حين يدفع لبنان ثمن التورط في سوريا وضريبة عودة حزب الله

علي الامين
غاية حزب الله من الوجود في الحكومة، بل السيطرة على الحكومة، والوجود في المعارضة، بل السيطرة على المعارضة أو على إمكانية السيطرة على إمكانية قيام معارضة، هو في جوهره منع قيام سلطة لبنانية رسمية.

لم يحمل عام 2018 إلى اللبنانيين فرص الخروج من أزماته، ولا يبدو في مطلع العام الجديد أن ثمة إرادة لبنانية على مستوى الحكم لمواجهة المآزق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل والنقدية أيضا حيث باتت تهدد بانهيار أسعار صرف الليرة اللبنانية.

وعلى الرغم من إجراء الانتخابات النيابية عام 2018 بعد تأجيل دام نحو خمس سنوات، فإن لبنان لا يزال بعد مرور نحو ثمانية أشهر على إجرائها عاجزا عن تشكيل الحكومة، وعلى الرغم من انعقاد مؤتمر سيدر في باريس، والذي أقر نحو اثني عشر مليار دولار أميركي لدعم لبنان، هي عبارة عن قروض ميسرة، فإن المخاطر باتت تهدد بتقويض نتائج المؤتمر بسبب إدارة الظهر لهذه الخطوة، عبر التمادي في عدم تطبيق الشروط الإصلاحية التي التزم بها لبنان أمام المؤتمر.

وعلى الرغم من حمل لبنان لملف النازحين أو اللاجئين السوريين إلى المنابر الدولية والدول الكبرى، فإن الأداء السياسي الرسمي بقي غير ذي مصداقية تجاه هذا الملف، بسبب عدم قدرة الحكومة اللبنانية على إظهار الجدية حيال مواجهة هذا الملف والمشكلات المرتبطة سواء تلك المتصلة بسياسة النأي بالنفس، أو تأمين الظروف الميدانية والعملية لعودة النازحين إلى ديارهم، وتحديدا تلك التي يسيطر عليها حزب الله على امتداد الحدود في المقلب السوري.

على أن جانبا مهما بدا متقدما في العام 2018، يتمثل في التهديدات الإسرائيلية للبنان، مع تصاعد حال التوتر الذي كانت قمته الأنفاق التي تم كشفها، وأقر تقرير الأمم المتحدة بوجودها، من دون أن يعلق حزب الله على هذا الكشف، ولا سيما أن المواقف الإسرائيلية ذهبت بعيدا في استثماره دبلوماسيا وسياسيا، فيما رفع لبنان الرسمي رسالة إلى الأمم المتحدة مشيرا إلى الخروقات الإسرائيلية المستمرة للقرار الدولي رقم 1701.

على أن اللافت في هذا السياق أن حزب الله الذي طالما استثمر السياسات الإسرائيلية من أجل ترسيخ سلطته على الدولة اللبنانية، ظلّ صامتا هذا العام حيال ما كان يردده دون توقف ودون أي فعل ميداني لتغييره، أي احتلال مزارع شبعا، فحزب الله مستمر في صمته حيال المطالبة بتحرير المزارع وغيرها من الأراضي، لكن من دون القيام بأي تهديد لهذا الاحتلال من جهة، وفي المقابل طمأنة إسرائيل عمليا عبر استمرار وجوده في سوريا، الذي جعل من الحكومة اللبنانية في موضع هشّ وضعيف، يكشف يوميا عن مكامن العجز لديها حيال ما يرسمه حزب الله لها من حدود التحرك، ويعطي إسرائيل أوراق قوة تظهر أنها تواجه قوة عسكرية وأمنية وليس لبنان الدولة.

في الشكل يبدو أن انقساما سياسيا هو ما يمنع تشكيل الحكومة على سبيل المثال لا الحصر، لكن الواقع هو غير ذلك تماما، فصناعة الانقسام وافتعاله من أسس السيطرة والتحكم بالدولة من قبل السلطة الفعلية التي يمثلها حزب الله
ولئن بقي لبنان في موقع الضعيف بسبب الإصرار على تظهير هشاشة الدولة، فإن ذلك وفّر حجما كبيرا من التلاعب بمصير اللبنانيين واجتماعهم السياسي، فالدولة اللبنانية التي يفترض أن يحكمها الدستور والقوانين التي اجتمع عليها اللبنانيون في اتفاق الطائف، لكن ما تشهده الحياة الدستورية والسياسية، يكشف أن ثمة قواعد جديدة تُفرض بالقوة وبالرغم عن إرادة اللبنانيين، هي ما يحكمهم من دون أيّ أفق إيجابي، بل تدميري للدولة.

إقرأ أيضاً: بعد تفجيرات القاع: كيف حمى حزب الله لبنان من الإرهاب؟!

في الشكل يبدو أن انقساما سياسيا هو ما يمنع تشكيل الحكومة على سبيل المثال لا الحصر، لكن الواقع هو غير ذلك تماما، فصناعة الانقسام وافتعاله، من أسس السيطرة والتحكم بالدولة من قبل السلطة الفعلية التي يمثلها حزب الله، ذلك أن المعادلة التي طالما سعى حزب الله إلى ترسيخها، تقوم على أن الدولة ضعيفة وغير قابلة لأن تكون دولة طبيعية كبقية الدول، وأن وجوده غير الطبيعي كقوة أمنية عسكرية من خارج الدولة، هو وجود ضروري وطبيعي ليخفف من تداعيات ضعف الدولة، وهو لذلك لا يريد للدولة أن تستعيد حضورها فتنتفي مبررات وجوده، ولا يريد نهايتها لأنها تفقده الغطاء الذي يحتاجه في الداخل والخارج.

على هذا المنوال من السلوك المستنزف للدولة، استطاع حزب الله أن يخترق الدولة، ويتحكم بمفاصل السلطة، بحيث يصعب أن نتخيل في لبنان إمكانية صدور أي قرار مهم من دون أن يكون حزب الله هو من أصدره باسم السلطة، سواء تلك القرارات المتصلة بالأمن أو السياسة وحتى الاقتصاد والمال، فحق الفيتو يمتلكه وحده ويترك التفاصيل للآخرين كي يتصارعوا عليها أو يتفقوا حولها.

في المقابل لم يترك حزب الله المعارضة، بل عمد في المقابل في سياق منع قيام معارضة حقيقية إلى الإصرار على تثبيت عرف تشكيل حكومة وحدة وطنية ليضمن مشاركة معظم القوى السياسية الفاعلة في الحكومة، وطالما أنه هو صاحب القرار الفعلي، فمن المناسب تعطيل القوى السياسية من خلال هذه المشاركة، وتحميلها مسؤولية القرارات التي يصدرها هو وإن كانت باسم الحكومة.

وهو بذلك يعطل فرص قيام معارضة، وفي نفس الوقت يتحكم بقوة السلاح والمال في بقية القوى التي تقدم نفسها على أنها معارضة، هي معارضة لكل شيء إلا لحزب الله، ففي التحركات الأخيرة في الشارع التي خرجت اعتراضا على الأوضاع السيئة اقتصاديا وماليا، كان حزب الله حريصا أن يدسّ بين صفوفها من أتباعه ليقدم نفسه قوة معارضة لسياسة الحكومة والسلطة عموما.

غاية حزب الله من الوجود في الحكومة، بل السيطرة على الحكومة، والوجود في المعارضة، بل السيطرة على المعارضة أو على إمكانية السيطرة على إمكانية قيام معارضة، هو في جوهره منع قيام سلطة لبنانية رسمية، وفي نفس القوة منع قيام معارضة وبالنتيجة منع استعادة الدولة لعافيتها، وهذه هي الأرضية الملائمة لأن ينمو ويتمدد في النفوذ والسيطرة والتحكم.

عام 2019 هو محطة جديدة في هذا المسار الذي يبدو فيه لبنان انطلاقا مما تقدم، فريسة يجري التعامل معها من قبل إيران وذراعها حزب الله، في أن يكون التعويض عن الخسارة التي يمكن أن تطالهما في سوريا في ظل الإصرار الدولي والإقليمي على إضعاف نفوذ إيران فيها إن لم يكن إخراجها، فلبنان مرشح بالفعل لأن يكون التعويض، ولأن يدفع الثمن مرتين، مرة بخروج حزب الله إلى سوريا والثانية بعودته القاتلة منها إلى لبنان.

السابق
الفرزلي: الايام المقبلة ستشهد ولادة الحكومة
التالي
نهش سوريا