إنقلاب تحت «حكومة أكثرية»

على قاعدة القول الشهير للإمام على بن أبي طالب "ما أضمر أحد شيئاً إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه" تظهر النيات السياسية المبيتة لدى "فريق العهد" في تكرار تصريحات المتحدثين باسمه عن "حكومة أكثرية" إذا لم يسلّم بعض القوى السياسية بالحصص المعدّة له.

وكان صاحب العهد نفسه قد أعطى الاشارة الأولى لهذا الطرح غداة الانتخابات النيابية وبالتزامن مع استشارات التكليف.

ولا يبدو أن الفكرة مجرد كلمة عابرة أو احتمال نظري، لأن طارحيها يكررونها ليس فقط للتهويل على رافضي الأمر الواقع بل لخلق المناخ السياسي والسيكولوجي الملائم، بهدف تنفيذ رغبة دفينة بالاستئثار والتفرد طالما راودت أصحابها منذ المحاولة الأولى بالاعتصام وتطويق السراي و”انقلاب الدواليب” بين ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، وصولاً إلى “غزوة بيروت” ٢٠٠٨ وانقلاب “القمصان السود” ٢٠١١ وتعطيل الرئاسة الأولى بين ٢٠١٤ و٢٠١٦.

إقرأ ايضا: إلياس الزغبيّ: محاولة شق تحالف القوات-المستقبل فشلت

 

وما يثير الريبة حول هذه النية المستورة المكشوفة أن أهلها يغلّفونها بمسحوق ديمقراطي من خلال قولهم إن الديمقراطية تفرض أن يبقى هناك معارضة تراقب وتحاسب الأكثرية في السلطة.

هذا “الحرص الديمقراطي” لم يكن له أي أثر بعد انتخابات ٢٠٠٥ و٢٠٠٩ عندما نالت القوى السيادية أكثرية محسومة في مجلس النواب، بل أصرّ آنذاك “ديمقراطيو” اليوم على “التوافقية والشراكة والميثاقية” وأطلقوا بدعة “الثلث المعطّل” لإطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري على عتبة البيت الأبيض.

في الحقيقة، لا يسمح الواقع السياسي الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة بتسهيل مشروع حكومة أكثرية. صحيح أن طارحيها يستطيعون، بالترغيب والترهيب، استجماع أكثرية مطلقة او نسبية لمنح حكومتهم ثقة ولو هزيلة، لكنّ المسألة ليست فقط عددية.

ولذلك، فلنطرح احتمالات “تشكيلة أكثرية” ونعاين عقباتها وعواقبها:
– إذا كان “الأكثريون” يقصدون استجماع تكتلاتهم ونوابهم تحت التصنيف السابق “٨ آذار” فإن ذلك يعني استبعاد كل من كان ينضوي تحت عنوان “١٤ آذار”، أي التخلي عن “المستقبل” والرئيس الحريري و”القوات” و”الاشتراكي” و”الكتائب” وعدد من المستقلين. وهذا يضرب الميثاقية في أبعادها الثلاثة السنيّة والدرزية والمسيحية، ويشكل انقلاباً جديداً موصوفاً، لا يمكن تقدير عواقبه الخطيرة داخلياً وعربياً ودولياً، ولا تداركها.

– وإذا مارسوا لعبة التشاطر والمراوغة والاغراء لاستدراج بعض هذه القوى السيادية كالرئيس الحريري مثلاً وعزل أُخرى، فإن التجارب السابقة معهم، وخصوصاً تجربة الرئيس نجيب ميقاتي، لا تشجّع على هذه المغامرة. وليس هناك رئيس حكومة يملك ولا يحكم، أو يقبل بدور مفتي الفاتيكان او مطران مكة.

– ويبقى الاحتمال الأخير لديهم، لعلّه الأكثر إثارة للعابهم، هو عزل “القوات” وحدها، لأنها تشكل سدّاً شعبياً وسياسياً قوياً أمام مشروعيهم: الاستئثار بالسلطة بكل منافعها ومزاريب فسادها، وإلغاء أحقية “القوات” ومنافستها الشديدة في الاستحقاقات الكبرى المتوسطة المدى.

لكنّ رياح السياسة اللبنانية والعربية والدولية، مع تنامي ارتباكات إيران واهتزاز محورها، لا تهب كما تشتهي سفن “الأكثريين”.
ولا تستطيع “فلتات اللسان” وقتامة النيّات تغيير مجرى الحق ومسار التاريخ.

السابق
جميل السيد: من البديهي ان يكون للرئيس وزراء في الحكومة
التالي
النفايات السامة.. تعود الى الواجهة من جديد