الأكاديميا والقضاء… الفوبياويّات والخلاص!

أكاديميّة الجامعة اللبنانيّة واستقلاليّة القضاء حجرا الزاوية في الوطن، شرط الانتقال من سجن محدوديّة المطالبة بالحقوق الى قضيّة وطن مسلوب الإدارة، والموجب تحريره.

القُدرة على استنفار العصبيّات باتت هائلة. التكتيك القائِم على التعمية على الحقائق أصبح نافراً. التكاذُب الهادِف الى تكريس مهادناتٍ مصلحيّة أمسى وقحاً.

كلّ ما سبق يحتاج انسياقاً الى تدوين سيناريو مسرحي، يؤدّي فيه تبعيّون مهمّة تقديم أزمِنة خلاصيّة، على قاعدة استرجاع حقوق ودفاعٍ عن صلاحيّات، فيما ذاك الآمر الناهي، وبذكاءٍ حاد، يرصُد السقطات والعثرات، ويراقب الجشع والتقاسمات، ليُدعِّم مضبطة اتهاماته حين يتجرّأ أيٌ من المستتّبعين على توهّم بإمكانيّة التحرّر من قيودٍ وتعهّدات وضعها في تصرّف سيّده.

اقرأ أيضاً: لبنان… إنقاذ تسوية متخيَّلة

دوّامة الوهم التفوّقي، والاستعراض الفولكلوري، تفرض علينا انكفاءً عن استمرار اعتبارنا للشأن العام على أنه حيّزٌ عام. وقناعة هذا الانكفاء مبنيّةٌ على أنَّ ثمّة من يُصِرّ على تجميلِ واقعٍ ميؤوسٍ منه.

التسويق للإصلاحات تّصدّرٌ لشاشاتٍ وأكثر من أثير، فيما الفِعل إمعانٌ في الإمساك الحديدي بخطوط الدفاع المؤسّساتيّة الدستوريّة السّياديّة كلّها.

التسويق لخيارات الإنقاذ إنغماسٌ في فذلكة مساراتٍ مؤقّتة ووقتيّة، فيما الفِعل تأبيدٌ لتقاسم مصالح لم يبقَ منها أساساً سوى عَفنٍ بُنيويّ.

التسويق لتموضعٍ في النأي بالنَّفس، أو أقلَّه المطالبة به، انحراف عن أداءِ مُساءلةٍ قانونيّة، فيما الفِعل قبولٌ بعجزٍ وتواطئٍ لحماية موقِع بل مواقع.

التسويق لدورٍ لبنانيّ عالميّ حضاريّ استثنائيّ، استهلاكٌ لتكرار مبادئ بلورها رجال دولة تاريخيّون، فيما الفِعل انسحابٌ عملانيٌ منها بحجّة أن الكَون متأمرٌ علينا، وسنواجهه من دون هوادة حتى النَّصر المؤكّد.

التسويق لميزاتٍ تفاضليّة في استقطاب الوافدين إلينا وجهةً استجماميّة، انغراسٌ في ترقيع مساحات جماليّات متميّزة، فيما البُنى التحتيّة مدمَّرة والتلوّث مستمر، والمستقبِلون موجوعون حتى النِّخاع.

التسويق لنجاةِ لبنان من مخاطر كيانيّة تغيّر صيغته انحيازٌ لديماغوجيا شعبويّة، فيما الفِعل الواجِب مهمّشٌ لحساب التسمُّر في مفاهيم تهويليّة تحريضيّة، تُخرِج وطن الانسان من جوهره المؤسِّس.

التسويق لـ”القوّة” في نهجِ التقابل الفوضويّ والعبثيّة الاستنسابيّة، والاستقرار المُميَّع، والتلاقي الانتهازي، والجولاتِ والصولاتِ المحفورة بذاكرةٍ تعتدي على إرثٍ وتراثٍ أدبيّ إبداعي، هذا التسويق المَرَضيّ مفروضٌ ومطلوبٌ ومؤدّاه مزيدٌ من التفتيت “الدَّولتيّ”.

أمام كلّ هذه التسويقات، هل الأفق عندنا في لبنان مسدود؟ كلّ المؤشِّرات تحكي هذا الانسداد. هزيلٌ افتراض ثغرةٍ نلجُ منها لهزِّ المنظومة الزبائنية المُحكمة الإغلاق. وهشٌ أكثر افتِراض صَحوةٍ من أولياء الأمر الخاضعين لوَليّ أمرهم، فهُم وهو معهم من هذه التسويقات يستمدّون شرعيّتهم. كَسرُ هذه الشرعيّة غيرُ متوافِر إلاّ في قطاعين، إن سلَّمنا بقرار تاريخيّ لهما يمهِّد لإنتفاضةٍ غير تقليديّة. الأكاديميا والقضاء قطاعان ما زالا يختزنان قوّة دفعٍ جديّة رغم النكسات والتطويقات التي يعانيان منها.

الأكاديميا بدأت انتفاضتها من الجامعة اللبنانية، على أنَّ التحدّي الأساس، هو انتقال هذه الانتفاضة من أن تسجنها محدوديّة المطالبة بحقوق الجامعة، لتتحوّل قضيّة وطنٍ مسلوب الإدارة، والموجب تحريره. عدا ذالك ستنجح قوى الأمر الواقع بتصوير انتفاضة الجامعة اللبنانية عصياناً على الواجبات الوطنيّة.

القضاء نتطلّع إليه يتصلّب في حقّه باستقلاليّة تامة، ويرفض أيّ تعيينات، هنا وثمّة، تفرِضها قوى الأمر الواقع. غير مُفاجئ تسريباتٌ عن مُقبِلٍ إلينا من تسمياتٍ مرهونةٍ لهذا الوَليّ أو ذاك. المُستهجن أن لا يضرِب قضاةٌ يدهم على الطاولة، ويوقفوا هذا التشويه.

أكاديميّة الجامعة اللبنانيّة واستقلاليّة القضاء حجرا الزاوية… عدا ذلك فمن إنهيارٍ الى إنهيار!

إنتاج الفوبياويّات والأزمنة الخلاصيّة يتلازمان. هل قدرنا أن نتعايش مع المأساة أم نجهِض مفتعليها؟

السابق
عن الإسلاميين والعسكر ومقولة وجهَي العملة الواحدة
التالي
علمانيّون ضدّ الديمقراطيّة… ديمقراطيّون ضدّ العلمانيّة