقوق ربطاً بالواجبات، بما هي عملية تفاعلية إيجابية، تهدف لخلاص مشترك وسعي نبيل من أجل مستقبل أفضل.

في الختام لا بد من معارض أو مختلف، يعيب على هذه المقاربة انزلاقها نحو مثالية تتجاوز النمط السائد.. إلا أن “عيباً” كهذا، ربما يساعد على قياس المسافة بين المُرتجى وواقع الحال، حتى لا نخدع أنفسنا، ونخدع غيرنا بأي أوهام. والمُرتجى هو تناغمُ حقّين وشرعيتين، بما هو (هذا التناغم) واجبٌ أخلاقي، وليس تفضُّلاً من جانبٍ على جانبٍ آخر.

السابق
مهرجان الاسكندرية لن يهدي دورته القادمة لفاروق الفيشاوي لهذا السبب!
التالي
رياض يمق رئيساً لبلدية طرابلس