هل تجري السفن اللبنانية بما يشتهي حزب الله؟

حزب الله
مشروع الهيمنة في مهب الرياح الدولية والاقليمية.

يستطيع أي مراقب لمسار الوضع اللبناني الراهن ومحاولة إدراك اتجاهات تطوره، أن يلاحظ رواج بعض التوصيفات والأحكام وكثيرون يتحدثون هذه الايام، عن زمن حزب الله، لا بل يصل الأمر عند بعض الأوساط، إلى حد القول، أن ّهناك قراراً دولياً بتسليم لبنان إلى حزب الله. ويبدو أنّ الذين أطلقوا هذه الأحكام ينطلقون من واقع المشهد الذي وصل إليه اختلال ميزان القوى الداخلي، بعد معركة جرود عرسال لصالح حزب الله، وما كشفته هذه المعركة، من واقع القوى المتخاصمة معه، وعدم قدرتها على أحداث اي توازن، ولو في حده الادنى، كل ذلك معطوفا على ثبات وقوة المحور الاقليمي الذي ينتمي إليه الحزب.
وانطلاقا من هذه الرؤية، بدا هذا البعض يدعو إلى التسليم الكامل والاعتراف بالهزيمة، واعتبار ان التوازنات الداخلية والإقليمية القائمة في هذه اللحظة،وكأنها ثابتة وتحمل صفة الاستمرار.

اقرأ أيضاً: حزب الله يجر الدولة كشاة طيّعة الى الأسد

لكن هذا الحكم وهذه التوصيفات، على رغم كل ما تنطوي عليه من عناصر واقعية وصحيحة، فهي لا تقدم الا جانبا من الحقيقة ،وليس ثمة وقائع صلبة، تبرر الركون لهذا الحكم وليس خافيا ان هذه الأحكام تصب من حيث تدري أو لا تدري في خدمة السياسة التي يعتمدها حزب الله ، في خطابه الأخير عاد الأمين العام لحزب الله الى التشديد على أننا “نحن في زمن النصر، وان كل النظريات التي راهنت على ضرب محور المقاومة “خابت وستخيب “هذا الكلام أتى مرفقا بدعوة الى “رص الصفوف الوطنية” درءا لعدم نشوء اي حالة رفض وطنية لجر البلاد إلى مواجهة مع دول عظمى تمسك بمفاصل الاقتصاد العالمي، وتضرب حصارا اقتصاديا على لبنان لا طاقة له على تحمله، فضلا عن ان هذه الدعوة ترافقت مع عودة الخطاب التخويني عبر ” التمني الا يكون بعض اللبنانيين تحت الطاولة شركاء في حملة التهويل”.

على اي حال، يمكن بالاستناد إلى التدقيق في المعطيات، وبطرح السؤال الذي لا بد منه هنا: هل تسمح موازين القوى العامة في البلاد، واتجاهات تطورها، بالعلاقة مع الرياح الإقليمية والدولية بالانفتاح على احتمالات انتقال الوضع اللبناني، صوب صيغة جديدة، يهيمن فيها حزب الله على باقي الطوائف اللبنانية؟

ان أية مقاربة موضوعية للوضع اللبناني، لا بد أن تقوم، على قراءة العلاقة التكاملية، بين احتدام التناقضات الدولية والإقليمية من ناحية ،ومسار الوضع اللبناني، بكل عناصره، وتناقضاته، واستعصاءاته من ناحية ثانية، مع عدم الاستهانة بأي عامل من العوامل الداخلية والإقليمية الفاعلة.
ما من شك، في أن استمرار ميزان القوى الداخلي، في لحظته الراهنة و ثباته على هذه الحال، لا يعود الى عوامل وحواجز داخلية فحسب ، بل يتعدى تلك العوامل، الى وجود حواجز ومعطيات دولية وإقليمية حقيقية، وإذا تجاوزنا العوامل الداخلية – من دون أسقاطها أو أغفالها بالطبع – واردنا التدقيق في العوامل الإقليمية الفاعلة يمكن القول:
مع تجدد التجاذب الدولي حول لبنان، في امتداد الاندفاعة الأميركية المتصاعدة، بدا مسار جديد من التدويل الاميركي للازمة اللبنانية ، وبدات الساحة اللبنانية تتحول على التوالي، الى احدى ساحات التجاذب الحامية، في إطار الاستراتيجية الأميركية للسيطرة على المنطقة وفي مواجهة التمدد الإيراني فيها.

وتبدو الحركة الأميركية المتسارعة على الساحة اللبناني في هذه المرحلة، تسعى الى خلق دينامية، تصب في اتجاهين داخلي وإقليمي.

داخليا، هو مقدار ما يولد تدخلها من دينامية عملية داخلية، وخلق وقائلع جديدة على الارض. تسعى من خلالها الى الدفع نحو إجراء تعديلات في ميزان القوى الداخلي الراهن، وايجاد بعض التوازن، وبما يمنع من رجحان كفة حزب الله، هذا فضلا عن الدفع باية تحولات في لبنان الى منتهاها المطلوب اميركيا، وحقن نهج الرهان على الدور الاميركي، بمنشطات جديدة، لا تنتج الا رهانات جديدة، تزيد من الالتحاق بهذا الدور، وتساعد على اخضاع اي بحث في الوضع اللبناني للشروط الأميركية.

إقليميا؛ ينطوي السلوك الاميركي على كبح محاولات إيران وتاليا حزب الله، من استخدام لبنان كورقة من ضمن وظائف اقليمية، فضلا عن أن تمرير اية تغييرات في توازنات الوضع الداخلي اللبناني، يشكل تنازلا مجانيا لحساب المحور المذكور، هذا فضلا عن السعي الاميركي الى ربط لبنان بأزمة المنطقة من البوابة الأميركية، وتحويله الى مجرد ساحة ومسرح، لتحسين شروط الإدارة الأميركية في معركتها الطاحنة في المنطقة برمتها، وفي سياق المسار الجديد الذي تتخذه المواجهة بين أمريكا وإيران وأدواتها المحلية.

الجانب الاميركي يدرك حجم التعقيدات التي تتخطى نطاق معركة الجرود، فالمشكلة اليوم تكمن في ترابط الأزمات التي باتت متصلة ووثيقة أكثر فأكثر ، وما حدث بعد معركة جرود عرسال تتم قراءته كتجاوز لخط احمر، كونه يتعارض مع الخطة الاميركية، التي تربط الوضع اللبناني، باعادة رسم الصورة الإقليمية في المنطقة، كما يتناقض مع الموقف الاميركي – الروسي، الذي يعمل على ربط الملف اللبناني بتطورات الوضع السوري وسائر ملفات المنطقة ، وإبقاء الصراعات اللبنانية الداخلية، والصراعات الإقليمية على الساحة اللبنانية، منضبطة تحت سقف المعادلات الدولية ،وحساباتها الإقليمية، في إحدى أكثر لحظاتها دقة وحساسية، وما يترتب على هذا الاتجاه من تعليق للملف اللبناني.

تبرز أهمية هذا التعليق خصوصا في الوقت الذي يجري التداول في إرساء حل سياسي في سوريا، والذي يبدأ مع تثبيت وقف النار على الجغرافيا السورية ، وفي حين انتهت الترتيبات بين واشنطن وموسكو، والتي شارك فيها الاردن – مع حرص واشنطن على أن تكون إسرائيل على اطلاع على ما جرى من ترتيبات لقرب جنوب – غرب سورية من مرتفعات الجولان – في مناطق الجنوب السوري، هذه التطورات تعكس انجاز خطوة فعلية على صعيد التعاون بين واشنطن وموسكو وحول وجود تصور مشترك لمسار الأمور “نحو سورية المستقبل ” على حدتعبير وزير الخارجية الاميركي.

وبقليل من الاستطراد للدلالة على ما عرضناه اعلاه تبدو جملة حقائق ووقائع جلية.
وفي هذا السياق يبدو السعي الاميركيي لقطع الطريق على ايران لانشاء الممر البري الذي يربط بين طهران وبيروت، وهو الممر الذي يبدأ من معبر التنف ويمر بالبادية السورية، وتبدو نية طهران تتبلور بشكل خاص في ريف حلب ومنطقة القلمون قرب الحدود مع لبنان، هذا الممر الذي تريده إيران سيكون شريان الحياة بالنسبة لها اذ ضمنه سيتم ضخ الإمدادات العسكرية والأسلحة دون توقف.

يحرص الأميركيون على إحباط هذا الخط لان سيطرة إيران عليه، سينعكس في حساباتهم على دول المنطقة برمتها ويساعد على انتشار القوى والميليشيات المرتبطة بها.

وفي السياق عينه يبدو الدخول االاميركي العلني، تصريحا وفعلا، عبر تكثيف الحضور الذي يواكب تطورات الوضع اللبناني، والتصريحات ألتي اطلقها غير مسؤول أميركي، والتي صدرت وبكثافة ملحوظة، وهي تصريحات اعقبت الدفع الذي أعطاه الرئيس الاميركي لفكرة استعادة قرار الدولة اللبنانية التي “تقف في الصف الأول في مواجهة الإرهاب وتاكيده ان واشنطن “ستستمر في دعم الجيش اللبناني “وهو ما يجد طريقه إلى التنفيذ المتسارع، مع إشارة الرئيس الاميركي الى ان مواجهة حزب الله كمواجهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية.

كل ذلك اتى مقرونا بممارسة الضغوط الأميركية والدولية ،لعدم حصول اي تنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله والجيش السوري في معركة جرود القاع وراس بعلبك.

وتبدو الصورة أكثر وضوحا عبر الحضور الاميركي الذي واكب عملية الجرود، وعبر اللقاءات المكثفة التي عقدتها السفيرة الاميركية في لبنان ومن بينها اللقاءات التي عقدتها مع كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، ترافق مع ذلك كله تكرار التلميحات من واشنطن ومن عواصم مؤثرة بعد معركة جرود عرسال، الى ان الأمور بدأت تأخذ منحى خطيرا على قاعدة سيطرة حزب الله أكثر فأكثر على قرار الدولة اللبنانية، وسلبها هذا القرار، لمصلحة ما اعتبرته واشنطن أجندة إقليمية لا علاقة لها بتحرير جرود عرسال فعلا كهدف في حد ذاته.

وتتكامل صورة تحرك الإدارة الأميركية، مع الجهود التي تبذله لتنفيذ برنامج عقوبات واسع على حزب الله تحت عنوان وبهدف تجفيف منابع تمويله وبهدف التأثير على البيئة الحاضنة له وهي عقوبات سوف ترمي بظلها على الاقتصاد اللبناني، وعلى الوضع المالي والمصرفي.

ماعرضناه يشير إلى أن الملف اللبناني بتوازناته الداخلية، يصبح في نهاية المطاف واحدا من رسائل الصراع والضغوط التي تستخدم كورقة من الأوراق في الموضوع السوري، كما تشير في الوقت عينه، الى ان خصوصية الملف اللبناني، في ابعاده الدولية والإقليمية، تظهر الى حد بعيد، عدم التناسب بين طبيعة وحجم قواه الداخلية، وبين طبيعة وثقل المسار الذي تسلكه المعادلة الدولية والاقليمية المحيطة بلبنان….

اقرأ أيضاً: نصرالله مسرور بتسليح أميركا للجيش اللبناني

لقد أثبتت التجربة اللبنانية الحية، خلال عقود، ان الاستهانة بالعوامل الدولية والإقليمية، والمتمثلة أولا وأساسا باستمرار النفوذ الاميركي، مقيما ومستوطنا في السياسة اللبنانية، لاتشكل بأي حال من الأحوال، سبيلا لاطلاق الاحكام، وعقد الحسابات والرهانات، لأحداث خلل ساحق في ميزان القوى الداخلي، تمهيدا لفرض مشروع هيمنة فئوية، بل يمكن أن تشكل مصدر تعقيد إضافي، انطلاقا مما تنطوي عليه من مراهنات وحسابات خاطئة.

ويبقى السؤال قائما: هل تسمح معطيات الواقع اللبناني وعلاقته مع اتجاهات التطورات الدولية والإقليمية بفرض هيمنة فئوية على باقي الطوائف اللبنانية؟

الجواب سيكون في مقالة لاحقة.

السابق
بدأت الحرب على الشيعة المعارضين… حزب الله خائف من الكلمة
التالي
مرحباً بعنجر والبوريفاج