انطوان حداد: مؤتمر سيدر فرصة لانتشال لبنان من حافة الهاوية

اذا تم الالتزام باصلاحات جذرية وبتحييد لبنان عن النزاعات

رأى نائب رئيس حركة التجدد الديموقراطي الدكتور أنطوان حداد انه ليس أمرا عاديا ان يبدي المجتمع الدولي اهتماما بحجم 11 مليار دولار ببلد صغير كلبنان، اذ مهما قيل في خلفيات هذا الدعم الموعود فان دولا محورية في المنطقة او في العالم لم تلق جزء بسيطا من العناية المالية التي وعد بها لبنان، موضحا ان هذا الدعم مقيد لا بل مشروط ب”اصلاحات” جذرية هي وحدها الكفيلة بتحويل مؤتمر سيدر وما سينتج عنه الى فرصة لانتشال لبنان من حافة الهاوية الاقتصادية والاجتماعية التي يترنح على ضفافها منذ بعض الوقت.

إقرأ ايضا: الخبير الاقتصادي محمد خليفة لـ«جنوبية»: الدين العام الى 100 مليار دولار عام 2019

وأضاف حداد: كي لا يبقى الحديث عن “الاصلاحات” عموميا وغير واضح المضمون، فان الاصلاحات لا بد ان تتضمن، بالاضافة الى “الاصلاحات الهيكلية” الكلاسيكية التي توصي بها المنظمات الدولية من انضباط مالي وخفض للعجز وتحقيق فائض اولي في الموازنة وتحديث السياسة الضريبة والامتناع عن الهندسات المالية، لا بد ان تتضمن سياسات وخيارات جذرية خاصة بالوضع الفريد الذي يعانيه لبنان قياسا بدول العالم من حيث تداخل وتضافر العوامل المعيقة للاقتصاد ولحسن عمل الدولة. وهي يمكن تلخيصها في اربعة محاور:

اولا- اعتماد سياسة حقيقية لمكافحة الفساد لا تكتفي بالشعارات والعموميات بل تبدأ بالزام الوزراء بالكف عن مخالفة القانون وتطبيق التشريعات النافذة والملزمة خصوصا في القطاعات التي تتضمن انشاء هيئات ناظمة كالطاقة والاتصالات والطيران المدني، والالتزام الفعلي بأصول منح الصفقات العمومية، ووضع حد حقيقي للتوظيف المقنّع على قاعدة الولاء السياسي والزبائنية الذي هو السبب الرئيسي لتفاقم العجز والتورم السرطاني للادارة ولحجم الدولة قياسا بحجم الاقتصاد، وغيرها من التدابير التي يدركها عامة المواطنين ويدرك معها ان الفساد ما كان ليستشري الى هذا الحد لولا نظام المحاصصة الطائفية المستتر بذريعة الشراكة المزعومة بين الطوائف.

ثانيا- اعادة النشاط الاقتصادي بمجمله الى كنف الدولة بعدما اصبح “الاقتصاد الاسود” يشكل ما يقارب ال20 بالمئة من الناتج المحلي ويحرم الخزينة من نحو 4 مليار دولار ويشكل منافسة قاتلة لفئة واسعة من التجار والصناعيين والمزارعين والعمال الماهرين والمستشمرين الذين يصرون على العمل تحت سقف القانون. هذا “الاقتصاد الأسود” يشتمل على التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية والتهرب الجمركي والتهرب الضريبي وتجارة الممنوعات والعمالة السوداء وغيرها من النشاطات غير المشروعة التي تحظى كلها بحماية قوى الامر الواقع وبعض المسؤولين.

ثالثا- الانتقال التدريجي الى اقتصاد منتج تنافسي وتشغيلي يعيد احياء الطبقة الوسطى، العمود الفقري للاستقرار المستدام، ويحد من الاتكال على الريع المصرفي والعقاري، ويخلق فرص عمل لائقة خصوصا في القطاعات الحديثة ذات القيمة المضافة المرتفعة التي يبرع فيها اللبنانيون في كل انحاء العالم ما عدا لبنان، واستعادة الاسواق التقليدية للزراعة والصناعة والسياحة اللبنانية التي افتقدتها اما بسبب التطورات الاقليمية او بسبب الاصطفافات والسياسات الخارجية المتهورة، وذلك بالتزامن مع اعتماد سياسة واقعية لادارة اللجوء والنزوح تجمع بين احترام حقوق الانسان والمصالح الاساسية للبنانيين، وهي سياسة باتت معالمها واضحة ويصر بعض من في السلطة على تجاهلها.

ثالثا- تطوير سياسة “النأي بالنفس” التي تنطوي على قدر كبير من الغموض والرضائية ولا تقدم ضمانات كافية لتحقيق الاستقرار المستدام الذي هو الشرط الاول لعودة لبنان بلدا جاذبا للاستثمارات والودائع بشكل طبيعي وليس عبر هندسات مكلفة او عبر دعم خارجي استثنائي كمؤتمر سيدر، لا بل لوقف نزيف التحويلات الى الخارج الذي يطل برأسه عند كل تدهور في الاوضاع الاقليمية. وهذا يتطلب برأينا انتقالا واضحا باتجاه نوع من الحياد الايجابي يكفل الانسحاب الكامل الفعلي من النزاعات الاقليمية والدولية خصوصا الحرب السورية والتطبيق الكامل للقرار 1701، بالتزامن مع حصر السلاح في يد الدولة وهو الشرط الاساس لاستمرار اي دولة واستقرارها.

إقرا ايضا: كيف يرى الباحث محمد حسن خليفة اقتصاديات الدول العربية؟ 

ان مؤتمر سيدر وما اظهره من استعداد دولي متجدد للرهان على مستقبل لبنان يضعنا مرة جديدة امام مفترق طرق واضح ويرمي الكرة مجددا في ملعب اللبنانيين ان هم رغبوا في استعادة الثقة بمستقبل بلدهم.

السابق
بيان عشائر آل ناصرالدين وجعفر وعلوه وعواد ودندش: نبايع الإنماء
التالي
الخارجية اللبنانية: وجوب عدم استعمال الاجواء اللبنانية للاعتداء