صفقة القرن.. الوقت لتغيير الفكر

الفشل المضمون لصفقة القرن هو فرصة لإسرائيل لفتح عيون الامريكيين على الواقع المعقد في منطقتنا وحملهم على تأييد "ادارة النزاع".

ان بيان جارد كوشنير بان خطة السلام للبيت الابيض ستنشر في بداية شهر حزيران يطرح السؤال اذا كان يمكن للولايات المتحدة الرئيس ترامب ان تحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. فتفاصيل الخطة ابقيت في السر، ولكن يبدو أنها تعنى بالمسائل الجوهرية كالحدود، القدس واللاجئين. كما يخيل ان ادارة ترامب ستعرض سكاكر اقتصادية على الفلسطينيين بخاصة كي تحلي الصفقة. فخطة الادارة الامريكية تقوم اغلب الظن على اساس الافتراض الدارج في الاسرة الدولية في ان السلام يستوجب تنفيذ مبدأ دولتين للشعبين.

لا شك ان الحكومة التالية ستبحث مع الامريكيين في خطتهم حتى لو كانت لها تحفظات على الحماسة الامريكية لجلب السلام الى منطقتنا. فرئيس الوزراء نتنياهو، الذي وافق في الماضي على خطة بلورتها ادارة اوباما، سيتمسك بالوعد بالترحيب بالبشرى من واشنطن. ثمة يقين مشابه بشأن السلوك المتوقع في الطرف الاخر: فالقيادة الفلسطينية، التي تقاطع قنوات حوار عديدة مع الامريكيين، ستواظب على رفضها. من الصعب الافتراض بان عرض ادارة ترامب سيكون أكثر سخاء من العروض لتنازلات كبيرة سبق أن وضعها على الطاولة ايهود باراك أو ايهود اولمرت ورفضها الفلسطينيون. للحقيقة، فان التنازلات الاسرائيلية التي لعلها كانت ممكنة في الماضي تعتبر اليوم خطيرة للغاية، للسبب البسيط في أن معظم الاسرائيليين مرة اخرى لا يرون في الفلسطينيين جيرانا يمكن التعايش الى جانبهم بسلام.

اقرأ أيضاً: نصر الله: إحتمال إندلاع الحرب هذا الصيف مرتفع وقد يُقتل معي نصف قادة الصف الأوّل!

يفهم معظم الجمهور في اسرائيل بان فجوة المواقف بين الحركة الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية غير قابلة للجسر. ومع مرور الايام تبين أيضا ان الفلسطينيين غير قادرين على أن يقيموا دولة اختبار وجودها هي احتكار استخدام القوة. ليس لهم القدرة على ان يحتفظوا ببنية تحتية دولية ويسيطروا على الميليشيات المسلحة؛ احداها – حماس – احتلت قطاع غزة. كما ان انهاء النزاع لا يزال بعيدا ايضا لان للحركتين القوميتين لا يزال هناك طاقة كبيرة لمواصلة القتال في سبيل اهداف تعد اهم من السلام، مثل القدس.

يخيل إذن ان صفقة القرن لن تنجح في انهاء النزاع، وستنضم الى باقي المبادرات الامريكية التي طرحت في الماضي دون جدوى. وبالمقابل، فان الشخصيات التي تقف خلفها يتركون مجالا للتفاؤل. فادارة ترامب لا تتمسك، على اقل تقدير، بالصيغ الدبلوماسية المقبولة والسليمة سياسيا. ويحتمل أن يشجعها فشل صفقة القرن ويشجع رجالها على تبني فكر آخر.

على اسرائيل أن تري الامريكيين بان محاولة اقامة “دولتين للشعبين” الان ليست عملية ولن تضمن الاستقرار. ينبغي اعداد الارضية لتأييد امريكي للسياسة الاسرائيلية التي اتخذت عمليا في السنوات الاخيرة وبنجاح غير قليل: ادارة النزاع.

في ظل غياب امكانية لانهاء النزاع ومع الفهم بان المحاولات لانهائه تتسبب فقط بالاحباط وبالاضرار، ينبغي السعي الى هدف اكثر تواضعا، ولكنه مجد اكثر فاضعاف: تقليص المعاناة للطرفين في نزاع متواصل وغير قابل للحل. ينبغي استغلال حقيقة ان المسألة الفلسطينية لم تعد توجد في مركز جدول الاعمال العالمي واحساس الالحاح “لحلها” تبدد. يحتمل أنه مع مرور الوقت سينشأ من اوساط الفلسطينيين جيل قيادي جديد ذو فكر عملي أكثر، وفي المستقبل قد تنشأ الظروف التي تعطي فيه محافل عربية مسؤولية أكثر كتفا لاعتدال التيارات المتطرفة للمجتمع الفلسطيني.

في هذه الاثناء، بسياسة رقيقة وعاقلة، يمكن ضمان حياة مريحة قدر الامكان لمعظم الناس بين البحر والنهر. ادارة النزاع هي استراتيجية حذرة تمتنع عن الاستجابة للمطالب الديماغوجية من الطرفين – إما الحسم العسكري او الانسحاب احادي الجانب.

ان الفشل المضمون لصفقة القرن هو فرصة لاسرائيل لفتح عيون الامريكيين على الواقع المعقد في منطقتنا وحملهم على تأييد “ادارة النزاع”. واشنطن، التي اكتوت غير مرة في الماضي بـ “صنع السلام” ولا تتمسك بالمسلمات الدولية، كفيلة بان تحرر اسرائيل من عقاب صيغة ليس فيها خلاص.

السابق
نيكولا معوض إلى هوليوود بدور رئيسي
التالي
خليل المتبولي: «هي وهنّ» – الطلاق نغمة حزينة بين الرجل والمرأة!