إيران والعالم العربي (2): الجزر الإماراتية وحكم الصلاة في الأرض المغصوبة

من المعروف أن الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) التي استولت عليها إيران في عهد الشاه العام 1971 بعد انسحاب بريطانيا منها، هي ملكية عربية تعود للشيوخ القواسم وأصبحت في ما بعد من قبائل دولة الإمارات العربية المتحدة. ما يؤكد ذلك تاريخياً أنه في العام 1930 رفض حاكما رأس الخيمة والشارقة طلباً من الحكومة الفارسية بواسطة بريطانيا شراء جزيرتي طنب.

ايران- الخميني وبالتزامن مع رفعها شعار “الوحدة الإسلامية” أبقت سيطرتها على الجزر رغم مطالبات أبو ظبي المستمرة بإخلائها. كما فعلت تماماً مع إقليم الأحواز العربي الذي أجرت فيه تغييراً ديموغرافياً لصالح الوجود الفارسي فنقلت عرباً الى داخل إيران واستبدلتهم بفرس وقوميات إيرانية أخرى أسكنتها في هذا الإقليم المعروف بعربستان، حيث منعت فيه تدريس اللغة العربية وطمست كل معلم عربي واضطهدت كل حراك يطالب بحقوق العرب الثقافية في الإقليم.

المفارقة أن الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني -الذي اشتهر بأنه شخصية سياسية براغماتية منفتحة- هو من استكمل في العام 1992 احتلال كامل جزيرة أبو موسى. لقد أسست حكومة رفسنجاني مطاراً في جزيرة أبو موسى، وقامت بتسيير خط جوي بينها وبين مدينة بندر عباس الإيرانية.

حديثاً في العام 2012 أعلنت إيران إقامة محافظة جديدة تدعى “خليج فارس” وجعلت جزيرة أبو موسى عاصمتها، بعد أن كانت تابعة لإقليم “هرمز غان” وعاصمته بندر عباس، بينما سمحت لشركات سياحية إيرانية بتنظيم رحلات إلى الجزر الثلاث.

بعض “مراجع التقليد العظام” كما يسمونهم في الفقه الشيعي، يشدد على عدم جواز إقامة الصلاة على أرض مغصوبة، لكن هذا الذي يعمل في خدمة السلطان، حين يتعلق الأمر بالمصالح الحيوية للإمبراطورية الفارسية، يضرب بأحكام الشريعة بعرض الحائط وله تبريراته وفتاواه الجاهزة، مثل تحويل السرقات إلى غنائم حرب والنساء إلى سبايا بذريعة التخوين والعمالة للأجنبي “المُستكِبر”.

ففي أول تصريح رسمي حول قضية الجزر الإماراتية بعد سيطرة الملالي على الحكم في العام 1980، قال الرئيس الإيراني أنذاك أبو الحسن بني صدر إن دول الخليج “ترتبط بالولايات المتحدة وليست مستقلة.. ولا ننوي إعادة الجزر الثلاث لأنها ممر إستراتيجي سيكون في يد واشنطن”. وفي العام 1981 أبلغت الحكومة الإيرانية نظيرتها السورية بأن الانسحاب الإيراني من الجزر “سيفتح الباب أمام التدخل الأميركي لاتخاذ قواعد ثابتة فيها”.

لكن في الواقع هناك مصلحة اقتصادية وجيو- ستراتيجية لإيران في احتلال الجزر الغنية بالنفط والمعادن والأكسيد الأحمر، فضلاً عن موقعها الجيوستراتيجي فيما يتعلق بالإشراف على حركة المرور الملاحية في الخليج العربي.

زبدة القول هي أن العلاقة مع الوطن العربي التي ينبغي بحسب أدبيات قادة “الثورة الإسلامية” أن يكون المجال الحيوي لتحقيق مشروعها حول الوحدة الإسلامية كانت أسوأ من مرحلة الشاه. في تلك المرحلة كانت طهران مستعدة للتحكيم الدولي أما بعد قيام نظام مذهبي فيها فقد أعلنت رفض ذلك. وزعم رئيس مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) علي أكبر ناطق نوري في العام 1992، أن الجزر “أراض إيرانية بموجب اتفاق مُوقّع مع الإنغليز”، فيما أكدت لندن أن هذا “الاتفاق مزعوم ولا وجود له على الإطلاق”.

 

البحرين محافظة إيرانية  

كانت احتجاجات البحرين دائماً تعبّر عن شريحة واسعة من المواطنين المطالبين بحقوق سياسية واجتماعية غير مذهبية في إطار منظمات وأحزاب بعضها يساري وعلماني وقومي وبعضها ديني، لكن دخول إيران على الخط واستغلال الأطراف الشيعية أحرق هذه الحركة الإحتجاجية وحولها إلى ورقة تتجاذبها طهران من جهة مع المنامة والرياض. وبالتالي كان لتدخل إيران في شؤون البحرين وتحويل جزء من الحراك إلى حراك مسلّح، اعتداءً مباشراً على شعب البحرين، لا على نظامه الذي استفاد من هذا التدخل ليبرر القضاء على هذه الإحتجاجات بدعم خليجي مباشر وميداني.

التدخل الإيراني في البحرين ليس مفاجئاً ولا غريباً، إذ أن الجمهورية الفارسية تعتبر أن الغالبية الشيعية التي تسكن المملكة هي من أصل فارسي، وهي التي تشكل هوية هذا البلد الصغير االذي يعتبره بعض أقطاب النظام الإسلامي محافظة إيرانية. لعل أبرز التصريحات التي تؤكد وجود مخطط بعيد المدى لضم البحرين إلى إيران هو ما ذكره حسين شريعتمداري مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، المشرف العام على مؤسسة “كيهان الصحافية” إذ ذكر في الصحيفة المتشددة في تموز/ يوليو 2007 أن “هناك حساباً منفصلاً للبحرين بين دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، لأن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية وقد انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومتي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا”. والحديث عن البحرين في الأدبيات الإيرانية لا يعني فقط مملكة البحرين بصورتها الحالية، إنما يتجاوزه الى القطيف والأحساء وصولاً إلى الكويت شمالاً. هذا مع العلم أن لسان حال التيارات المعارضة الشيعية الأساسية في البحرين يؤكد أن هذه الاحتجاجات لا تخرج عن إطار الانتماء الوطني لأصحابها.

ولعل ما كشفه نائب قائد “الحرس الثوري” الإيراني اللواء حسين سلامي في تصريحات لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا” في ديسمبر/ كانون الثاني من العام 2016 ، يؤكد نية إيران تجاه المملكة الخليجية الصغيرة إذ قال إن “الانتصار في حلب مقدمة لتحرير البحرين”، مشيراً إلى أن مشروع إيران التوسعي سيمتد إلى البحرين واليمن والموصل بعد سقوط مدينة حلب السورية بأيدي الإيرانيين ومرتزقتهم.

الكويت وتصدير الثورة

حصلت العديد من عمليات الاعتداء على سيادة الكويت وأمنه عبر خلايا تابعة أو مدعومة من جهاز “إطلاعات” الاستخباراتي الإيراني للعمليات الخارجية، وثمة محاولات خطف طائرات كويتية كان وراءها الإيرانيون. استغلّت طهران وجود بعض الشيعة المُتحمّسين المصدقين لأساطير “الولاء لإمام الأمة” و”التمهيد لظهور المهدي” أو أولئك المفتونين بالمال والسلاح على طريقة المرتزقة، لزرع شبكات تجسس وأخرى جاهزة للقيام بعمليات أمنية ضد الإمارة الكويتية التي وقفت مع العراق خلال حربه ضد جمهورية الملالي على مدى ثمان سنوات.

ربما كانت شهادة الأمين العام لـ”المجلس الإسلامي العربي في لبنان” محمد علي الحسيني، تحمل من المصداقية أكثر من غيرها كونه خبر الإيرانيين عن قرب. إذ قدم رجل الدين الشيعي المعارض لنظرية ولاية الفقيه، شهادة تفضح مخططات إيران في الكويت والدول العربية، فخلال حديث الى جريدة “الوطن” البحرينية في 17-11-2009، كشف الحسيني بأن إيران بدأت منذ العام (2008)في التركيز الإستخباراتي على الكويت بهدف تصدير الثورة وأن “هناك عدة وسائل وأنشطة تقوم بها إيران للتغطية على نشاط الاستخبارات المدعوم من كبار الملالي وجهاز الدولة في طهران، لافتاً النظر إلى أن السفارة الإيرانية تأتي على رأس الأجهزة الإستخباراتية حيث تعمل عناصر الإستخبارات في الكويت تحت غطاء ديبلوماسي لكي يسهل تخليصهم عندما يتم كشفهم من قبل الأجهزة الكويتية.

أوضح الحسيني أن “هناك قسماً خاصاً في مكتب خامنئي مسؤول عن العلاقات مع الدول العربية حيث يتم اتخاذ القرارات والخطط الخاصة بالتجسس تمهيداً لتنفيذ المخططات الإيرانية، وتتم كافة نشاطات تصدير الثورة بإشراف وسيطرة خامنئي كما يرسل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وقوة فيلق القدس الإيرانية وسائر الأجهزة النشطة في الدول العربية تقاريرها إلى خامنئي مباشرة. وتعمل إيران تحت غطاء منظمة الثقافة والاتصالات الإسلامية وهي منظمة ترتبط مباشرة بوزير الثقافة وتقوم بتوزيع كتب ومواد دعائية وأشرطة بهدف نشر المذهب الشيعي في الدول العربية وتقوم المنظمة باختيار الأشخاص واستقطابهم وتجنيدهم تحت غطاء إقامة مراكز ثقافية ويتم إرسالهم إلى معسكرات قوة فيلق القدس للدخول في دورات تدريبية (عسكرية). كما يقوم القسم الثقافي بإرسال فتاوى الخميني ومراجع الحوزة العلمية في مدينتي قم ومشهد إلى رجال الدين الشيعة في الدول الأخرى بهدف التأثير عليهم وتجنيدهم لصالح أهداف النظام الإيراني”. كشف الحسيني ان “مجمع آل البيت” هو أحد التنظيمات الخطرة التابعة للنظام الإيراني والذي يتركز عمله على التجمعات الشيعية في الدول الإسلامية.. وقد انبثق عنه عدد من الجمعيات الدينية في مختلف المدن الإسلامية لتصدير الثورة الإيرانية كما يتولى أيضاً مسؤولية التنسيق بين الأحزاب والحركات الإرهابية والعاملة مع النظام الإيراني في منطقة الشرق الأوسط”.

السابق
برّي: لاجراء الانتخابات في موعدها و«حزب الله».. لتلافي الخرق في بعلبك
التالي
باسيل يتقدم بمشروع قانون لاعطاء المراة اللبنانية الحق بمنح الجنسية لاولادها ما عدا