تفاؤل حذر

السلطان يعقوب
العثور على رفات جثة باومل هو انجاز استخباري وسياسي وشهادة على التزام المجتمع الاسرائيلي بمقاتليه في الوقت الذي فيه يتآكل التضامن. وهو يمكنه أن يقرب حل لغز المفقودين الآخرين. وبشكل غير مباشر سيساعد نتنياهو في الانتخابات.

العثور على واعادة جثة الجندي المفقود، الرقيب اول زخاريا باومل، يعبر عن ذروة الجهود التي امتدت على مدى 37 سنة. اسرائيل، بواسطة اذرع استخباراتها، استثمرت جهود كثيرة وملايين الشواقل، وفوق ذلك زمن كبير من العمل لاعادة المفقودين لعائلاتهم. اعادة باومل، الاول من المفقودين الثلاثة في معركة السلطان يعقوب، هي نجاح مؤثر للجيش الاسرائيلي واجهزة الاستخبارات الاخرى والمستوى السياسي.
النجاح تحقق بعد خيبات أمل كثيرة وبعد سنوات كان يبدو فيها أن الاحتمالات نفدت لحل لغز المفقودين في المعركة في البقاع اللبناني التي حدثت في نهاية الاسبوع الاول من حرب لبنان الاولى في حزيران 1982. اسرائيل ستواصل بذل الجهود من اجل العثور على المفقودين الآخرين، يهودا كاتس وتسفي فيلدمان. ولكن مجرد الانجاز هو برهان على الالتزام الاستثنائي الذي يكنه المجتمع الاسرائيلي لمقاتليه وشهدائه، في عهد فيه جوانب اخرى من التضامن الاجتماعي آخذة في التآكل. على هامش هذه الاقوال، انجاز رئيس الحكومة نتنياهو السياسي سيترجم بالتأكيد ايضا على مستوى الانتخابات. يبدو أن اعادة جثة باومل هي البرهان على العلاقات الشخصية القوية مع زعماء اجانب.

اقرأ أيضاً: تفاصيل مثيرة… كيف وصلت رفات الجندي المفقود في لبنان إلى «إسرائيل»

الاعلان الرسمي للجيش وبعد ذلك اقوال رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس الاركان افيف كوخافي عبرت عن الانفعال الشديد، لكنهم قللوا من ذكر التفاصيل. لم يقولوا أين تم العثور على الجثة، لكن تم نقلها الى اسرائيل، ومن هي الدولة الثالثة التي ساعدت على استكمال العملية. التفاصيل ما زالت تحت تعتيم رقابي. مستهلكو وسائل الاعلام سيكون مطلوب منهم استكمال التفاصيل بمساعدة العقل السليم. إلا اذا قرر نتنياهو اعطاء المزيد من التفاصيل في المؤتمر الصحفي المشترك له وللرئيس الروسي بوتين، في اللقاء المتوقع اليوم في موسكو.
في معركة السلطان يعقوب دخلت قوة من الجيش في كمين للقوات السورية اثناء تقدمها لاحتلال مواقع في القطاع الشرقي في لبنان، قبل الاعلان عن وقف اطلاق النار. عدد من الدبابات التي اصيبت أخذت غنيمة، وحسب المعلومات التي جمعها الجيش تم نقل ايضا أسرى وجثث لجنود الى الاراضي السورية. الدبابات الاسرائيلية التي أخذت كغنائم عرضت في دمشق، واحدى الدبابات نقلت الى موسكو وعرضت هناك بعد سنوات. خلال السنين بذلت جهود استخبارية كبيرة للعثور على جثة باومل وفيلدمان اللذين خدما في نفس طاقم الدبابة، والعثور ايضا على جثة كاتس الذي اصيب في دبابة اخرى.
يبدو ان احتمال التقدم في اعادة الجثث زاد على خلفية الفوضى التي احدثتها الحرب الاهلية في سوريا وخاصة بعد دخول روسيا الى سوريا، في بداية من ايلول 2015. الروس الذين انقذوا نظام الاسد بقرار التدخل في الحرب، نشأت لهم قوة مساومة كبيرة مع النظام وقدرة على العمل في سوريا كما يريدون. نتنياهو من ناحيته اهتم بتطوير علاقات ناجعة مع بوتين. شبكة العلاقات هذه هي التي مكنت من تأسيس نظام لمنع الاحتكاك بين اسلحة الجو للدولتين.
التنسيق كان بعيد عن أن يكون مكتملا. يوجد لروسيا مصالح في سوريا ومنها في المقام الاول استقرار النظام، ايضا من خلال التعاون مع ايران وحزب الله. ولكن العلاقة بين نتنياهو وبوتين ساعدت اسرائيل على الدفع قدما بتفاهمات هامة بالنسبة لها، وفي مسألة المفقودين ايضا. قبل بضع سنوات نقل بوتين لاسرائيل الدبابة التي احتجزت في موسكو. وتبين أنها لم تكن احدى دبابتي المفقودين، بل هي دبابة اخرى اصيبت في المعركة.

روسيا اشارت الى ما يجري وراء الكواليس بالضبط بعد اسقاط الطائرة في ايلول الماضي، الذي تسبب بالتوتر بين الدولتين.
عندما طلبت موسكو اظهار الاستياء (واتهام اسرائيل رغم أن الطائرة اصيبت بالخطأ بصاروخ سوري مضاد للطائرات، اثناء هجوم اسرائيلي)، ذكر المتحدث بلسان وزارة الدفاع الروسية بأن الجيش منشغل الآن في جهود انسانية لحل مشكلة هامة لاسرائيل في سوريا.
في السنة الاخيرة تبلورت في اسرائيل صورة أكثر مصداقية بشأن مكان الدفن المحتمل، وهناك توسعت الجهود الاستخبارية تحت غطاء من السرية في الايام الاخيرة. وتلك الدولة الثالثة نقلت جثث ورفات جثث الى اسرائيل التي فحصت في معهد الطب الشرعي في أبو كبير، وهناك تقرر بصورة مؤكدة أن احدى الجثث هي لباومل. حتى الآن لم يتم العثور على جثة كاتس وجثة فيلدمان. لكن العثور على جثة باومل يرفع بدرجة ما التفاؤل بأنه سيكون بالامكان مستقبلا حل ايضا لغز مصير الجندين الآخرين.
العقيد احتياط ليئور لوتان الذي شغل في السابق رئيس قسم الاسرى والمفقودين في الاستخبارات العسكرية وبعد ذلك منسق للمفاوضات بشأن الاسرى من قبل رئيس الحكومة نتنياهو، قال أمس للصحيفة “كانت لنا خيبات أمل كثيرة خلال الفترة، لكن ولا في أي مرحلة تخلت الدولة عن جهودها في العثور على مفقودي معركة السلطان يعقوب”.
حسب اقوال لوتان “قدرة تحقيق استخباراتنا هي نقطة قوة. هذه الجهود استمرت طوال الوقت وبالتدريج ايضا كان يمكن جمع شهادات اكثر من قبل أناس شاركوا في المعركة من جانب العدو. كالعادة هذا سجل، وكل واحد يعطي رواية مختلفة تغطي على اقوال الآخرين. ولكن بالتدريج وجدت صورة استخبارية اظهرت أنه يمكن التقدم معها”، قال واضاف بأن الفضل الكبير يعود للجيش والاستخبارات والمستوى السياسي في استكمال العملية والقدرة على التعاون مع دول اخرى لاعادة جثة باومل.

السابق
تفاصيل جديدة عن التعويضات لأبناء خاشقجي
التالي
نظام المحاصصة يمنع «المستشفى التركي» في صيدا من العمل…