القرارات «الاصلاحية» الاخيرة للمحاكم الشرعية الجعفرية: ما لها وما عليها!

اصدر رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية بالوكالة، قرارات وصفها بعض وسائل الاعلام بالاصلاحية من حيث انها توفر للزوجة خيارات ليست موجودة في عقود الزواج الحالية التي سوف يتم تعديلها فيصبح بامكانها تطليق نفسها اذا ما اساء الزوج معاملتها، وقد لاقت هذه القرارات ارتياحا على الصعيد الشعبي الشيعي، ولكن كيف يُنظر الى تلك الاصلاحات من وجهة نظر اصحاب الخبرة المتخصصين؟

   في ظل غياب وشغور رئاسة المحاكم الشرعية الجعفرية الرسمية بعد تقاعد رئيسها العلامة الشيخ حسن عواد قبل أربعة أعوام، تَعُمُّ الفوضى في أكثر من جانب في دوائر هذه المحاكم في مختلف المناطق اللبنانية على مستوى انتقالات القضاة والمساعدين القضائيين والمدراء والموظفين بسبب تدخل قوى الامر الواقع أي حركة امل وحزب الله في الادارة والتعيينات، مستغلين الفراغ في ظل عدم وجود رئاسة أصيلة.

القاضي الشيخ محمد كنعان الذي يرأس المحاكم الشرعية الجعفرية وكالة، اعلن عن عدة خطوات ستقوم بها المحاكم الجعفرية في الفترة المقبلة هي:

1- إطلاق العمل خلال أسبوعين بدفتر شروط لدى المحاكم الجعغرية يعتمده الزوجان عند حضورهما إلى المحكمة لتسجيل زواجهما ويتضمن عدة خيارات حول توكيل الزوجة بايقاع طلاقها بنفسها وحول الحضانة وأمور اخرى ويختار الزوجان ما يناسبهما وبتفقان عليه من هذه الشروط.

2- تفعيل نظام المأذونين بالتعاون مع المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بحيث يحصر بهم موضوع اجراء عقود الزواج وايقاع الطلاق بدلاً من ترك هذا الامر في يد جميع رجال الدين، وقد شدد سماحة رئيس المحكمة العليا على ان اعتماد هذا النظام هو بمثابة “الكولوكيوم” المفروضة لجميع المهن.

3- العمل على تكليف خبراء نفسيين وتربوين واقتصاديين لمؤازرة المحاكم الجعفرية في مهامها وذلك بشكل مجاني حيث سيكون لرأيهم قيمة وازنة في الدعاوى التي تستوجب الاستعانة بهم.

4- تفعيل نظام الغرامات الإكراهية التي نص عليها القانون في الأحكام الصادرة عن المحاكم الشرعية الحعفرية، معلنا أن الحبس ليس هو هدف المحكمة.

وفي مجال الرقابة ومكافحة الفساد أعلن القاضي كنعان أنه جرت إحالة عدة قضاة الى مجالس التأديب وأن هذه الاجراءات تحيطها السرية عملا بنص القانون، وأنه أحال شخصيا عدة موظفين إلى النيابة العامة التمييزية لارتكابهم جرائم، وأنه والمفتش العام يقومون بمهامهم في هذا المجال داعيا من لديه شكوى إلى تقديمها لدى التفتيش.

وفي حين رحب مجمل الرأي العام الشيعي بتلك الخطوات الاصلاحية، فان عدد من اصحاب الشأن من رجال الدين المحافظين بدأوا بالاعتراض على تلك الاصلاحات “التي ما أنزل الله بها من سلطان في أحكام الشريعة الأولية والتي ستزيد من تعقيدات الزواج الشرعي عند الشيعة في لبنان، في حين تؤكد الشريعة السهلة السمحاء على بساطة العلاقة بين المتعاقدين لتتحقق المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف ، وتتحقق غايات الشريعة من الدعوة للتيسير دون التعسير في العبادات والمعاملات” وان “وهذه الشروط التي يتكلم عنها المدير المذكور ستحوِّل عملياً الزواج الشرعي عند الشيعة في لبنان إلى زواج شبه مدني بطريق غير مباشر”!

   وحجة هؤلاء المعترضين ” ان اقتراح المدير المذكور شرط توكيل الزوجة بطلاق نفسها في العديد من الحالات الجديدة بعناوين ثانوية يفتح الباب لمزيد من حالات الطلاق في لبنان، هذه الحالات التي لم يعد بالإمكان السيطرة على كثرتها حيث بلغ إيقاع الطلاق معدلات عالية غير مسبوقة، وتعود لأسباب كثيرة منها الضائقة المعيشية الخانقة وعدم قناعة أكثر الأزواج بالموجود وعدم تركهم طلب المفقود، ومنها جهل الزوجين بحقيقة الحياة الزوجية وموجباتها ومتطلباتها، مما يؤدي للتفاجُئ بذلك بعد الزواج فيدفع ذلك لهدم الرابطة الزوجية والهروب من المسؤوليات بعد الزواج” ..

  ويؤكد المعترضون المحافظون ان “تلك في الشروط ما يعطي المرأة حق الطلاق في حالات ليس لها ذلك الحق في الأحكام الشرعية الأولية ، ويعطيها حق الحضانة للأولاد في أعمارٍ ليست مقررة في الأحكام الشرعية الأولية، ويعطيها من الحقوق المالية في أمور أثناء فترة الزواج تصطدم مع المعاشرة بالمودة والرحمة والمعروف بين الزوجين ، كما يمنح دفتر الشروط المقترحة المرأة حق مواصلة الدراسة والعمل مما ينافي حقوق الزوج الأولية في جوانب عدة ويصطدم مع الغايات الأولية التي قررتها الشريعة “…

    فهذه الشروط المقترحة بنظرهم سوف تؤدي لزيادة الخصومات الزوجية وارتفاع معدلات الطلاق وهدم الروابط الأسرية في المدى المنظور لو طبقت ! “ولو كانت هذه الشروط من الحكمة في العناوين الأولية لقررها الشارع المقدس في الأحكام الشرعية الأولية في عقد النكاح الشرعي” ..

 ويخلص هؤلاء المعترضين الى ان “مدير المحاكم الحالي يدفع بالمحاكم إلى مزيد من فساد أنظمتها ، كما يدفع الروابط الأسرية إلى مزيد من الدمار والانهيار ، كما يشجع على المزيد من منازعات الطلاق وفي ذلك ما فيه من أبغض الحلال وفيه ما فيه من المصائب”.

هذا الجدل المستعر بين ترحيب واعتراض، بالنسبة  للقرارات المرتقبة التي سوف تصدر عن رئاسة المحكمة الشرعية الجعفرية من شانه ان يؤكد على صعوبة تمرير تلك القرارات، خصوصا ان قضاة ورجال دين كبار ابدوا تحفظهم عليها وان كان دون اعلان على الملأ من قبلهم.

ولكن يبقى السؤال: هل من خطورة على الدين والمذهب الشيعي اذا استحدثت قوانين الاحوال الشخصية لتلائم العصر؟ واذا كان الاتهام موجها لرئاسة المحاكم الحالية ان عقد الزواج عبر تلك الاصلاحات سيكون اشبه بعقد زواج مدني، فان السؤال الثاني: هل عقد الزواج في الاسلام بعيد عن عقد الزواج المدني؟!

اقرأ أيضاً: تاريخ مجالس العزاء الحسينية في لبنان والعالم

السابق
الجراح استنكر ما تعرض له فريق ال «ام تي في» من اعتداء في صبرا
التالي
«رنا» السورية .. من لاجئة الى ناشطة إجتماعية