الجيش إذ يوزّع نصره.. وحزب الله إذ يريدنا أن ندفع ثمنه

ماذا يعني أن ينتصر الجيش اللبناني في فجر الجرود؟ وهل من فارق لدى اللبنانيين بين انتصار حزب الله وانتصار الجيش وأيّهما يفيد لبنان والدولة؟

أثبت الجيش اللبناني كفاءة عالية، وقدرته على إنجاز عمل احترافي في التخطيط والتنفيذ، والأهم أظهرت عملية “فجر الجرود” ضد تنظيم داعش  عقيدة وطنية تفوقت على كل جيوش المنطقة، عبّر عنها هذا الاندفاع لدى القيادة والجنود لاقتلاع المجموعات الإرهابية، وهذا الالتفاف الوطني الصلب والعفوي غير المصطنع للبنانيين حول جيشهم الوطني… بل يلاحظ اللبنانيون انّ حسّاً وطنيا انتعش لدى جميع الفرقاء السياسيين مع انطلاق معركة فجر الجرود، وهو، إلى الالتفاف الشعبي بلا مكابرة، ظاهرة غير موجودة اليوم لدى معظم الجيوش العربية إن لم نقل كلّها.
معركة الجيش اليوم، منذ اليومين الأولين، أطاحت بجزء كبير من الأوهام والتصورات الخاطئة التي روّج لها كثيرون ومفادها أنّ الجيش عاجز وغير قادر على القيام بواجباته. وهي منذ بدايتها معركة أسقطت مقولة الدولة المستقيلة عن مهمتها العسكرية والأمنية، لحساب تثبيت مقولة الدولة القادرة.
إذ ليس خافياً على أحد أنّ بعض القوى الحزبية والميليشيوية روّجت وتروّج لثقافة الدولة القاصرة وعدم قدرة الجيش وعدم كفاءته العسكرية، لتبرير وجود سلطة عسكرية وأمنية وميليشيوية خارج الشرعية. وهذا ما يقوله حزب الله دائما هذه الأيام، وهو أنّه لولاه لكان الإرهاب انتصر في لبنان، بل هو يعلنها بوسائله المختلفة: “أنا من حماكم أيّها اللبنانيون من الارهاب”.
ماذا يعني ذلك في الوعي الوطني اللبناني؟
معركة جرود عرسال التي خاضها حزب الله لم تزل أمام أعيننا، في اللحظة التي انتهت المعركة والتي لم تخلُ من جانب استعراضي. فقد بدأ حزب الله عملية استثماره للانتصار بشكل فجّ من خلال محاولة فرض التطبيع مع النظام السوري رغم أنف المؤسسات وعلى رأسها الحكومة. ليس هذا فحسب، بل عزز في الوعي اللبناني منطق الغلبة الداخلية على حساب الانتصار الوطني العام، عبر القول إنّنا انتصرنا في سوريا وعليكم قراءة المعطيات الجديدة والعمل على أساسها.
في هذه النقطة الأخيرة ما التقطه الحسّ الوطني اللبناني، وهو أنّ حزب الله حين ينتصر يريد ثمناً سياسياً لانتصاره، هو يحميك لكن مقابل الولاء الخاص. يريد أن يحميك لكن مع احتفاظه بحقّه في الانتقال بين الدول “مقاتلاً ومجاهداً ومحرراً” مع ما يسببه هذا السلوك من أضرار على الدولة والوطن، ومن تعزيز للدويلة على حساب الدولة.

 

اللبنانيون لا ينالهم هذا الشعور عندما ينتصر الجيش، بل العكس تماماً. فانتصار الجيش لا يندرج في منطق الغلبة، فهو انتصار لكل لبناني وللدولة. بل في انتصار الجيش تعزيز للوحدة الوطنية. والجيش الذي ينتصر في معركة ضد تنظيمات ارهابية، يحظى بالإضافة إلى الالتفاف الوطني أولاً، بغطاء دولي داعم ومؤيد، فيما انتصارات حزب الله تندرج في صراعات المحاور التي نأى لبنان عنها على المستوى الرسمي.

إقرأ أيضاً: استسلام الدواعش لحزب الله دون الجيش يثير تساؤلات!

ولا بدّ من الإشارة أكثر إلى جانب من الاستثمارات السياسية لما يسميه حزب الله انتصارات كبرى. فالأثمان دائماً مطلوبة من اللبنانيين، عبر تعميم ايديولوجيته ليزيد من العزلة المذهبية لبيئته الحاضنة. الولاء الخاص الذي يريده هو عزل الشيعة عن البيئة الوطنية وتطويع الطوائف الأخرى في نظام مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.
العزلة ليست سياسية فحسب بل وطنية. إذ ليس عادياً أن تمنع بلدية الريحان (في قضاء جزين المسيحي) التي يسيطر عليها حزب الله ورئيسها وموظفوها ومشاريعها يعتاشون من اموال الدولة اللبنانية -ليس عادياً- أن يمنع الحزب عشاء قروياً أعدّه شباب من البلدة مساء السبت المنصرم بسبب ما يرافق هذا العشاء من “أغنيات لفيروز”. بل اصرّت البلدية على بثّ الأناشيد الحزبية أو الدينية حصراً. فيما جزين القريبة كانت مسرحاً لمهرجانات صيفية ولا يزال يأتيها اللبنانيون من كل حدب وصوب من صيدا والريحان نفسها ومن بيروت والشوف.

إقرأ أيضاً:  داعش في الجرود: قصص وصور خاصة

حزب الله يريد أيضاً تعميم العزلة الثقافية. فالريحان نفسها كما معظم قرى وبلدات الجنوب والبقاع الشيعية لن تجد إلاّ أعلاماً حزبية وشعارات تنتمي لثقافة الدويلة وليس إلى الفضاء الوطني العام. مجرد أن يكون غناء فيروز ممنوعاً من قبل مجلس بلدي يسيطر عليه حزب الله، فهو ليس إلاّ مشهداً كاريكاتورياً استبدادياً لعزل البيئة الشيعية عن الفضاء الوطني العام. وهذا جزء بسيط من ضمن الاستثمارات السياسية والثقافية لانتصارات حزب الله العسكرية…
لذا لا يمكن فصل معركة الجيش اللبناني اليوم عن كل ذلك، ولا مجال للمقارنة بين انتصار الجيش وانتصار حزب الله، واحد يصبّ انتصاره في مشروع الدولة والثاني في مشروع الدويلة…

السابق
ماذا تريد إسرائيل من حرب سوريا الكبرى؟
التالي
خطاب العته السياسي