حزب الله لا يريد «المثالثة».. الأحادية التامة وبكامل سلاحها

منير الربيع

راجت لدى معارضي حزب الله، طوال الفترة الماضية، نظرية مفادها أنه يسعى إلى تحقيق “المثالثة” في بنية النظام اللبناني (سنّة، شيعة، مسيحيون)، بدلاً من المناصفة (المسيحية – الإسلامية). وأن هدف الحزب من ذلك هو تعزيز سطوته السياسية وتأمين صلاحيات دستورية لنفوذه، لا يمكن الخروج عنها مهما دارت الأيام وبلغت التطورات. وربما كان إصرار معارضي الحزب على هذه النظرية قد أوقعهم في خطأ استراتيجي، لطالما نجح الحزب في المراكمة على مثله من أخطاء، فحقق ما يطمح إليه في المعادلة الداخلية.

نفى الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، أكثر من مرّة، وجود أي توجه لدى حزبه لتعديل اتفاق الطائف، أو إلغاء المناصفة وطرح المثالثة. كما يؤكد دوماً بأنه لا يريد تقليص صلاحيات رئيس الحكومة السنّي. والأكيد راهناً، أن المثالثة لن تخدم حزب الله في هذه المرحلة، طالما هو على هذا القدر من القوة والفاعلية السياسية، إذ وصلت الحال اللبنانية إلى ما يشبه الأحادية، بدلاً من المناصفة أو المثالثة.

اقرأ أيضاً: كواليس رئاسية في السباق الى المركز الأول

فوق الجميع
إنها أحادية، يستطيع فيها الحزب الإمساك بزمام القرارات لبنانياً، ولا يقدر أي طرف آخر أن يعارض توجهاته، أو يخرج عنها. وتجربة رئيس الحكومة سعد الحريري في لحظة إسقاط حكومته في العام 2011 هي خير مثال. ميزة حزب الله، بأنه ينجح في إدارة القتال بسيوف الآخرين، كمن “يلقّم المسدسّ” ويعطيه لغيره ليطلق النار. بل وبسبب فائض قوته وفائض نفوذه، تحوّل إلى حاجة ضرورية لكل القوى السياسية، سواء كانت على تحالف معه، أم على خصومة. وأعتى خصوم الحزب وجدوا أنفسهم بحاجة إلى الحصول على صكوك الغفران منه، بلفتة أو بشهادة تقدّر أداءهم أو تبرئهم من تهمة التورط بملفات فساد، على سبيل المثال.

حقق الحزب أحاديته السياسية، بالاستناد إلى ظروف محلية وإقليمية، أوصلت أوثق حلفائه إلى رئاسة الجمهورية، ودفعت بأعتى خصومه إلى تطبيع العلاقة معه، والإقرار بحاجتهم إليه ليبقى محتفظاً برئاسة حكومة ستبقى خاضعة لمعادلة سياسية يهندسها الحزب نفسه بما ينسجم وتوجهاته. ولذلك، يبدو الحزب مطمئناً في الداخل، ولا حاجة لديه لافتعال إشكالات مع القوى السياسية. وربما لهذا السبب لم يظهر بقوة على طاولة مجلس الوزراء، أثناء نقاش الموازنة، بخلاف سعي القوى الأخرى لاستعراض نفسها. لقد كان الحزب مهتماً بملفات أخرى خارج لبنان، حيث تدور المناوشة الكبرى بين إيران وأميركا وبعض الدول العربية. لكن من المؤكد أن الحزب سيعوض ذلك محلياً، بحضور مشهدي وكلامي في جلسات مجلس النواب لمناقشة الموازنة.

من لبنان إلى إيران
سيعمل الحزب في مقبل الأيام أكثر فأكثر من أجل ترسيخ حضوره سياسياً في الداخل، مرفقاً ذلك بحملة طمأنة لمختلف القوى السياسية أنه يريد الحفاظ على “الطائف” و”التنوع”. وسيؤكد حرصه على ضمان انتخاب الرئيس المسيحي صاحب الشرعية، وأيضاً على اختيار رئيس الحكومة الشرعي في بيئته. فهو يعلم أن الرئيسين (مهما كانا) لن يكونا قادرين على الخروج من تحت سقف الحزب. ما يعني عملياً تثبيت أحاديته السياسية من دون إثارة مخاوف القوى الأخرى. أما مضمون المثالثة، فيتحقق بالممارسة السياسية، ويتوج بقضم ما تبقى من اتفاق الطائف، على يد رئيس الجمهورية وفريقه، مقابل بقاء الحزب بعيداً عن هذه التفاصيل.

وبالتزامن مع سعي الحزب إلى تكريس نفوذه في المعادلة الداخلية، فهو ينشغل بملفات المنطقة وتطوراتها، ويترقّب ما يمكن أن يؤدي إليه هذا التصعيد المستمر بين واشنطن وإيران، وسط مؤشرات تفيد بأن طهران لا تريد رفع حدة التوتر. فالإيرانيون يعرفون أنهم غير قادرين على مواجهة عسكرية مدمرة قد تقضي على مشاريعهم وعلى مقومات دولتهم، وخيارهم الفعلي في النهاية سيكون ترتيب مفاوضات لا تظهر فيها الهزيمة على أي من أطرافها. فإن تم ما يتمناه الإيرانيون، فسيجمعون غلة وافرة من المكاسب على المدى البعيد. كما سيستفيد حزب الله لبنانياً، من كل التسويات التي سيتم إبرامها، محلياً أو خارجياً.

يوقن حزب الله أن المفاوضات الإيرانية الاميركية ستبدأ على نحو أو آخر، وهي ستكون لصالح إيران كما كان الحال في العام 2015، ونجحت حينها بتحقيق تمددها الكبير على كل ساحات المنطقة. صحيح أنه قد يخرج اليوم من يقول إن تحقيق إيران لنفوذها الواسع في المنطقة، حدث خلال ولاية باراك أوباما، وأن الوضع اليوم مختلف مع دونالد ترامب، إلا أن إيران ستعمل على تقديم بعض التنازلات تتعلق بالمشروع النووي أو بالصواريخ البالستية، مقابل الاحتفاط بمجال نفوذها في المنطقة، الذي لن تتخلى عنه مهما بلغ الثمن.

السلاح ما بعد الترسيم
يعلم الحزب أيضاً، أن المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية غير المباشرة، بوساطة أميركية، لترسيم الحدود، براً وبحراً، وكل المساعي للإنتهاء منها، هي إحدى أوراق ومجالات التفاوض بصورتها الأوسع في كل المنطقة. ولذا، سجّل الحزب خطوة استباقية الأسبوع الفائت على لسان نصر الله، بأن السلاح والمقاومة هما لتحرير الأراضي المحتلة وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر، كما أن وظيفته ستكون لمواجهة التوطين وصفقة القرن. وهذا الكلام يعني أن الحزب وضع الشروط الكبيرة والمدى الذي يريده، مستبقاً حصول أي تطور في المستقبل.

وبما أن المفاوضات التي تدور حول ترسيم الحدود، لا تشمل الأراضي المحتلة الآنفة الذكر، فستبقى لبنانية مزارع شبعا غير محسومة. عملياً، ستبقى “غير لبنانية” بالنسبة لواشنطن وتل أبيب والأمم المتحدة، و”مكتومة الجنسية” عند النظام السوري، و”لبنانية إلى حد ما” أو “لبنانية تقريباً” أو “جزئياً” عند البعض.. إلخ، بما يتيح لحزب الله “الاستثمار” فيها إلى ما لا نهاية، ذريعة لسلاحه، تماماً كما هو الحال منذ العام 2000 ثم في 2006 وبعد القرار 1701. والخلاصة، ستبقى الأراضي المحتلة ضائعة بين لبنان وسوريا وإسرائيل، ويبقى حزب الله على سلاحه، ويترسخ ربط النزاع بالجولان، وبالقرار 242. أي الاستمرار في الدوامة ذاتها القائمة منذ عقود.

السابق
كواليس رئاسية في السباق الى المركز الأول
التالي
جبهة سياسية جديدة في لبنان: مواجهة الوصاية الإيرانية وحزب الله؟