التطبيع الخليجي غير المفهوم مع إسرائيل

... في بداية سبعينيات القرن الماضي التقى فريقا أميركا والصين في مباراة كرة طاولة "بينغ بونغ"، وقد أسس هذا اللقاء لما سمي بعدها بدبلوماسية الـ"بينغ بونغ" بين أميركا والصين، وانتهى الأمر بزيارة الرئيس الأميركي نيكسون إلى الصين وتطبيع العلاقات بين البلدين.

تذكرت هذه الحادثة الأسبوع الماضي الذي كان أسبوعاً خليجيا – إسرائيليا بإمتياز، حيث كرت سبحة الزيارات ” الرياضية ” الإسرائيلية وبصورة متزامنة، لا يمكن ردها إلى الصدفة، إلى دول الخليج العربي من أبو ظبي إلى الدوحة، مرورا بالزيارة الأكثر من رياضية التي قام بها نتنياهو إلى السلطان قابوس بن سعيد في ” بيت البركة ” العماني – يا لدلالة الإسم – في مشهد أسمته وسائل الإعلام الإسرائيلية ب ” الحج ” الإسرائيلي إلى دول الخليج.

اقرأ أيضاً: تطبيع عربي علني مع إسرائيل ولكن هل إيران بعيدة عن هذه الأجواء؟

فهل بدأنا نشهد دبلوماسية الجمباز والجودو بين الخليج وإسرائيل وصولا إلى التطبيع الكامل معها ؟

يتعجب المرء ويتساءل ما الذي يدفع دولا كدول الخليج إلى التسابق للتطبيع مع دولة غاصبة ومحتلة كالكيان الصهيوني ؟

يمكن أن ” يتفهم المرء ” دوافع دول مثل مصر والأردن لتوقيع معاهدات سلام مع إسرائيل على اعتبار أن لديها اراضٍ محتلة تريد إستعادتها.

كذلك يمكن “تفهم” دوافع منظمة التحرير الفلسطينية حين عقدت اتفاقية أوسلو بعد كارثة غزو العراق للكويت وتداعيات حرب “عاصفة الصحراء” على الفلسطينيين، بحيث بات الفلسطينيون كالعائم في بحر هائج والمياه تغمره ولا متنفس له إلا مد اليد والتعلق بقشة مهما كانت هذه القشة ضعيفة وهشة حتى يضمن بقاءه على قيد الحياة كما كان يقول الشهيد فيصل الحسيني. بغض النظر عن الأخطاء السياسية التي أوصلت إلى هذا الوضع فإنها تبقى مفهومة، ولكن ما الذي يدفع الدول الخليجية إلى اتخاذ هذه المواقف وهي التي ليس لديها أراض تحتلها إسرائيل كمصر والأردن، ولا هي في خطر وجودي كمنظمة التحرير وقتها؟ هل هو الخوف من إيران؟ أم هو الخوف من تداعيات ” الربيع العربي ” الذي حولوه إلى شتاء دم يبدأ في سوريا ولا ينتهي في اليمن ويقودون اليوم قوى الثورة المضادة لمحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ؟ أم هو الأمران معا ؟

الواقع أن المراقب للوضع الخليجي لا بد وأن يلاحظ أن الأمور ليست في أفضل حالاتها، وأن ما يجري اليوم قد يكون نتاج هذا الوضع الذي جعل دول الخليج مكشوفة أمنياً وسياسياً نتيجة اتباع سياسات أقل ما يقال فيها أنها ليست حكيمة،.

لقد فشلت هذه الدول في حل الخلاف العراقي – الكويتي الذي تطور بعدها إلى حرب طاحنة كانت نتيجتها انهيار العراق كدولة بعد أن كان سدا منيعا أمام إيران وكان بحق درع الخليج.

تطورت الأمور وسقط العراق في يد إيران وهو الذي كان تاريخيا مع مصر وسوريا عنوان القوة العربية، وقبله كانت مصر قد حيدت نفسها عبر اتفاقية كامب ديفيد، وإن لم تحيد نفسها عن كونها حامية وضامنة لاستقرار دول الخليج إلا بعد أن ضعفت سياسيا وإقتصاديا بعد ثورة يناير التي تحولت نصراً مؤزرا للإخوان المسلمين تسلموا بعدها مقاليد الحكم عبر الانتخابات، ومن ثم الانقلاب الذي قاده السيسي بدعم من بعض دول الخليج في إطار ثورة مضادة أطاحت بكل الأحلام الشعبية وأضعفت في النهاية مصر كدولة مؤثرة. بعد ذلك جاء دور سوريا التي كانت ضحية لإجرام قادتها إضافة إلى تضارب الأجندات السياسية للدول الداعمة وخاصة دول الخليج، فكان أن سقطت أيضا بأيدي الروس والإيرانيين وبذلك انهار آخر خط دفاعي عربي عن دول الخليج مع ما إستجد أيضا من خلافات داخلية خليجية أدت إلى فرض حصار على دولة قطر وأدخلت مجلس التعاون الخليجي في غيبوبة . هكذا انكشفت دول الخليج داخليا جراء الخلافات فيما بينها ومع تنامي قوة التيار الإسلامي المتمثل بالإخوان المسلمين وخارجيا جراء انهيار، أو على الاقل عدم قدرة دول الدعم العربي التقليدية على المساعدة، فهل يكون الحل بالاتجاه إلى العدو التاريخي إسرائيل واتخاذه جسر عبور إلى قلوب وعقول صانعي القرار في أميركا، كما هو حاصل اليوم في موضوع توسط نتنياهو لمحمد بن سلمان لدى واشنطن عقب جريمة القنصلية السعودية في إسطنبول؟

ولماذا يكون التنازل والتراجع دائما للخارج مقابل التشدد والتكبر في الداخل، بدل محاولة خلق تفاهمات داخلية مع المواطن العربي وتفاهمات إقليمية مع الأشقاء والأصدقاء قائمة على التعاون البناء وعلى المصالح الإقتصادية وهي المجال الوحيد الذي يمكن للعرب أن يؤثروا به لو قيض لهم قيادات واعية وحكيمة؟

أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات واضحة وصريحة، لأن هذه الإجابات تقرر مصير دول وشعوب، تبحث عن الأمن والأمان والحرية كي تتمكن من السير في ركاب العالم والمساهمة في تطوير نفسها وتطويره، لأن التاريخ لا يرحم.

السابق
البطاقة الصحية: سياسة استشفائية حديثة أو شيك بلا رصيد؟!
التالي
اعتصام في المية ومية للمطالبة بإخراج جمال سليمان من المخيم