الآخر في مفهوم الثّورة الحسينيّة

محمد علي الحاج العاملي
عن مفاهيم الثورة الحسينية وأبعادها.

استفاض العلماء والمفكرون في الحديث عن معاني الشّهادة والتّضحية والإيثار في الملحمة التّاريخيّة الّتي سطّرها الإمام الحسين عليه السّلام، واتجّهت أقلام الكُتَّاب للتّركيز على الأبعاد السّياسيّة للثّورة الحسينيّة الهادفة لإصلاح المجتمع العربي والإسلامي وقتذاك .. ولا داعي لمعاودة إثارة هذه المواضيع الّتي أبلى علماؤنا فيها بلاءً حسناً؛ بل أجدني مضطراً لإثارة قضية أكثر إلحاحاً في عصرنا الرّاهن، مع تزايد التّعصب والتخلّف .. حيث استعار حِدّة الطّائفيّة بين فِرق المسلمين ..

وبالرّغم من كل الدراسات والأبحاث الّتي تناولت فلسفة الثّورة الحسينيّة، ومعانيها السّامية، ودروسها العظيمة، لكن تبقى مفاهيم (احترام الآخر) و(التّعاطي برسالية وتقوى) و(تَقبُّل الآخر ولو كان خصماً) هي مفاهيم ذات فائدة ميدانية مهمّة للغاية، لا سيّما في زمننا الرّاهن !!
فإنّ الإمام الحسين سلام اللّه عليه قدّم نموذجاً رائداً في أخلاقيات الإختلاف وحتى لو وصلت الأمور لمستوى العنف والإرهاب والإبادة الجماعية الّتي شهدتها ساحة كربلاء في العام ٦١ للهجّرة ! فكلّ هذه المأساة كانت بالنسبة لآل البيت عليهم السّلام شكلاً من أشكال الواجب ، فلم يحقد الإمام على أيٍّ من أخصامه، وبقي محافظاً على الآداب الّتي تربّى عليها في كنف جدّه المصطفى ووالده المرتضى، فلا حياة تغريه، و لا سلطة دنيوية تجعله يبدّل مبادئه.

إقرأ أيضاً: توصيات المرجعية الدينية في عاشوراء.. لكن لا حياة لمن تنادي!

كان جُلّ طموحه كيف يُصلِح هذا المجتمع المريض، وبقي الإمام عليه السّلام – مع كل ما جرى – يعتبر أنّ عليه مسؤوليّة كبرى تجاه خصمه، كل ذلك كون الدّين في مفهوم آل البيت عليهم السّلام أنه الحبّ (وهل الدّين إلا الحبّ؟ كما قال أحدهم عليهم السّلام)، ولأنّه لا يغيب عن فكر الحسين عليه السّلام أنّه مسؤول عن تربية المجتمع وتصويب مساره، لاسيّما في الدّين الإسلامي الّذي نصّ على أنّه : (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، فإذا كان مطلق فرد يتحمّل مسؤوليّة في الدّين الإسلامي فكيف بالدور المطلوب من ابن بنت رسول اللّه ص ؟؟!!
لذا حصلت معركة كربلاء وآل البيت عليهم السلام يرددن : (هوّن بي أنه نزل بعين اللّه) … ثقافة مدرسة الحسين وزينب ، المستقاة من تعاليم النبيّ الأعظم ص، والّتي تتسم ليس بتقبُّل الآخر فحسب، بل بالمسؤوليّة الشّرعيّة تجاه من نختلف معه ونعاديه، بل حتى تجاه من نقاتله، ويختصر هذه التّعاليم النبويّة العظيمة الإمام علي بن الحسين سلام اللّه عليه، حيث يقول : (واللّه لو أنّ قاتل أبي الحسين استأمنني على سيفه لآمنته) …
فرغم كل ما جرى في كربلاء لكن ترّبية وثقافة و فكر  الإمام علي بن الحسين يفرضون عليه التّحلي بمنتهى درجات الورع، تعبيراً عن مدرسة آل البيت النّبوي الكريم.

إقرأ أيضاً: بالفيديو.. عاشوراء كفركلا: سلاح وآليات في حادثة كربلاء وحزب الله ينقذ الحسين!

وبكلمة أخرى، إنّ قيمة الحسين وانجازاته التّاريخيّة في كربلاء لا تكمن في القتال حتى الشّهادة فقط، بل تكمن القيمة الحقيقيّة في جهاده الأكبر، فالقتال على أهميته لكنّه يبقى جهاداً أصغر، وأما الفكر والروح وتربية النّفس وتهذيبها فهو الجهاد الأكبر على حدّ تعبير رسول الله ص، وهذا ما لا يتسنّى للجميع، بخلاف مجرد القتال الّذي يسهل القيام به لمطلق فرد، ولذا فهو الجهاد الأصغر .

ختاماً : هذه هي الأخلاق الّتي يجب على المسلمين – على اختلاف فرقهم – الإحتذاء بها، والسّير على هديها، حينذاك نكون نحيي الذكرى الحسينية بالفعل لا بالقول، ونكون نعيش عاشوراء بقيمها لا بشعارتها، فتضحيات الإمام الحسين ع وأهل بيته في كربلاء أمانة في أعناقنا، وعلينا أن نحمل الأمانة بشكل يليق بالتضحيات الجسام لآل البيت عليهم السّلام.

السابق
قريبا تعود «الجديد» الى الضاحية الجنوبية
التالي
بالفيديو: هكذا تمّ الاعتداء على الإعلامي جو معلوف!