الحوار في دائرة مقفلة

الحوار
يعيش حوالي مليون إنسان في الضاحية الجنوبية لبيروت، جلّهم من أبناء الجامعات والمتعلمين، لكن لا يتوفر لهم مراكز تثقيفية متنوعة ترعاهم، بل يغلب الطابع "السكولائي Scolastique" على المنطقة مما يدفع بالعديد من سكانها للخروج إلى مطارح أكثر تنوّعا.

كالعدوى التي تصيب المريض أصاب فايروس “الثقافة” الناس في الضاحية الجنوبية لبيروت فجأة ودون سابق إنذار، وهي التي عُرفت بالتحزّب والسيطرة المذهبيّة.

فما سرّ هذا الهوس إذا صح التعبير، ومن أين جاء؟ علما ان معظم من يعمل بالشأن الثقافي وجدوا غايتهم خارج الضاحية سابقا.

اقرأ أيضاً: «المجمع الثقافي الجعفري» يناقش معوّقات الحوار الإسلامي – الإسلامي في ندوته الشهرية

بعد العام 1990 ودخول لبنان مرحلة السلم رسميّا_ وليس شعبيا_ تحركت بعض المنتديات التي اعتقدت إنها ستمارس حريتها في رحلة السلم الجديدة،  لكن خرجت اشارات دالة على المستقبل الثقافي لهذه المنطقة كان أاولها اقفال عدد من المجلات والدوريات التي كانت مكاتب تحريرها وإعدادها تقع في الضاحية، حيث صارت هذه المنطقة جافة، إلا من بعض الندوات السياسية الحزبيّة التي يُقيمها القيّمون في المناطق لنشر الوعي السايسي الخاص بهؤلاء.

بعد ذلك بقليل، نامت الضاحية رويدا رويدا، وعاد سكانها الذين تميزوا سابقا بتنوعهم إلى البحث عن غاياتهم الثقافية خارج هذا المكان الممتد على 7 كيلومترات فقط.

لكن، اللافت في الأمر هو ظهور عدد من المنتديات المدعومة من قبل شخصيات دينية مذهبيّة غير معروفة تهدف إلى الاطلالة الإعلامية.

من هذه المراكز على سبيل المثال لا الحصر: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، والمجمع الثقافي الجعفري، والمركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية، والمركز الإسلامي الثقافي، ومؤسسة الإمام الحكيم، والمنتدى الأدبي، والمنتدى العالمي للأديان والإنسانية، والملتقى الثقافي اللبناني، ومنتدى فكر أصيل، ومنتدى الفكر اللبناني، ولقاء الفكر العاملي، وجلسة، والتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة، ولقاء الثلاثاء الثقافي…

مما يطرح جملة تساؤلات عن سرّ هذه الفورة الثقافية، وعن سبب الإهتمام المفاجئ بالندوات الشهرية والإسبوعية، والتي في غالبها تدور في فلك واحد، لا يقبل ولا يمكنه ان يقبل تعدّي الحدود المرسومة ولو ضمنيا.

فهذه المنتديات مثلا لا يمكنها إطلاقا أن تخرج عن الإطار العام المرسوم أو ما يُسمى الحدود. فالجميع يدرك الممنوعات، فلا يعرّض نفسه لتساؤل ما.

علما أن التنوّع يفيد المنتدين والمهتمين الشباب وبالتالي أبناء المنطقة، لكن هذه الجلسات الثقافية ليست سوى لقاء حزبيّ إنما بإسلوب وشكل جديدين.

والملفت ان هذه المنتديات تجترّ الأفكار وتتبادل العناوين والضيوف، ما يطرح السؤال ألم يحن الوقت لرسم خارطة طريق جديدة لدى هؤلاء، فلا تُجتّر الأفكار والضيوف، بحيث يبدو للمراقب أن المُعد هو واحد، والعقلية واحدة، وضابط الإيقاع واحد، مما يؤكد أن المحاذير الضمنيّة هي التي تضع الجميع في دائرة واحدة مقفلة مع هوامش وهميّة، كما هي حال خطوط الطول والعرض.

في زمن الضاحية السابق، كان ثمة أبواب مفتوحة مع المثقفين من كل الطوائف بتنوعها المختلف وربما المضاد، لكن اليوم لا علاقة إلا مع الشبيه في الطوائف الأخرى ومعاداة المختلف من الطائفة نفسها.

هذا النص ليس انتقاصا من عمل أية مؤسسة، خاصة أن السلطات اللبنانية لا تموّلها إطلاقا، وهي تمّول نفسها بنفسها من جيوب المتبرعين، بل هي دعوة الى التنوّع والتواصل مع المختلف، كي لا تكبُر دائرة جهلنا بالآخر كما كان حالنا خلال الحرب الأهلية التي ما إن هدأت حتى اكتشفنا أن الآخر الذي كنا نخافه هو كان مثلنا يعاني ويتألم ويخافنا، فالانفصال ولو كان مجتمعيا يخلق هوّة واسعة بين ثقافتين “دعونا نعترف أنهما ثقافتين”، وربما أصبحتا ثقافات بُعيد الخلاف المذهبي السني- الشيعي منذ العام 2003 أي تاريخ إحتلال العراق والدخول العسكري الأميركي إلى المنطقة.

السابق
لا معركة انتخابية فرعية في قضاء صور
التالي
ياني في بيروت من أجل أعيادها!