لا حياة كريمة..

في لبنان، إذا معك قرش سوف يسحبونه منك ويسحبو روحك كمان. المهم ما تدخر شي، تبقى عايش كل يوم بيومه " ربي أعطني كفاف يومي" وممنوع قرشك ينضب، بدو يضل فلتان يعني يبقى متداول من إيد لإيد ضمن حركة السوق والعرض والطلب. المعادلة بتقول: الفقير سيصبح أكثر فقرا ً والغني سيتضاعف رأسماله. لا طبقة وسطى! لا حياة كريمة. إما العيش بمحاذاة خط الفقر أو مع المترفين.

عبر هذه المعادلة يفقد الفكر فعاليته ويشل العقل وتنخفض المبادرات الفردية الكفوءة بسبب إنشغال أغلب شرائح المجتمع بالمعاش اليومي. التلهي بالكهرباء والخضوع لعصابات إشتراكات الكهرباء والتفكير بكيفية تأمين مياه للخدمة فمن يحصل على مياه غير كلسية أو مالحة يعتبر محظوظا ً. كل شيء بمصاري في لبنان، بدك تفت جيابك كل لحظة، الخدمة الوحيدة المجانية في لبناني هي تنفس الهوا، وأكل “الهوا” طبعاً.

النظام يدرك أهمية الفقر كحالة عامة صارخة لتثبيت نفسه من خلال ربط مطالب الفقراء به باعتباره يقدم الخدمات كعمل خير لا كواجب عليه وكحق للمواطن، تماما ً كالتوظيف في دوائر الدولة والقوى الأمنية. هذه الوظائف التي تعطي ” الأمان ” إذ لا أمان خارج منظومة الدولة التي هي أساس النظام وحاميه.

إقرأ أيضاً: ترهل الدولة في لبنان وحل الرعاية الدولية

حين يسيطر الخوف من المستقبل على المواطن يسعى للإرتباط أو التسلق للوصول إلى دائرة الدوائر الصغرى أي المركز أو المحرك الأساس وعادة ً ما يكون مركزا ً سياسيا ً يتحكم بالإقتصاد والمال والأعمال، عملية الربط هي تأبيد للنظام.
هذه الوصولية والأنانية الفردنية المتطرفة أفقدت طبقة المنتفعين الطيبة والقيم الأخلاقية الجماعية والإحساس بالمصلحة الجماعية على المدى الطويل، مما أوجد علاقات إجتماعية آلية ميكانيكية داخل النسيج اللبناني. تفه!
بما أن التقسيم الطائفي هو المهيمن، تكوّن في لبنان عدة مراكز ومحركات أساسية تخضع لها كل طائفة. حول كل فريق سياسي طائفي تنشأ مجموعات حمايته ضمن دائرة سياسية صعبة الخرق. ثم تأتلف المراكز الجامعة والنقيضة في آن واحد مع بعضها البعض حين تتلاقى مصالحها البنيوية. يبقى الصراع هامشيا ً ما دام الفقراء هم وقوده ولكن لا يسمح للنار بأن تشتعل بالكامل لتحرق الجميع. التوازن مطلوب حتى في خضم الحروب والقتل إذ لا يسمح بانهيار النظام ففي أي لحظة يحس بالخطر تلتئم المراكز لإعادة صياغة هدنة جديدة أو شكل جديد للحكم.

 

إقرأ أيضاً: لا بوعزيزي في لبنان بل تفقير مدروس لمنع النار

لا بوعزيزي في لبنان ولا ثورات ولا حركات شعبية أو مظاهرات ولا تحركات فكرية يسارية وعلمانية وشيوعية ووطنية يمكن أن تثمر. أثبت لبنان أنه قلعة شامخة في وجه التغيير والتجربة دلت أنه من أعقد الأوطان العربية إجتماعيا ً.

خنق المواطن إذا ً بواسطة الفكر اليومي التبسيطي البديهي هو الحل. الوظيفة والكهرباء والماء والهاتف والصرف الصحي والمدارس والطبابة ألخ…تهدم مؤسسات الدولة جميعها وترتبط بأشخاص وقوى سياسية ضيقة تقدم أفعال الخير لأنها قوى خيّرة.
ماذا يمكن أن ننتظر من شبان في الثلاثين من عمرهم ما زالوا يتحدثون عن أحوال معيشتهم اليومية وكيفية تأمين أبسط الإحتياجات، المؤسف أنهم من حاملي الإجازات الجامعية والماستر؟! كيف يمكن للخلق والإبداع أن يجد طريقه في بيئة كهذه، بيئة تنهش فكر الإنسان قبل لحمه.

السابق
وفاة شاب بحادث سير وقع على طريق عام الدوير انصار
التالي
مواقع صحافية تكشف إصابة ميريام فارس بسرطان الدم..