«ما فيي» وجبة عاطفية مجبولة بالسذاجة والرسائل

ما فيي
سعيت جاهداً لمتابعة مسلسل "مافيي" اللبناني السوري، وقليلة هي الحلقات التي فوتتها، وبعد مشاهدة الحلقة الأخيرة تفاقمت لدي خيبة الأمل.

في الشكل والمضمون، نجح المسلسل سلباً في إبراز نماذج لا أعتقد انها ما زالت موجودة الى اليوم، شخصيتا “ياسمى” كما كانت ترد باللهجة السورية، و”فوزي” حيث وسمت الشخصيتان بـ”سذاجة” مفرطة، فـ”ياسمين” القادمة حديثاً من باريس أغرمت بشاب غريب من دون مسوغ، قد يكون المبرر حب من النظرة الاولى، ولكن خلال مسيرة المسلسل، لا نجد مبرراً لاستمرار هذا الحب، خصوصاً، ان المحبوب، يحمل حقدا دفينا وهو جاء لينتقم، ومع ذلك كانت على استعداد لتتزوجه، وأثبتت هذا الاستعداد في الحلقة الاخيرة…
اما “فوزي” فهو شخصية، يستحي فيها الهبل، فإذا كان قد أغرم بالحسناء السورية الوافدة الى القرية، فإن ما يخبرنا به المسلسل عن هذا الغرام لا يبرر هذا الهيام المفرط الى درجة الانتحار، والانهيار النفسي لسنوات خمس، وهو لم يكد يستفق من صدمته العاطفية، الاولى، حتى وقع بسذاجة مضاعفة، بغرام ابنة عشيقته، مماهيا شخصيتها بشخصية والدتها الى درجة ان عقله فقد التمييز بين الشخصيتين…

اقرأ أيضاً: دراما رمضان: تقدم لبناني وتعثر مصري وضباب في المشهد السوري

شخصية “ابو فوزي”، هي ايضا محورية في المسلسل، ولكن مع نهاية المسلسل يتبين ان “ابو فوزي” مظلوم، فهو لم يقتل، مع ان حبكة المسلسل، كانت تقود المشاهد الى انه قاتل، والجريمة الوحيدة التي قد يكون متهما بها هي وفاة صهره “ياسر” زوج ابنته صباح، على ما قاله “رئيس البلدية”، بعد وفاة “أبو فوزي”، بناء على ما تنهاى الى مسمعه، ملقيا باللائمة على شخص متوف، في قتل “ياسر”، ما يضع شهادته محط شك، فالفاعل والمرتكب العابث بالآلية التي قتل فيها “ياسر” توفي، من دون ان يتضح كيف!!؟

وما خلا ذلك، فإن “أبو فوزي” القادر الثري الشرير صاحب النظرات القاسية، لم يبدر منه خلال المسلسل، ما يثبت إجرامه المزعوم، سوى تكرار وترداد كلام من دون أفعال جرمية تنسب اليه صراحة، فهو في النهاية، رب عائلة، يسعى الى حماية أسرته، في ظل ما كشفه المسلسل عن سذاجة نجله فوزي، وتهور ابنته صباح في الزواج ممن اعتبره والدها “اقل شأنا منها” وهذا شعور طبيعي لكل والد يريد الافضل لأبنائه من وجهة نظره وإن كان مخطئا، إلا أن هذه الغيرة على الابناء، لا تجعل منه مجرما.

“أبو فوزي” الذي جهد في بناء ثروة، مالية وعقارية، وتعب وكدّ منفردا، وجد نفسه وفي غفلة عنه مضطرا الى مقاسمة ما تعب من اجله مع “غريبة وعائلتها” التى لا تمت الى عائلته بصلة فسعى الى حماية تعبه من دون ان يعطينا المسلسل اي مسوغ غير أخلاقي قام به “ابو فوزي” ، او جرمي، للمحافظة على الاملاك، باستثناء التلاعب بالارث، بعد ان اعتبر عن غير وجه حق ان شقيقه لا يحق له مقاسمته املاك لم يتعب معه في تحصيلها وزيادتها.

الشخصيات السورية في المسلسل، ظهرت وكأنها مظلومة دائما، وتتلقى تعنيفات عائلة “أبو فوزي” وظلمها، حيث اخبرت الحبكة المشاهد، أن سوسن قتلت غدرا، وهي المظلومة الآتية الى قرية فيها عائلة متسلطة، غرر بها “فوزي” القادر والثري، والمتسلط إبن المتلسط، ولم تخلو حلقة من اتهام “فوزي” او والده، بقتل سوسن وزوجها غدرا، وكيف ان الاولاد تربوا أيتاما في كنف العمّة، في سوريا خارج لبنان، وعادوا لاحقا للانتقام خلال بحثهم عن الحقيقة.
وما أخفته الحبكة حتى الدقائق الاخيرة، هو شراكة سوسن في الجرم مع فوزي، فبدا انه لم يغرر بها، بل على العكس هي من غررت به، على غرار ما فعلت ابنتها حين استدرجته بعد ان كشفت نقطة ضعفه تجاه والدتها، وتباهت المغدورة سوسن، بعلاقتها بفوزي امام زوجته واستعلت عليها، ومسّتها بأنوثتها.
اما شخصية القاتلة التي ظهرت في الدقائق الاخيرة، فهي اكثر شخصية تعرضت للظلم في كنف عائلتها، فبعد ان تاه زوجها، اصبحت تحت وصاية حميها، وعملت على تربية ابنائها بصمت، فكانت من بينهم المدمنة على المخدرات من دون ان نفهم سبب ادمانها، سوى ما كانت تردده عن ان جدّها الذي حلّ في مرحلة مكان والدها، كان ظالما في تربيتها، ولم يكن يتورع عن طردها من المنزل، بعد ان يرى عوارض سكرها وانهيارها تحت المخدرات.
يوسف، الابن المدلل، اظهر للحظات محاولة تقليد جده، وهنا الحبكة كانت لتكون اكثر منطقية لو انه استمر في تقليد جده، خصوصا ان والده حاضر غائب، وشقيقتاه تائهتان بين حب لا مبرر له والمخدرات، ووالدته اعجز من ان تبدي رأيا او وجهة نظر تتعلق بعائلتها، إلا أن صحوة التعقل التي فاجأته في الحلقة الاخيرة بدت غير منطقية وغير مبررة إلا لكونها ساهمت في إنهاء المسلسل، فلو كان استمر في تقليد جده، لكان المسلسل في حاجة الى حلقات اطول.

اقرأ أيضاً: سباق البرامج قبل «رمضان» يتسبب بخلافات وفوضى في العرض

لارا زوجة يوسف، شخصية معقدة، مرتبكة، وفوضوية، لم تنفك يوما عن ممارسة كل اصناف النكد الاجتماعي لزوجها ولعائلته، مع انها كانت تعرف ان الوضع الذي هو فيه زوجها يوسف، إلا أنها لم تكن على استعداد لتقديم اي تنازل من اي نوع لتساعده، مع انها كانت تمارس حياتها خروجا والعودة مخمورة من دون ما يبدو انه مساءلة من عائلة على قدر من القسوة لم يكف ترداد إظهارها تباعا.

في التمثيل نجح احمد الزين وهو ليس في حاجة الى شهادة احد، وابدعت الشقيقة التي تتعاطى المخدرات في آداء دورها، ونجحت لارا في إثارة عصيبة المشاهد، في حين ان سائر الممثلين كان آداؤهم متفاوتا تبعا للحلقات.

وأخيرا هل قصد المسلسل توجيه رسالة مضمونها ان السوريين يتعرضون للظلم في لبنان؟ مع ان القانون الى جانبهم ومثبت حقهم،؟ فهم يًقتلون دون حسيب او رقيب، ويتعرضون لشتى انواع الاقصاء والاستعلاء عليهم.
على هذا المستوى أيضا أخطأت الحبكة، فما كان يحصل وما هو حاصل الى اليوم هو عكس ذلك تماما، فاللبنانيون ما زالوا يتعرضون لاستعلاء السوريين عليهم ويكفي مراجعة تصريحات مسؤولين سوريين وغير مسؤولين لادراك مدى إخفاق الحبكة في إظهار العكس.

السابق
«الحروب الصليبية»: مظلومية مستحدثة ذات عواقب
التالي
متلازمة اسمها «أنا الشيوعي الأخير»