حزب الله والباب الفنزويلي المغلق

منذ ادعاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل أيام عن خلايا نشطة لـ”حزب الله” في فنزويلا بهدف دعم رئيسها نيكولاس مادورو، لا ينفك الاعلام الأميركي ينشر المقال تلو الآخر عن هذا النشاط “المثير للقلق” لدى الأميركيين. “فورين بوليسي” نشرت قبل يومين مقالاً عنوانه “حزب الله في فنزويلا ليبقى”، وكأن التنظيم بات احتلالاً واقعاً لا محالة في هذا البلد اللاتيني البعيد. حتى أن كاتب المقال إدعى بأن من المستحيل إزالة “حزب الله”، ولو سقط مادورو واستُبدل بزعيم آخر متعاون مع الولايات المتحدة. جُلّ ما يُمكن فعله هو بناء القدرات الفنزويلية لمكافحة الإرهاب لوضع المكابح على نمو “حزب الله” في القارة اللاتينية. وفقاً للمقال، بإمكان فنزويلا، وبعد سنوات طويلة من المساعدات والتدريبات والاستشارات الأميركية، أن تُحجّم وجود “حزب الله”، دون إنهائه. فعلاً؟

اقرا ايضا: مادورو.. تركة من الفساد والاعتقالات في فنزويلا

من يقرأ هذه التحليلات يخال بأن فنزويلا مُهددة بتمدد شيعي سيُحوّل كركاس إلى حارة حريك ثانية. والحقيقة أن “حزب الله” فشل في التمدد بين شيعة كركاس في منطقة الحمرا في بيروت، لإختلاف أمزجتهم، فما بالكم بكركاس الحقيقية على بعد عشرة آلاف كيلومتر!

لكن هل لدى “حزب الله” خلايا في فنزويلا، كما يدعي بومبيو؟ بالتأكيد، الإدعاء صحيح. من المؤكد أيضاً أن لدى الحزب خلايا ونشاطات أكثر داخل الولايات المتحدة نفسها، نظراً لوجود جاليات شيعية كبيرة فيها من لبنان وخارجه. ربما ينعم الحزب في فنزويلا بحرية حركة أكبر، لكن يُقابلها عامل صعوبة التواصل في اللغة الإسبانية. وهذه حقيقة يتناقلها اللبنانيون الشيعة في فنزويلا، سيما من الجيل الثاني من المهاجرين الشيعة ممن لا يجيدون اللغة العربية، واندمجوا في مجتمعهم. على عكس الجماعات الجهادية السُنية مثل “القاعدة” و”داعش”، “حزب الله” تنظيم محلي، تماماً كحركة “حماس”. وهو مأزوم في محليته هذه حتى، إذ يُضطر لهندسة التوازن بين شيعة الجنوب والبقاع في مواقعه الحزبية والرسمية. هذه المحلية تنعكس على الخطاب الرسمي، وتجعل تمدداً باتجاه العالم الخارجي، وتحديداً أميركا اللاتينية الناطقة بالاسبانية والبرتغالية، أكثر صعوبة. لكن ربما من المفيد للأميركيين وسائر خصوم مادورو، مواصلة النفخ في بوق ايران و”حزب الله”، وهم يدفعون باتجاه إطاحة حكمه في كركاس.

العائق الثاني أمام تمدد “حزب الله” في فنزويلا له علاقة بحقيقة ديموغرافية ساطعة: الغالبية الساحقة من اللبنانيين الشيعة في فنزويلا، ومن الجيلين الأول والثاني، عادوا إلى لبنان هرباً من الفوضى العارمة وأعمال العنف المرافقة لها. إذاً، هم في لبنان، ولا يُمثلون خطراً على فنزويلا. وأيضاً وأيضاً، يُعبر بعض هؤلاء اللبنانيين الشيعة عن سخطهم حيال مادورو، وسياساته الفاشلة، ومن ضمنهم الشريحة التي صوتت له عام 2013.

ذلك أن لبنان استقبل موجتي لجوء خلال السنوات الماضية، أكبرهما السورية، تليها الفنزويلية، وكلاهما من صنف الأنظمة “الممانعة” الصديقة لـ”حزب الله” وإيران. من فنزويلا وحدها، ووفقاً لتقديرات غير رسمية من الجالية، بلغ عدد “العائدين”، ومنهم من لم ير لبنان في حياته، 50 ألفاً من كل الطوائف. ونظراً إلى العائقين اللغوي والثقافي، يُعاني الكثيرون من هؤلاء اللبنانيين، في بلدهم “الأصلي” المفترض، ويتوقون للعودة بعد زوال نظام مادورو. وقد نحتاج إلى مبادرة روسية ثانية لإعادة هؤلاء اللبنانيين-الفنزويليين الى فنزويلا في المستقبل القريب. إنها ثمار الممانعة التي لا تنفك تتساقط علينا من كل حدب وصوب.

العائق الثالث والمهم جداً حيال تمدد “حزب الله” في فنزويلا، هو أن مادورو قائد “ممانع” من نوعية الرئيس السوري بشار الأسد، ممن يُقاربون السياسة من زاوية حماية الكراسي، لا الخوض في مغامرات خطرة تُعطي الولايات المتحدة ذريعة حقيقية للتدخل المباشر. الأسد لم ولن يفتح جبهة الجولان لـ”حزب الله” وإيران، ومادورو لن يفعل الأمر عينه في فنزويلا.

هذه ممانعة ذات وظيفة مُحددة. ووظيفة ممانعة الخطابات الرنانة والشعارات الفارغة والأحلاف المعادية للامبريالية، لا المقاومة ولا إيجاد بدائل عادلة للنظام العالمي، بل خلق أعذار طويلة الأمد لحكم أبدي وشمولي، وتبرير فشل اقتصادي متواصل بإلقاء اللوم على المؤامرات الخارجية. ومادورو تحديداً خير مثال لهذه الممانعة. هو وريث فاسد لهوغو شافيز، وقد فشل في إخفاء لامبالاته بمعاناة شعبه، عندما ظهر في فيديو يأكل اللحم الفاخر في جلسة خاصة باهظة الثمن مع الطاهي (الشيف) التركي الشهير نصرت غوكشيه. نظراً للجوع والفقر في فنزويلا، يتطلب مثل هذا السلوك الرئاسي، مستوى خاصاً جداً من الوقاحة والحقارة. هكذا رئيس لا يملك الرغبة ولا الشجاعة لخوض مغامرات كبرى في مواجهة الولايات المتحدة.

اذاً، فنزويلا لن تفتح أبواباً خطرة لـ”حزب الله”، تماماً مثل سوريا. هذه الأبواب تُفتح حصراً في لبنان.

السابق
الجبير: من الغريب أن يحاول أعضاء الكونغرس تقييد حلفاء للولايات المتحدة
التالي
ولي العهد السعودي: نحن امتداد للدولة السعودية الثالثة!