لماذا إيران ضرورة أميركية وحاجة إسرائيلية؟

اسرائيل ايران
التنازع الإقليمي والدولي على مساحة النفوذ في المنطقة العربية، يرتكز الى نظام مصالح مشترك بين أطراف المواجهة، يقوم على ركيزة أساسية هو منع قيام اي مشروع عربي ناهض في بيئته، يهدف إلى حماية مصالحه الطبيعية وبناء علاقات ندية بين مكوناته الوطنية ودول العالم القريبة والبعيدة.

في التنافس الدولي والإقليمي على المساحة العربية، يبرز التقاطع الإيراني الإسرائيلي على النفوذ والسيطرة، وحدودهما لكل منهما، فإيران تدرك كما إسرائيل، أنهما محكومتان بتعزيز نفوذهما، في ظل استمرار غياب المشروع العربي النهضوي والمستقل وانكفائه، وهذا التفكير لا يمكن الحكم عليه اخلاقيا، بل هو واقع ونتيجة موضوعية، لأيّ من الطرفين اللذين شكل الانهيار العربي صعودا لنفوذهما في الدول العربية، من خلال الامتداد الإيراني القائم في المنطقة على بعد أقلوي، يرتكز على استثمار الهوية الشيعية، مع محاكاة خوف الأقليات. فيما إسرائيل التي كانت تتسلل في علاقاتها العربية بوسائل أمنية، باتت اليوم أمام أبواب مشرعة في هذه الدول، وفّر جزء كبيرا منها، الخطر الإيراني الذي تقدم في وعي العديد من البيئات العربية على خطر إسرائيل، وهذا ما ليس خافيا في العديد من الدول العربية، الخليجية وغير الخليجية.

اقرأ أيضاً: اجتماع القدس الثلاثي: تحديد الدور الإيراني بضمانة روسية

يمكن ملاحظة أن العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية، تتقدم في ظل انكفاء مستمر لعلاقات ايران مع هذه الدول، ولا سيما على مستوى التنسيق والاتصالات السياسية والأمنية، وهو مرشح للاستمرار في المدى المنظور.
بطبيعة الحال واشنطن تبقى المحور الأساس الذي يدير السياسة ويهيمن في المنطقة، وروسيا في مرتبة أقل شأنا ولكنها تحتل مرتبة متنامية، وفّرها ايضا الفراغ العربي، كما الاختراق الإيراني لهذه المنطقة، وعزّز الوجود الروسي الحاجة الأميركية له لا سيما في سوريا، وإسرائيل أيضا وجدت في الدور الروسي، عنصراً حيوياً لتمدد مصالحها الاستراتيجية، وقوة صديقة تضمن عدم قيام ايران وميليشياتها بأي مغامرة ضدها انطلاقا من الاراضي السورية.
بهذا المعنى فإن الاجتماع الأمني الثلاثي في إسرائيل مطلع الأسبوع الجاري، والذي جمع مسؤولي الأمن القومي في واشنطن وموسكو وتل أبيب، بحث مستقبل الحل في سوريا، ورؤى إسرائيلية تتصل بمستقبل المنطقة في الشرق الاوسط (المفارقة أن إسرائيل وايران يتفقان على نبذ تسمية المنطقة العربية، ايران تسميها غرب آسيا كما ابلغنا أمين عام حزب الله في خطابه الأخير نقلا عن قائده السيد علي خامنئي، وإسرائيل تسميه الشرق الأوسط…).
ايران لم تكن غائبة كان حضورها قائماً وموجوداً، ليس في عنوان اخراجها من سوريا بحسب زعم واشنطن واسرائيل، بل في كيفية ملاءمة الوجود الإيراني بالكامل مع نظام المصالح الذي يجري ترتيبه من قبل الأميركيين بالدرجة الأولى، وروسيا بدرجة ثانية، وإسرائيل بدرجة ثالثة. الخلاف على حجم الدور الايراني وحدوده، ولأن أولويات ايران الاستراتيجية بعد حفظ نظامها، هو شرعنة نفوذها في المنطقة العربية، ولا سيما العراق وسوريا، فإنها بالضرورة، تدرك كما المجتمعون في اسرائيل، أن الصراع هو على كيفية تقاسم النفوذ وحدوده، وليس على الوجود. وقد خرج مستشار الأمن القومي الأميركي من اجتماع القدس الثلاثي اليوم ليقول، أن لا نية لإسقاط النظام في ايران، والهدف تغيير السلوك الايراني، وأن العقوبات هدفها جلوس طهران إلى طاولة المفاوضات.
التقاطع الإيراني مع هذه الدول الثلاث يقوم على النفوذ وسبل تنظيمه من جهة، وعلى ثابتة أساسية ومحاربة هي منع قيام نظام إقليمي عربي.


بعد هذا التقديم، تتوضح الرؤية للإجابة عن سؤال لماذا ننحاز الى فكرة المشروع العربي؟ اي المشروع القائد للمنطقة العربية، والجواب، لسبب بسيط جدا لأنه نظام يقوم بالضرورة على قواعد عربية، هي المصالح والأمن الإقليمي واستثمار طاقات المنطقة في سبيل تنمية دوله، فيما اي مشروع من خارج المنطقة، محكوم بمصالحه القومية التي تحدد استراتيجياته وسياساته وأولوياته على حساب الدول العربية وشعوبها.

اقرأ أيضاً: ماذا تريد إيران… ماذا يريد ترمب؟

يبقى أن إيران التي استثمرت وتستثمر بالهوية الشيعية حتى الثمالة، كوسيلة تمدد في المنطقة العربية، وفّرت عنصر قوة لإسرائيل بل بوليصة تأمين على حدودها سواء مع سوريا أو في لبنان، وتدرك ايران الحاجة الإسرائيلية العميقة لنفوذها الشيعي، الذي بات محكوماً بمواجهة خطر سني كامن في البيئة السورية وغيرها سواء بعنوان الارهاب أو التكفير غيرها من المصطلحات العدائية التي باتت عنصرا في الخطاب الايديولوجي الإيراني بتمثلاته العربية، فالشرخ الذي سببته الحرب السورية، تركز في البنية السورية والعربية المفترض أنها عدوة لإسرائيل، لكنها مع الوجود الإيراني العسكري والأمني، باتت منقسمة ويتربص بعضها ببعضها الآخر، بينما خروج ايران الكامل من سوريا، سيعني بالضرورة خطر الفوضى على حدود اسرائيل، لأن البدائل غير متوفرة وان وجدت فلا تطمئن اسرائيل، ايران تريح إسرائيل في هذه المنطقة رغم المخاوف لكنها تتراجع في ظل الرقابة الروسية، وهي تريح من عملية الانهماك بتوفير الأمن على حدودها الشمالية وفي عمق لبنان وسوريا. ثمة خصم ايراني أو عدو عاقل، وبالتالي فإن التعامل مع ايران مع بعض الضوابط، هو اقل كلفة لإسرائيل من اي بديل لا يمكن التنبؤ بسياساته ونتائجه.
حجم العداء لايران في المنطقة العربية وتعاظمه، هو عنصر قوة لايران في نظام المصالح الإسرائيلي والغربي على وجه العموم، لأنه يجعل منها حاجة إسرائيلية على حدودها وسبيلا لمزيد من شرعنة إسرائيل عربيا، وهو بالضرورة لا يضير واشنطن، التي زاد نفوذها مع تمدد طهران، أما روسيا فتحصد نفوذا ودورا في سياسة اللعب على حبال المنطقة من دون أن تقطع شعرة معاوية وأكثر مع أحد. لكن الغائب هو الرقم العربي الذي سيبقى معيار نهضة العرب وسلوكهم.

السابق
وقفة تضامنية بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب في نقابة المحامين في طرابلس
التالي
عن انتصارات إيران العلنية وتنازلاتها السرّية