«زحمة» الموت «تُعبّد» طريق «الانتصار»

ليس للزمان ولا للمكان أي أهميّة عندما يتعلق الأمر بحياة أشخاص أصبح وجودهم في هذا العالم، متعلق بمصير هذه الجبهة أو تلك. حتّى النعي يُصبح خبراً على الهامش بعد ان يتحوّل إلى مجرد عنوان أو إستدلال لتقديم واجب العزاء بشبّان أصبحوا هم العنوان لموت يبدو أنه مُكمل في طريق على الرغم من مسافة الآلام التي تجاوزت الستة أعوام. ومن بين المكان والزمان والمسافات، ثمة من يُصرّ على إشاعة أجواء «الإنتصارات» ضمن بيئة تحوّلت إلى عنوان للوجع والقهر أو أشبه بـ «بئر» تكاد تنضب مياهها، فأصبح يُردد الأسئلة عن مصير أبناء وآباء من دون أجوبة كانت لتشفي لوعات الحنين والغياب.

اقرأ أيضاً: عرسال… 100 قتيل

الأعداد تتزايد في وقت تغيب فيه الإحصاءات الحقيقية. لكن الحقيقة المؤكدة، أن من يذهب لن يعود ولن يُعوّض غيابه أحد. في «حزب الله»، ثمة عمل جديد للكثير منهم، التركيز على أعداد العناصر الذين يسقطون في سوريا وعند الحدود اللبنانية – السورية. هم في حالة تزايد دائم و»الأرقام» تتبدّل بين لحظة وأخرى. امس كان العنوان: سقوط خمسة عناصر للحزب في مُحيط بلدة حميمة في بادية حمص وسقوط أكثر من 50 قتيلاً للنظام السوري أحدهم برتبة لواء يُدعى «غسّان يونس»، وعناصر ايرانية وعراقية وأفغانية. خسارات متتالية تنفي كل محاولات التسويق لإنتصارات لا مكان لها سوى في اعلام «الممانعة» وفي معاجم الترويج التي يُبدع قادة الحزب في حياكتها وتحويرها وتحويلها، من أوهام يبيعونها بالمجان لبيئة تعيش بين ألم الرحيل وسكرات الموت الساكن في البعيد.

أمس الأوّل نعى «حزب الله» خمسة من عناصره امتزجت أسماؤهم وألقابهم مع العناوين، بين الحقيقة والخيال. في الحقيقة ثمة أمر واقع يطل في كل يوم ليُبشّر برحيل أحدهم، أمّا في الخيال، فهناك من يُصرّ على عدم جعل الموت وكأنه جزء من حياتهم أو يومياتهم. هي فئة ما عادت تحتمل التزييف ولا الأوهام وقد فضحت كاميرات التصوير دموعها مؤخراً في جرود عرسال، بعدما حاول البعض أن يسرق من خلوتهم الموجعة، آخر ما تبقّى من ذكريات تركها الإبن والشقيق والزوج على صخرة أو تلّة، أو عند باب مغارة.

هي مسافة زمنية معقودة على أربع وعشرين ساعة، كانت كافية ليُعلن الحزب خسارته خمسة عناصر في سوريا. هم عناصر جدد يسقطون على «طريق القدس» حتّى ولو ضلت قيادتهم الطريق واتجهت نحو العمق السوري. خمسة عناصر جدد يتحولون إلى عناوين تتصدر واجهة الاعلام ويصبحون هم الخبر على مسافة قريبة من وعود قادتهم بزف أخبار «النصر» قريباً من وراء الحدود المسكونة بزحمة الموت وتوزيع الأمنيات الأخيرة على جبهات لا تعرف للعودة عنواناً ولا طريقاً، وكل من يسلكها هو مفقود.

أمس تبدل العدد وتحوّل من خمسة إلى تسعة. فقد أضيف إلى علي محمد حيدر من بلدة عنقون الجنوبية سكان صبرا، علي محمد باز من الشهابية الجنوبية سكان الشياح، حسن محمد شريفة من بلدة القنطرة الجنوبية، لطفي علي العلي من بلدة يارين سكان صور المساكن الشعبية ومروان احمد البردان من بلدة يارين سكان صور المساكن الشعبية، كل من محمد حسين زيات من بلدة طيردبا الجنوبية، محمد حكمت بزيع من زبقين الجنوبية، بسام قاسم عربية من القليلة الجنوبية وأحمد نزيه مهدي من بلدة خرطوم الجنوبية. وقد نقلت مواقع حليفة لـ «حزب الله»، أن العناصر التسعة قُتلوا خلال عملية تفجير نفذها تنظيم «داعش» ضد مواقع الحزب والنظام في ريف حمص، بينما مواقع أخرى تحدثت عن سقوطهم في مدينة دير الزور.

الاسبوع الماضي، تناقلت مواقع تابعة لحلفاء «حزب الله» صوراً وأسماء لعناصر من الحزب قيل إنهم سقطوا خلال تأديتهم «الواجب الجهادي»، وقد راوح عددهم بين ستة وثمانية عناصر ومن دون أن يصدر أي بيان رسمي عن دائرة إعلامه الخاص. لكن بعد ساعات قليلة ارتفع العدد إلى خمسة عشر عنصراً، والمفارقة أن بينهم من هم أقرباء، ما زاد من حجم المصائب داخل عدد من العائلات والبلدات أيضاً. وملاحقة للخبر، كانت الأحاديث الجانبية والعامة في الضاحية الجنوبية، تتعلق بسقوط تسعة عناصر من الحزب دفعة واحدة في جرود عرسال، بعد إصابتهم بصاروخ موجّه عن بعد من نوع «مالوتكا». والمشكلة أن هذا الموت، يعتبره البعض واجباً يُحتّم عليهم تقبّل مصائبهم بفرح ورضى وبـ «أسمى آيات التبريكات» وأن يتقبّلوا التهاني بدل التعازي، وهنا يُصبح الموت «عادة» والكرامة تتمثّل بـ «الشهادة».

وليس بعيداً عن خسائر «حزب الله» التي يُقابلها بـ «نصر» هدفه رفع المعنويات، تلقّى النظام السوري أوّل من أمس، هزيمة جديدة في حي «جوبر» في شرقي العاصمة دمشق وعند أطراف عين ترما في الغوطة الشرقية. واللافت كان أن هذه الخسارة كانت من نصيب «الفرقة الرابعة» التي يتزعمها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشّار الأسد. وفي حديث صحافي لـ «أبو عدي الحمصي» القائد الميداني في فيلق «الرحمن» التابع للجيش السوري الحر، لفت إلى أن مقاتلي «الفيلق» قاموا بإيهام عناصر «الفرقة الرابعة» بالانسحاب من مبنى البريد، الأمر الذي دفعهم إلى دخول المبنى، ليتم بعدها تفجيره عن بعد، مؤكداً مقتل 20 عنصراً من قوات النخبة في الفرقة الرابعة بينهم ضابط. وقد توعد بأن يكون حي جوبر مقبرة لقوات النخبة في قوات الأسد، وتحديداً الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري».

والبارز أن حلف «الممانعة» يُطلق على حي جوبر في دمشق، اسم «الثقب الأسود « أو «مثلث برمودا»، نظراً لابتلاع المنطقة عدداً من المجموعات التابعة لـ «فرق النخبة» في قوات الأسد وحلفائهم.

السابق
هذه هي خطة «جدعون» لتحديث الجيش الاسرائيلي ومواجهة حزب الله
التالي
الثروة النفطية بين التكوين والتنقيب في لبنان