خطة طهران البحرية

التوترات الاخيرة بين الولايات المتحدة وايران زادت المخاوف من تهديدات جديدة مثل اغلاق المضائق الذي سيضر بشدة حركة السفن من والى اسرائيل، وكذلك من ارهاب بحري. في هذه الاثناء يعتقد خبراء أنه لا يوجد لاسرائيل استراتيجية بحرية شاملة لأن سلاح البحرية معد بالاساس لمواجهة تحديات الماضي.

اسرائيل غير مشاركة. هذا هو الموقف الرسمي الذي يسمعه كل من يسأل ما الذي سيجلبه التوتر في العلاقة بين ايران والولايات المتحدة على القدس. لا يشاركون، لا يتطرقون ولا يردون. تداعيات؟ ضرر محتمل على الصعيد البحري؟ الافواه مغلقة.
لكن على الصعيد غير الرسمي ومن خلف الكواليس يتم ابداء المخاوف. في اسرائيل يعرفون جيدا أن تصعيد محتمل على محور طهران واشنطن يشكل تهديد استراتيجي من نوع آخر: المس بحرية الحركة في المسارات البحرية من والى اسرائيل.
رئيس الحكومة نتنياهو ورجال الاستخبارات في اسرائيل يتلقون تحديثات من الامريكيين ومن دول اخرى عن التطورات. ثلاثة من الاسماء التي كما يبدو تظهر في هذه التحديثات هي مضائق باب المندب ومضائق هرمز وقناة السويس ايضا. الايرانيون يهددون باغلاق شامل لها: لا يسمح بدخول السفن التجارية، ومن سيدخل سيعرض نفسه للخطر. هذا تهديد صريح وشديد ليس أقل من التهديدات الاخرى التي تواجه اسرائيل من طهران وحزب الله وتعتبر ملموسة اكثر. هنا الرأس المتفجر غير مركب على صاروخ.
لا يوجد بديل لهذه المسارات البحرية. هي تعتبر من اهم المسارات في العالم. حوالي 20 في المئة من تجارة النفط العالمية تمر كل سنة في تلك المضائق. باب المندب الذي هو البوابة بين آسيا وافريقيا عبر قناة السويس الى البحر المتوسط واوروبا، من الصعب التقليل من اهميته. بالنسبة لاسرائيل فان 90 في المئة من التصدير والاستيراد التجاري يتم من خلال البحر، و12 في المئة منها تمر في باب المندب. لذلك فان تجارة اسرائيل مع دول الشرق، ولا سيما الاستيراد من الصين، تبلغ 15 مليار دولار في السنة.
صحيح أن اغلاق المضائق يوجد الآن على الورق فقط، لكن يبدو أنه بسبب اهمية باب المندب للتصدير والاستيراد بالنسبة اسرائيل لا مناص من الاستعداد لهذا السيناريو. سواء في المستقبل القريب أو البعيد. على كل الاحوال سيكون لذلك ثمن. في افضل الحالات سيكون هذا فقط ارتفاع (كبير بلا شك) على اسعار تأمين السفن. وفي اسوأ الحالات سيتم وقف حركة السفن. مع ذلك سيصعب على الاقتصاد الاسرائيلي مواجهة ذلك – بالتأكيد لفترة طويلة.

اقرأ أيضاً: الورطة الايرانية

هل يوجد ائتلاف
هنا يدخل الى الصورة الردع الاسرائيلي، أو على الاقل من شأنه ان يدخل. التهديدات الايرانية التي وجدت تعبيرها الواسع في الفترة الاخيرة ليست هي الاولى بهذا الشأن. في السابق ادارت اسرائيل تبادل لكمات لفظي مع طهران في الموضوع البحري، عندما هدد وزير الدفاع الايراني امير خاتمي في شباط الماضي بأن “طهران ستدمر تل ابيب وحيفا اذا هاجمت الولايات المتحدة ايران”.
رئيس الحكومة نتنياهو سارع الى الرد عليه في اليوم التالي وهو يقف على حاملة صواريخ اسرائيلية، بأنه “ايضا صواريخنا يمكنها الوصول بعيدا”. قبل ذلك في شهر آب هددت ايران باغلاق المضائق، عندها اعلن رئيس الحكومة بأنه “اذا حاولت ايران اغلاق مضائق باب المندب ستجد نفسها امام تحالف دولي مصمم يشمل ايضا دولة اسرائيل بكل اذرعها”.
ولكن يطرح سؤال ما الذي يقف من وراء هذه التهديدات، وهذا التوعد. لاسرائيل “لا توجد استراتيجية بحرية شاملة”، هكذا يعتقد البروفيسور شاؤول حوريب، العميد احتياط الذي كان في السابق قائد فرقة غواصات وسفن صواريخ والآن هو يترأس مركز ابحاث للسياسات والاستراتيجية البحرية.
في التقدير الاستراتيجي البحري الشامل لاسرائيل الذي نشره المركز في كانون الثاني الماضي كتب أنه كان من الجدير أن يكون رد رئيس الحكومة على تهديدات ايران “مدعوم باستراتيجية شاملة لسلاح البحرية لمواجهة هذا الامر عن طريق تحالف بحري مع قوات غربية تعمل في المنطقة أو بشكل مستقل”.
حوريف ليس الوحيد الذي يعتقد أن اسرائيل ليست لديها الاستراتيجية المطلوبة. ويشاركه في ذلك شخصيات امنية في الحاضر والسابق وباحثون في هذا المجال. هؤلاء يكررون التحذير بأن سلاح البحرية يبني قوته للعقود القادمة بصورة لا تستجيب بالضرورة للتحديات والمهمات المتوقعة لها في الساحة المتغيرة.
عدد منهم يعتقدون أنهم في سلاح الجو يفكرون بمفاهيم قتال امام سفن حربية للعدو ويصرون أن يكونوا بين القوات المقاتلة في جولات القتال في غزة، رغم أنه حسب أحدهم “تأثيرهم على القتال في هذه الاحداث هو هامشي وربما ليس له تأثير”. اضافة الى ذلك، عدد آخر منهم يعتقدون أن قيادة الجيش الاسرائيلي وقادة سلاح البحرية في العقد الاخير حولوا موضوع تأمين مواقع استخراج الغاز الى نقطة جذب لميزانيات وشراء لم يشهدها السلاح منذ اقامته. ولكنهم اهملوا مجالات اخرى، لا تقل اهمية عن ذلك، مثل، وربما بالاساس، الأمن الجاري.
هؤلاء الاشخاص يذكرون امثلة على ذلك مصر والهند والسعودية واسلحة بحرية اخرى التي فهمت أنه مطلوب منها التغيير. سلاح البحرية في اسرائيل، يقولون، بقي بهذا المعنى في الخلف. هو لا يقبل حقيقة أنه يجب عليه أن يوفر الدفاع للاقتصاد الاسرائيلي، مثلا المسارات التجارية لها.

ظاهريا يبدو أنهم في سلاح الجو يدركون ذلك. في مقابل نشر قبل سنة في مجلة “انظمة” كتب قائد سلاح البحرية، الجنرال ايلي شربيت، أن “التهديد على الوساطة البحرية تغير وتحول الى شيء اكبر ومختلف عما كان في السابق”. وحسب اقواله يجب تحقيق “تفوق بحري” وخلق “جدار حديدي” في الدفاع، سواء على المنشآت الاستراتيجية أو على الابحار الضروري فوق وتحت الماء.
مرت سنة وظهر مرة اخرى تناول للموضوع في نفس المجال. هذه المرة كان الكاتب هو المقدم دوفي راز، رئيس قسم المنصات في قسم الوسائل القتالية للسلاح: “يصعب عدم التساؤل اذا كنا على عكس الوعي البحري الذي كان سلاح البحرية الهندية يعمل على تطويره في السنوات الاخيرة، لا يعاني من “العمى البحري”، كتب. “هل يمكن أن يكون أننا لم نستطع الوقوف على كامل اهمية الوساطة البحرية لدولة اسرائيل من كل الجوانب – الاستراتيجية والعسكرية والتجارية والاقتصادية – وجوانب اخرى لا تحظى اليوم برؤية شاملة من قبل أي جهة كانت، سواء سياسية أو عسكرية”.
في مركز ابحاث السياسات والاستراتيجية البحرية أخذوا في هذا الموضوع خطوة اخرى الى الامام وقالوا إنه في اسرائيل يتم تنفيذ “عمليات شراء غير منظمة لسلاح البحرية ووزارة الدفاع”. وقدموا مثال على ذلك هو تسلح سلاح البحرية بسفن مخصصة لمهمات بعيدة وغير مناسبة ايضا للدفاع عن منصات الغاز القريبة. الحديث لا يدور فقط عن السفن، بل ايضا عن ما يوجد عليها، مثلا الوسائل القتالية المخصصة لمعارك سفن ضد سفن.
الامر يصبح ملموس اكثر عندما نأخذ في الحسبان دقة الصواريخ وزيادة مداها، المعنى هو أنهم في اسرائيل يجب أن يخافوا من صواريخ تطلق من البر وليس من البحر.
بحر طهران
نظرة على توزع احداث الارهاب في العالم تظهر أن الاحداث التي تحدث في البحر تشكل 2 في المئة فقط، ولكن التداعيات الامنية والاقتصادية لها هي ذات ابعاد كبيرة. ليس مفاجئا اذا أن شخصيات رفيعة في جهاز الامن وباحثين يحذرون من أنه في العام 2019 فان احتمالية تنفيذ عمليات ارهابية من قبل منظمات مثل القاعدة وداعش في المنطقة تعتبر مرتفعة، وترتكز على نوايا معلنة لهذه التنظيمات بالتشويش على حركة السفن التجارية في مسارات الابحار الحيوية.
هنا، كما يبدو، تدخل ايران ايضا. في السنوات الاخيرة ركزت ايران على تطوير قدرتها البحرية على فرض أنها ستمكنها من خلق ردع جديد امام الولايات المتحدة والسعودية ودول اخرى. في المقابل، هذه القدرة يمكن أن تخدمها ايضا في مناطق يوجد لها فيها نفوذ ما مثل سوريا ولبنان واليمن.
يوجد لايران سلاحي بحرية. الاول هو جزء من الجيش النظامي والثاني هو سلاح البحرية لحرس الثورة. الاخير يشمل حوالي 20 ألف مقاتل، الذين 5 آلاف منهم ينتمون لوحدة الكوماندو. ومهمة هذه الوحدة هي مهاجمة موانيء العدو ومنصات الغاز ومنشآت النفط والطاقة. يوجد لهذه القوة قدرة على اطلاق الصواريخ من الشاطيء ومن السفن المعدة لاغلاق المسارات البحرية عند الحاجة (ضمن امور اخرى، يوجد لها وسائل ابحار سريعة، وضع الغام بحرية وسيارات لاطلاق صواريخ بر – بحر).
القوة المكملة هي قوة سلاح البحرية النظامي. ليس لديه في الحقيقة القدرة على تنفيذ عمليات في منطقة الخليج الفارسي، لكن يوجد له قوة لا بأس بها. ايضا يوجد فيه 20 ألف جندي من بينهم 5 آلاف من طواقم البحرية. يوجد لهذا السلاح لواءين من مشاة البحرية تشمل 6200 شخص تقريبا، وقوة جوية تشمل 2000 شخص تقريبا. ومن بين ما يملكه يوجد لديه طرادان وثلاث غواصات قديمة و11 سفينة صواريخ و13 سفينة برمائية من اجل هبوط الوية مشاة البحرية.
للوهلة الاولى، سلاحا البحرية معا لا يمكنهما أن يشكلا خصم لاسلحة البحرية المقابلة لهما، لكن ربما هذا هو امر مؤقت. على ضوء قرار ايران تعزيز قوتها في الساحة البحرية، في السنوات الاخيرة حظي سلاحا البحرية بميزانيات مرتفعة وشراء معدات ووسائل قتالية اكثر تطورا.
بصمات اصابع
الى جانب الاسلحة الرسمية يوجد ايضا اسلحة اقل رسمية. مثلما في البر، ايضا في البحر تشغل ايران مليشيات تسلحها بوسائل قتالية مثل الحوثيين في اليمن. في كل الحالات التي عمل فيها الحوثيون ضد السفن الاجنبية، لا سيما ضد سفن السعودية، ظهرت بصمات ايرانية.
اذا قررت ايران في هذه المرحلة أو تلك اغلاق المضائق فمن غير المستبعد أن يدخل الحوثيون ايضا الى الصورة، لا سيما في باب المندب، حيث هناك تعمل منظمتهم من داخل اليمن. الحوثيون يستخدمون في المنطقة عدد كبير من الوسائل، منها قوات كوماندو بحري، سفن انتحارية غير مأهولة والغام مربوطة ببعضها التي يتم تشغيلها في سلسلة من اجل الاضرار بالسفن. كل ذلك يشكل ضوء تحذير.
“يبدو أن الساحة في اليمن وخاصة في البحر، تحولت الى ساحة تجارب للوسائل القتالية الايرانية، ولا سيما القوارب غير المأهولة وتشغيلها العملياتي”، كتب المقدم احتياط ايال بنكو في مقال نشره مركز ابحاث السياسات والاستراتيجية البحرية.
بنكو، رجل سلاح البحرية السابق، شغل وظائف عملياتية واستخبارية، يعتقد أنه على ضوء التطورات والتهديد الايراني للمجال البحري الاسرائيلي، على سلاح الجو واجهزة الامن جميعها اعطاء أولوية لـ “بناء والحفاظ على صورة استخبارية محدثة بخصوص ما يحدث في المنطقة، تدخل ايران، الوسائل القتالية والبنى التحتية المقدمة من قبل ايران. وايضا نظرية القتال الايرانية – الحوثية المتطورة والتي تطبق في المنطقة”.
بنكو لم يركز على السفن الحربية، معركة في البحر الابيض المتوسط أو تصعيد مستقبلي في غزة. هو بالفعل يذكر الالغام، وليس فقط الذين يبحرون فوقها.
عن الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي جاء أن “حسب قرار الحكومة فان سلاح البحرية يتحمل مسؤولية الدفاع عن المنشآت البحرية في المجال البحري. فانه في الجيش الاسرائيلي تمت بلورة نظرية استراتيجية واضحة للدفاع عن المنشآت الاستراتيجية في مجال المياه الاقتصادية التي صودق عليها من قبل الجهات ذات العلاقة في الجيش الاسرائيلي والمستوى السياسي. كجزء من هذه النظرية ومن خلال الوعي أنه لكل واحدة من هذه المنشآت الاستراتيجية مطلوب حماية دائمة دون صلة بموقعها، فقد تم التخطيط لمشروع السفن الدفاعية ووجد أنها تشكل الرد الفعال للضرورات العملياتية”.
وجاء من الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي ايضا أنه “في الواقع الحالي وعلى ضوء تغير التهديدات، اضافة الى التهديد من البر، يجب مواصلة التدرب وتحسين القدرة القتالية البحرية التقليدية. الدافع المحرك للنظرية العملية لسلاح البحرية هو فقط الاعتبارات الامنية. وهذه يتم تكييفها مع البيئة المتغيرة. نشاط سلاح البحرية كان اثناء المعركة في غزة جزء من نشاط الجيش الاسرائيلي الذي تم من خلاله مهاجمة قدرات العدو.

السابق
شكراً آيسلندا شكراً للمتمردين على مادونا
التالي
بدء جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي