باسيل يستعين بالتجربة الصربية لقضم سلسلة الرتب والرواتب

الاقتصاد الروسي
سُحب اقتراح إلغاء سلسلة الرتب والرواتب من التداول بعد أن قوبل برفض واستنكار كبيرين في مختلف الأوساط العامة والهيئات العمالية والنقابية، واستبدل بمشروع تجميد 25% من السلسلة مدة ثلاث سنوات.

بعد أن ضاقت سُبل الحلول أمام المعنيين في السلطة للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تخنق اللبنانيين، كان لا بدّ من التوجه الى أقطار العالم للاستعانة بدعم نظري من أجل انتهاج سياسة صحيحة وواضحة.

فقد دعا وزير الخارجية جبران باسيل بالأمس خلال زيارته صربيا إلى الاستفادة من “التجربة الصربية”، بعد نصائح وجهت له من المسؤولين الصرب، باعتماد إجراءات ساعدت بلادهم على تخطي أخطر أزمة في تاريخها، من خلال تخفيض رواتب موظفي القطاع العام.

اقرأ أيضاً: استمرار الاستعصاء السياسي يدفع لبنان إلى هاوية الإفلاس

ما هي التجربة الصربية وهل يمكن تطبيقها في لبنان؟

إبان الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم في العام 2007، وأدّت إلى ضرب اقتصادات كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، تأثرت صربيا، البالغ عدد سكانها 7.2 مليون نسمة بتلك الأزمة التي تسببت بحالة من الركود الحاد عام 2009 مع نمو سلبي بلغ 3٪، ومرة أخرى في العام 2012 بمعدل 1.7٪، ولأن الحكومة كانت تحارب آثار الأزمة الاقتصادية، تضاعف الدين العام مدة 4 سنوات من 29.2٪ من الناتج المحلي قبل الأزمة إلى 61.5٪ ، مع نسبة بطالة وصلت إلى 5،25 ٪، وبلغ إجمالي الدين العام 27.64 مليار دولار في العام 2013.

الأزمة الصربية انعكست سلبا على الأمن الاجتماعي الصربي، وقد سجلت الإحصاءات الرسمية 1400 حالة انتحار عام 2011، أي بمعدل أربع حالات في اليوم الواحد تقريبا، وذلك بعد بعد تفشي البطالة وانعدام سبل العيش لدى المواطنين الصرب.

أما أوجه الشبه بين صربيا ولبنان فهو يتمثل بأن نظام البلدين قائم على الخدمات بنسبة 63%، وكذلك ارتفاع نسبة البطالة ، في مرحلة الأزمة الصربية، إضافة الى ارتفاع المديونية العامة، نسبة إلى القدرات الاقتصادية والناتج المحلي.

مصدر سياسي مطلع أكد لـ”جنوبية” ” عدم صوابية الطرح الذي اقترحه باسيل وقال “التجربة الصربية تُختصر بمسألة استقرار الحكم فيها، والذي جاء نتيجة تفاهم وطني بين مختلف الأطراف، ما خلق استقرارا أمنيا وسياسيا، سمح لكل الشركات المتعددة الجنسيات في مختلف القطاعات الصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية،أن تفتح فروعا لها في صربيا، ما أدى إلى إنعاش النمو الاقتصادي وساهم في خفض البطالة”.

وأضاف المصدر”إذا ما أراد لبنان الاستفادة من التجربة الصربية فعليه اتباع التجربة السياسة التي أنتجت حالة اقتصادية مستقرة، وليس التجربة الاقتصادية كحالة منفصلة عن النهج السياسي الصربي، لذلك فالمقارنة ليست دقيقة وبالتالي هي غير مجدية”.

فشل نظرية المقاربة “الصربية الاقتصادية” أكدها بدوره الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي الذي يتحدّث لـ”جنوبية” عن “انحلال الأخلاق السياسية في بلد المحاصصة، ويقول “اللبناني يُذّل يوميا بإخضاعه لنظريات تدعوه الى الهدر من حقوقه، ومن الأجدى الحديث عن سياسة تهتم بالنهوض بالبلد من خلال التنافس على برامج اجتماعية واقتصادية، وتوفير فرص عمل للشباب”.

اقتراح تجميد 25% من سلسلة الرتب والرواتب لمدة ثلاث سنوات، سيكون له مفاعيل سلبية من شأنها أن “تضرب مصداقية الدولة ومسؤولياتها تجاه مواطنيها، وتؤدي إلى اهتزاز الأمن الاجتماعي”، ينبه يشوعي، محذرا “السلطة السياسية من الاقتراب من جيوب الناس الفارغة أساسا”.

وشدد يشوعي على أن ” السياسيين في لبنان يعتبرون أنفسهم كموظفين في شركة مساهمة يجنون الأرباح منها، ويتقاسمونها فيما بينهم، ولكن عندما تتعسر مالية الشركات يقوم الأفرقاء المساهمون فيها بمحاولات إنقاذها من خلال إمدادها من الأرباح التي حصلوا عليها من صفقاتهم، وليس من أموال المودعين”.

واقترح يشوعي أربع خطط فعّالة وموضوعية للخروج من المأزق الاقتصادي، تتلخص بما يلي:

” أولا:إشراك القطاع الخاص في موضوع تمويل وعصرنة الخدمات العام.

ثانيا: اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية والتي ينص عليها اتفاق الطائف، والتي من شأنها محاربة التهرّب الضريبي.

ثالثا: الإصلاح الضريبي والابتعاد عن نظام الـT.V.A الضريبي، الذي لا يميّز بين الطبقات الاجتماعية، والذي يظلم الطبقة الفقيرة”.

أما الاقتراح الرابع فيتعلق بقطاع النفط، حيث يدعو يشوعي إلى “عدم الاستنسابية في تلزيم بلوكات النفط”، معتبرا أنه” من الخطأ المباشرة بتلزيم بلوك نفطي هو موضع نزاع مع إسرائيل لأن من شأن ذلك تأخير العمل، والسماح للأخيرة بسرقة النفط بشكل أكبر”.

في المحصلة لا تبدو الخيارات المطروحة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحادة على مستوى الحدث، فاعتماد التجربة الصربية التي لا يمكن تحديد أفق واضح لها خارج الدعوة إلى خفض الرواتب، قد يكون منسجما مع طروحات السياسيين وأرباب العمل الجشعين، ولكنه يفتح الباب أمام مزيد من التأزم.

السابق
الحكم على «وسيط حزب الله» في «قضية الأرز».. كيف سهّلت ألمانيا عمل الشبكة؟
التالي
عاصم عراجي لجنوبية وئام وهاب لا يستحق الرد، وما يجري مرتبط بالعقوبات على إيران