من مرسال غانم إلى أحمد الأيوبي: نتن الفساد وجرح العدالة

فقرة الصحافي علي الأمين في برنامج "على مسؤوليتي" على صوت لبنان.

الرائحة التي تنبعث من الصفقات الجاري إقرارها في ملف النفط والغاز كريهة، في صفقة الكهرباء أيضاً نتنة، تقاسم الحصص بين المتنفذين في السلطة يتمّ بسلاسة لا يخلّ بها أيّ اختلاف سياسي، لا صراع المحاور الإقليمية، ولا الجدل حول سلاح حزب الله لا فتح الطرقات السياسية نحو قصر المهاجرين في دمشق ولا إغلاقها.
ملفات الفساد في الشأن العام هي الأقوى، هي تلك الحسناء التي يطأطىء أصحاب السلطة رؤوسهم لها احتراماً وطمعاً بالنيل من مفاتنها، ملفات الفساد تلك التي لا تفتح بل تبقى مغلقة محكمة، بل يجري التلويح بها فقط حين يخلّ بعض الشركاء في عملية النهب بشروط الشراكة، فالشركاء في الفساد أيضاً محكومون لعملية ميثاقية لا تستقيم شراكتهم في نهش جسد الدولة ومفاتنها بدون هذا الميثاق.
منظومة الفساد في لبنان قيل فيها الكثير وسيقال الكثير في المستقبل، لكنها لن تهتز وتتصدع، طالما استمر القضاء هامشاً معطلاً، بل سلطة استقواء في يد السلطة المتهمة على كل ما عداها، لن تفتح ملفات الفساد طالما بقيت العلاقة الزبائنية هي المنهج المتبع في علاقة المواطن بالمسؤول في الدولة، طالما ظلّت منظومة الحقوق والواجبات أسيرة هذه العلاقة الزبائنية، الحاكم يعطي والرعية تقدم الولاء والطاعة العمياء، طالما بقيت العلاقة بين المواطن والسلطة خارج العقد الاجتماعي وشروط الحقوق والواجبات على أساس القانون.
يا أصدقائي وأنتم تعلمون الكثير عن أحوال وطننا، وتدركون كيف يتحوّل القانون والقضاء في يد السلطة إلى وسيلة استقواء ولتعزيز نفوذ غير مشروع، ثمّة وحدة وانسجام يقال اليوم أنّهما يحكمان علاقة أطرافها هذه الأيام، وهذا أمر حسن، وجيد، لكن بشرط الدولة، لا بشرط حماية الفساد والمحاصصة وإضعاف الدولة، بشرط القانون لا بشرط السطوة على القضاء ومحاولة تحويله إلى أداة قمعية استنسابية.
هذا ما يرتسم اليوم بالوقائع في المشهد السياسي والإعلامي، كلكم يعلم أنّ مدرسة التطاول على الدولة وعلى القانون وعلى رموزهما، هي مدرسة ترسخت في تلك المنابر الحزبية التي استخدمت الإعلام للشتم والتقريع والتخوين، حتى السياسيين الذين تعرفونهم لم يتورعوا عن استخدام أقذع الألفاظ ومارسوا فعل الإهانة والتهديد، من دون أن يمسهم أحد بسوء لأنّهم ببساطة يعلمون أنّهم يحتمون بسلطة هي أقوى من القانون، بل هي من يستغل القوانين ويستثمرها بشكل استنسابي وانتقائي.

إقرأ أيضاً: الأيوبي من خلف القضبان لميقاتي وريفي: الصمت لن يحمي أنصاركم

الحرية في لبنان سمة وجودية لهذا الوطن، هي عنصر تكويني، فعندما تضعف أو تقمع فهذا يعني أنّ لبنان ينتهي أو يتلاشى. ملاحقة مرسال غانم قضائياً ليس شأناً قانونياً، هو فعل قمع للحرية وللإعلام غير السلطوي، هو فعل تهديد لكل من لا يحتمي بسلاح غير شرعي أو لا يلتزم بشروط السلطة ولا أقول شروط الدولة، بأنّه معرض للإهانة وللقمع ودائماً بالقانون الاستنسابي.
إنّ سلطة لا توفر وسيلة من أجل الفساد والإفساد في الدولة وفي المجتمع، سلطة تمنع القضاء من أن يحاكم فاسداً من أزلامها، هذه السلطة لا يحق لها أن تحاكم مرسال غانم، ليس لأنّ غانم فوق القانون، بل لأنّ غانم لم يصل يوماً إلى درك الابتذال السياسي والسيادي الذي وصلت إليه منابر إعلام أطراف السلطة الحاكمة، لكن الاستقواء على مرسال غانم هو لأنّه خارج معادلة المحاصصة التي من خلالها يكتسب الحصانة مهما فعل. المعادلة ببساطة ليس الالتزام بالقانون وغانم لم يخل به، المعادلة هي إمّا أن ترضخ لسلطة المحاصصة والفساد وإمّا سيف القانون الاستنسابي، فاختر ما يلائمك؟ هذا هو الخيار أمام اللبنانيين والإعلاميين والصحفيين اليوم، وهذا ما حصل مع الأستاذ أحمد الأيوبي الذي مازال رهن التحقيق والاحتجاز منذ أربعة عشر يوماً ليس لمقالة كتبها عن الفساد، بل لأنّه كتب من خارج نظام سلطة المحاصصة وضدها، ما كتبه قاله كثيرون لكن من دون أن تصدر بحقهم أيّ مذكرة توقيف. مدة الاحتجاز تكشف المسار القمعي الذي يتجه إليه لبنان من خلال تحويل القانون إلى سلطة بيد الحكام وإلى سيف مسلط على المواطنين لا حام لهم.

إقرأ أيضاً: أحمد الأيوبي ما زال موقوفاً.. والسبب «نادر الحريري»

الرائحة النتنة تنبعث من الفساد من جرح بليغ في جسد الوطن، جرح متروك بلا علاج قصداً أو إهمالاً، جرح القضاء هو الجرح الذي يصيبنا فلا تتركوه لسكين المحاصصة وسكين الفساد الذي يستمتع بنزفه وبرائحة النتن التي يريدها أن تعم وتسود فضاء العدالة.

السابق
أولويات السعودية ضد إيران.. في سوريا ولبنان
التالي
ترتيب الاخراج «اللائق» لتريث الحريري