الغرب: الهوية والسيادة في مواجهة العولمة

في واقعنا العالمي اليوم، نعيش ثلاثة ثورات علمية تفوق اهمية كل واحدة منها، عشرات اضعاف ثورة آلة البخار والثورة الصناعية. اين المنطقة العربية والاسلامية، من هذه الثورات واسئلتها؟

الثورة العلمية الاولى هي (#عولمة_المعرفة) التي تاتي سرعة الاتصال وتكنولوجيا الانترنت والحواسيب والذكاء الصناعي كمكونات لها وتجعل من ( المعرفة) السلعة الاكثر تكثيفا للقيمة المضافة والربحية.

أما الثورة الثانية فهي النانو تقنيات Nanotechnologies والتي قلبت خواص المواد وتفاعلاتها الفيزيائية والكيميائية وانتجت مواد جديدة لصناعات جديدة وادوات مذهلة باحجامها، صغيرها وعملاقها، وفوائدها واستعمالاتها وفتحت صناعات وآفاق في الفضاء والطب والزراعة والصناعة لم تكن ممكنة في السابق، وانعكس ذلك على الثورة الاولى فوسع افاقها وفتح لها مجالات جديدة للتطبيق والاستثمار الخ…

الثورة الثالثة وهي بنفس أهمية الثورتين السابقتين، هي ثورة الهندسة الوراثية والتي كان من بنيانها اكتشأف الجينوم البشري كاملا وتطور علم البذور والتهجين والتأصيل في عالم الغذاء والزراعة والحيوان وتطور الطب والصيدلة واستعمال الخلايا الجزعية والاستنساخ البيولوجي والذهاب الى عالم تصوير الفرميات ودراسة تفاعلاتها الخ…

اقرأ أيضاً: دوامة الشرق الاوسط

مذهل عالم تعصف فيه ثورات ثلاث متآلفة متزامنه ومتفاعلة متراكمة، كل واحدة تستزيد اختها مجالات تطبيق ومنافع…
الثوراث الثلاثة كل واحدة تساوي اضعاف مضاعفة لثورة البخار وآلتها، تلازمها يضاعف اضعاف مضاعفة، أثر وفعل ومدى كل واحدة، وهي حين تلازم الاخرى تتضاعف مرة جديدة تطبيقاتها وآفاقها.
لا يوجد احد يستطيع مواكبة هذا التقدم الهائل السرعة في العالم الأول، الحكومات الرشيدة في الغرب والشرق الاقصى تذهب الى تشجيع البحث العلمي وزيادة تمويله والى اصلاح أنظمة التعليم المختلفة وخاصة الجامعية منها وتبني برامج التدريب الدائم واعادة التأهيل لاعادة إدماج القوى العاملة بخطوط الانتاج الحديثة والمتطورة.
وحدها منطقتنا العربية والإسلامية من المغرب حتى افغانستان تعيش عالم سكينة الغافل الجاهل، تضربها رياح التغيير العالمية وتسحقها، فتتفتت مجتمعاتها وتنعدم انتاجيتها، وتذهب الى استغلال مواردها الطبيعية والعيش منها، بين عصف حداثة قادمة تفرض تغييرا في نمط الحياة والاستهلاك وسيادة سلفية فكرية تتبدل من عقيدة الى أخرى، تتشظى دولنا وتتهدد وحدة مجتمعاتنا ويسود العنف في كل ازمة وتتوالى أفواج اللاجئين للهجرة الى غرب موعود.

في خدمة رأسالمال المعولم افواج من المهندسين المهرة تزيد انتاجية المصانع وجودة سلعها وسرعة انتاجها مستغنية بواسطة الاتمتة والروبوتات عن آلاف الأيادي العاملة واضعة اياها بين خيارين لا ثالث لهما اعادة التأهيل ورفع المهارات او الذهاب الى البطالة.
الشعبوية الصاعدة في الغرب هي احدى تجليات العجز عن المواكبة، حيث تشعر قطاعات واسعة من العاملين في ميادين انتاجية مختلفة صعوبة فادحة في البقاء عاملة داخل التقنيات التنافسية الجديدة،
كما تشاهد عاجزة تقليص فرص العمل القائمة، بسبب هجرة واسعة لصناعات كاملة نحو مراكز انتاج اقل كلفة وأكثر ربحية في الشرق الاقصى في تحول هائل لـ”رأسمال متمركز” في دول كبرى الى “رأسمال معولم” وسائل يخترق الحدود والدول ويتجاوز الحكومات، يفاقم الامر الهجرة الوافدة من دول الجنوب والحروب، للتنافس على مهن لا تتطلب اي مهارة بل جهدا بدنيا صرفاً.
تصاعد نفوذ الاحزاب اليمينية ونمو النزعات الانعزالية والعنصرية، ليست إلا خلجات عرضية لقوى إنتاج تنتمي لعصر مضى، حيث كانت الدولة الوطنية تشكل حماية لها، وتمييزاً لمستوى معيشتها. الأحزاب اليمينية في أوروبا ترفع راية الحفاظ على الهوية والسيادة الوطنية وتقارع اي فعل ادماجي في الوحدة الأوروبية، فيما بريطانيا تخرج مثخنة الجراح خارج القارة الهرمة.

أسئلة النخب العلمية المساهمة في هذا السيل الجارف من التقدم والانجاز لم تعد مفهومة من شرائح واسعة من البشر والعامة، وطبعا الاجوبة على التحديات التي تتطلبها مواكبة الثورات الثلاثة واستغلال ارباحها وفوائدها ليست متاحة ولا مصاغة من قبل رجال السياسة والحكومات والسلطات في العالم المتقدم ،فكيف بعالمنا الذي يشغل باله دخول الحمام بالقدم اليسرى ام بالقدم اليمنى.

نعم نحن لسنا طرفاً مساهماً في تقدم العالم وابحاثه وثوراته العلمية، اسئلتنا ليست جزءاً من أسئلته، لسنا معنيين بالبحث عن الأجوبة العالمية لأننا أصلاً لم نطرح هذه الاسئلة، لسنا طرفاً ممن يساهمون في إيجاد الإجابات العالمية، نستهلك ثمار الانجازات من موقع الهامش والعديم الجدوى، ونعيش حالة إنكار لتبرير غربتنا عن عالم يتقدم، وتزعج أصوات تقنياته غفوتنا الأبدية.

السابق
21 قتيلاً مدنياً في قصف جوي لقوات النظام السوري في إدلب
التالي
“الخارجية الاميركية”: حملة الضغوط القصوى على ايران مستمرة