غزة تغرق في الدماء بين الشجب والتنديد

صادف يوم أمس مناسبة "النكسة" من العام 1967، عندما إنهزمت القوى أنذاك والجيوش ولم يكن هناك جيش "كلاسيكي " منظم ومعروف بل كانت تجمعات وأحزاب وحركات تعتمد على نفسها لكي تشكل الحجر والأساس للمقاومة الفلسطينية المتواضعة والعربية من داخل فلسطين و من دول الطوق و  الجوار لبنان، سوريا، مصر، الأردن، وراء الحدود.

إنّهُ شهر حزيران الذي تبدأ منهٰ تغييرات في المناخ مما يُتيحُ الى الذين يُرِيدُون ان يخوضوا حرباً عسكرية طويلة المدى، وهذا ما عشناه ولمسناه منذُ ذلك الزمن الذي شكل إرتدادات أخطر من النكسة ذاتها. بعد ذلك في العام “1973” خاضت الدول العربية في العاشر من شهر رمضان أي في حرب “السادس من أكتوبر”، حيث خاضت كل من سوريا ومصر ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتواجد في منطقة العرقوب جنوب لبنان ، او ما أُصطِلح على تسميتها “فتح لاند” أكبر مواجهة عسكرية كادت أن تكون إنقلاباً إيجابياً على فعلة الهزيمة “النكسة”. إلا أنّ مؤامرة، أمريكا، وفرنسا، وبريطانيا، وبعض الملوك والرؤساء والأمراء العرب بعد إستضافتهم الماكر والثعلب، “هنري كسينجر ” الذي مرر الهزيمة وجعلها وساماً على صدورهم وعارهم الى اليوم؟
لا بل آمنوا لَهُ ولأسرائيل تسهيلات الجسر الجوى العسكري الشهير في إمداد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة الفتاكة أنذاك ومن أموال وصفقات الأسلحة المعقودة مع عرب النفط والغاز.

ومن معادلات النكسة إغتيال الملك السعودي فيصل إبن عبد العزيز في “25 اذار 1975” بعد تلميح لَهُ في إعاقة التصدير للنفط كسلاح إستخدمهُ للمساومة مع امريكا مباشرةً؟
وإذا حاولنا تحديد التاريخ وقراءة كل ما أحدثتهُ وقائع الإحتلال للأراضي العربية المحتلة في كل من فلسطين “1948”، “غزة ” والضفة الغربية ” وعاصمة العواصم “القدس المحتلة”، والتوسع المرعب والخطير والمدمر خارج حدود فلسطين بإتجاه لبنان والهيمنة والسيطرة الاسرائيلية على شبه شريط أزرق حددته الأمم المتحدة، وتجاوزه والوصول الى مرتفعات جنوب لبنان في “مزارع شبعا” والتي ما زال مصيرها مجهول من بعد الإنسحاب الإسرائيلي عام “2000”، إضافة إلى الإحتلال الذي ما زال موجوداً مرتفعات وهضبة الجولان السورية العالقة في خزائن الأمم المتحدة في انتظار أن تؤدي المفاوضات إلى التراجع والإنسحاب منها وإعادتها إلى “النظام السوري” الحالي” والموروث “والذي يُعتَقدُ إأنَّهُ يُفاوض مرغماً على التخلى عن الجولان وذلك يعود الى تاريخ “1981” عندما كان الرئيس حافظ الأسد قوياً وتنازل عن الجولان لذرائع داخلية، وتدخلهُ العسكري في لبنان منذُ بداية الحرب الأهلية اللبنانية إذ دخل الجيش السوري غرباً نحو بيروت وتمركز في مرتفعات “جبل صنين”، “وضهر البيدر” وتوزّع  أكثر من خمسة وثلاثون ألف جندي سوري انطلاقاً من البقاع ووصولاً الى العاصمة. هذا وقد خاض الجيش السوري حروب الإلغاء مع المقاومة الفلسطينية ،والحركة الوطنية اللبنانية، ومع الجبهة اللبنانية أنذاك في تصور للحفاظ على وحدة لبنان والدفاع عن المسيحيين،
كما أنّ من أعنف إرتدادات النكسة المسرحية الخطيرة التي دُبرت أنذاك في حياكة المؤامرة وتضييع البوصلة الواقعية للحرب وللإحتلال ولدور شعب وجيش مصر البطل العظيم ،كان إعلان “إستقالة” الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي اصبح معبوداً للجماهير ليس المصرية وحدها بل العربية بقدها وقديدها من القاهرة إلى بيروت ودمشق والقدس والرياض والجزائر.

إقرأ أيضاً: هل تستغل اسرائيل مواجهات غزة لإنجاز «صفقة القرن» مع أميركا؟

إذاً الإستقالة التي جاءت برغم الهزيمة والنكسة  اخذت إرتداداتها تتفاعل بعد رحيلهِ في “28 أيلول 1970″في المفاوضات التي أدّت لاحقاً الى إلغاء دور المقاومة و ركوب الموجة المعهودة في عمليات السلام المفقود، هذا كلهُ يجرنا اليوم إلى محاولات “لمّ الشمل” الفلسطيني “حتى لا تغرق غزة في الدماء بين الشجب والتنديد”. إذ يُقدمُ المقاوم اليوم وحيداً واسيراً ومحاصراً في تحديه بكل عنفوان ومثابرة وصبر وشجاعة، مقابل الجيش الأسرائيلي الذي يُطوقّ  غزة وحدودها ويستخدم أعتىّ الأسلحة ضد ابناء شعب فلسطين الأعزل.
بالأمس كان هناك جلسة خاصة في مجلس الأمن الدولي حول الضغط على إسرائيل في عدم إستخدامها السلاح والرصاص ضد المدنيين والمتظاهرين من أبناء الأنتفاضة، في خطوة لِحّث  الإلتفات إلى أعمال اسرائيل الإجرامية وإيقاف حمام الدماء الذي أصبح يُشكلُ عبئاً على الإنسانية في هذا العصر الحديث. إذ يجب حماية الأمن والسلم ورعاية الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني المنتفض في إعتراضهِ ومواصلة الإنتفاضة مهما كلّف ذلك من مشقات وأعباء وتضحيات. ففي عاشر جمعة من “رسم العودة” الجبارة والمسيرة السائرة شعارها النصر المحتوم، استشهدت الناشطة والمُسعفة “رزان أشرف النجار” بعد إطلاق النار عليها مباشرة من قِبل الجنود الصهاينة في خان يونس شرق غزة، وذلك أثناء تأدية واجبها الإنساني والوطني.

إقرأ أيضاً: غزة: القتل المنضبط

غير أنّ ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية “نيكي هايلي” قد هددت وألمحت بالفيتو والإعتراض بالنقض ضد مشروع شجب أو إدانة اسرائيل، معتبرة أنّ الجيش الصهيوني لَهُ الحق الكامل في أتخاذ كل التدابير الأمنية والأحتياطية حتي لو وصلت الى القصف بالطيران للتجمعات البشرية التي تتجه نحو “العودة المرتقبة”.
الصمت والتجاهل الرسمي العربي لما يحدث في فلسطين يُعيدنا الى التنازلات الواحدة تلو الأخرى وهذا ما رأيناه منذ بداية القرن الماضي بعد طرد ونفي الشعب الفلسطيني، وإقامة وإنشاء دولة غاصبة وعنصرية محتلة قوية يتغاضى عنها النظام العالمي الجديد، وهناك ربما إعتراف رسمي عربي حديث مِنْهُ المعلن منذ كامب ديفيد “1979”، وقد يكون هناك السري والأخطر الذي تدور ملامحهٰ الأن مما نشهده من تنازلات.

وحده الشعب الفلسطيني يدفع من دمائهِ الزكية التي تسيلُ يوماً بعد يوم مشكلة شلالاً من الغضب الأتي الذي لا يتوقف ولا ينضب إلا بعد إستعادة الحرية الكاملة على ارض فلسطين.

السابق
«الجديد» تصرّ على سحب «هكذا فبركت قطر ملفات الامارات ليكس..» بعيداً عن المهنية
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاربعاء في 6 حزيران 2018