الطائفية أصغر الأزمات

الطائفية
ازمة اللبناني انه دائم الشكوى من النظام الطائفي، ولكن لو التفت اللبناني يوما لنفسه لوجد ان العيب الاول يكمن في سلوكه بالتعاطي مع الشأن العام من ناحية خياراته السياسية التي أفرزت احزابا طائفية يترأسها الزعماء المشكو منهم، الذين يتحاصصون البلد بما فيه من ثروات ورعايا.

وقف على مدخل التعاونيـة الاستهلاكية حاملا الاكياس بنفسه وقال: نعم هناك ارتفاع اسعار لا يُحتمل، لا اخاف على نفسي بل على الفقير في لبنان. تحدّث وكأنه يقف داخل افخم المتاجر واغلاها. حالة مُلفتة تقارب شيئاً من جنون العظمة او الانكار للواقع وتمويهه. على منوال مشابه قال الامين العام لحزب الله في احدى خطاباته ما مفاده نحن قادرون على انهاء دولة الكيان الصهيوني اذا طالت الحرب معها. في مكان آخر اعلن الرئيس الراحل بشير الجميل رفضه لأي تدخل اجنبي بشؤون لبنان غامزاً من قناة اسرائيل وحكامها. وكذلك تحدث الشيخ الراحل رفيق الحريري عن لبنان القادم والاشبه بمونتي كارلو اوهونكونغ. نسي هؤلاء انّ اميريكا تضمن ثلاث، امن وحدود وتفوق العدو الاسرائيلي. وانّ من يستفيد من الغزو الاسرائيلي للبنان لا يمكنه الحديث لاحقا عن رفضه لتدخلاتها. وانّ مونتي كارلو ليست نتيجة ثورة عمرانية فحسب، بل هي خلاصة تفاهمات بين بلاد الثورة الفرنسية وسلالات الملوك في اوروبا ونتيجة طبيعية لمجتمع غربي متحرر ومختلف تمام الاختلاف عن المجتمع المحافظ في بيروت او في جونية او في اي مدينة من لبنان.

يستند اللبناني الى النص المقدس ليثبت تفوقه المزعوم. الانجيل يحتوي على مديح لشجرة الارز، كذلك ينسبُ بعض المسلمين  للرسول العربي احاديث تضمنت استحسان لبنان وجباله. اما التاريخ فيأخذ منه اللبناني باقة من الاخبار عن اختراع اسلافه للحرف وابتداع الطرق والوسائل لنشر الحضارة الفنيقية داخل وخارج ارضها. ويوجد في الماضي القريب مبررات غير مقدسة تدعم هذا النص او ذاك، العرب تغنوا بطبيعة لبنان وكرم اهله واشتروا البيوت فيه وكأنه وطنهم الثاني. امّا الادب والفن فكان لهما شراكة فاعلة في تشكيل البروفايل المذكور. قصائد واغان عن لبنان الجنة بأكملها او قطعة منها واحاديث عن بطولات وشخصيات تاريخية بعضها دقيق وبعضها من نسج الخيال والامنيات.

يضاف الى ما سبق، حقيقة ان الادوار التي اوكلت للبنان وشعبه نتيجة الاحداث العربية من جهة وثقافة اللبناني من جهة اخرى، دعمت ثقة الانسان اللبناني بنفسه وقدّمت له التربة الخصبة التي سيبني عليها صورة تفوقه المليئة بالمبالغات والاوهام. ومن الادوار مرفأ العرب ومعبر تجارتهم وتحديدا بعد احتلال فلسطين واثناء اقفال قناة السويس حينا ومرفأ اللاذقية او العقبة احياناً اخرى. وتنادى اللبناني ليكون مترجم العرب في المحافل الدولية لغة ومضموناً. كما تولّى مهام القيام بالنهضة العربية في مصر وفي بلاد عربية هي ابعد من جواره المباشر.

تحول وريث الفنيقيين الى طفل مُدلّل رفض فيما بعد الاعتراف بأي واقع يخدش صورته عن ذاته مهما كانت الاسباب والوقائع. لم يعد المحيط العربي بحاجة الى المرفأ البديل وذلك بحكم تبدّل المشهد السياسي.  وغابت ايضا الحاجة للمترجم السياسي وللمعبر الجغرافي بفعل تطور شبكات المرافئ والمطارات العربية. كما ساهمت آخر الحروب الاهلية وافرازاتها في لبنان في تحطيم الملاذ الآمن للهارب من حر الصيف وحر الانظمة الدكتاتورية في الشرق الاوسط.

هكذا يمتنع الانسان في بلاد الارز عن عيش الحاضر ويعتمد اسلوب الانكار كوسيلة دفاع نفسية عن مكتسبات ضاعت تارة عن طريق خطأ اقدم عليه وتارة عن طريق املآت مسار الاحداث في البلاد القريبة والبعيدة على حد سواء. ويتناغم مع المشهد هنا ظن اللبناني بنفسه ظنون الوهم والطيف الجميل وصولاً الى حالة السوبر انسان الذي ينشر الفكر والعمران اينما حل واقام. تقابل هذه الحقيقة المصطنعة وقائع من نوع آخر ومنها مشاركة بعض اللبنانيين في حرب ليبيا على التشاد والحرب بين آزربيجان وارمينيا وحرب العراقيين على المحتل الاميريكي وايضا وايضا الدور الفاعل داخل فرقة البلاك واترز للمرتزقة.

كحال اي خاسر آخر لجأ اللبناني الى التمسك بالقشور والمظاهر في ردّة فعله تجاه انحسار دوره الانساني والحضاري، فأولى الصورة اهمية قصوى فاقت اهمية المضمون وكان مصدّقاً لما يعتقد مخلصاً في تصرّفاته العفوية. طالب الآخرين بما يطالب به ذاته، واحبّ في الآخرين ما احب في ذاته. بحيث نال رفيق الحريري من الجمهور اضعاف ما ناله رشيد كرامي ونال موسى الصدر اضعاف حصة العلامة محمد حسين فضل الله وكذلك نال بشير الجميل وكميل شمعون اضعاف نصيب فؤاد شهاب والياس سركيس ودائماً مع حفظ الالقاب. الاطلالة، الهيبة والكاريزما تفوقوا في الذهن اللبناني على المضمون تماشياً مع نوستالجيا الحنين الحزين لتاريخ اجمل وابهى. انّها الازمة المأزق التي تجعل من ازمة الطائفية في لبنان مشكلة بالامكان تأجيل حلّها في انتظار علاج ازمة السوبر وطن والسوبر قائد والسوبر مواطن.  

السابق
معلومات اميركية: وفاة حمزة بن لادن
التالي
روسيا تتورط…وآلاف المدنيين ضحايا قصفها الجوي في إدلب