حزب الله من المقاومة إلى المقاولات

حزب الله

ليس غريبا أمر حزب الله بالرغم من كل الظواهر الشاذة التي تسبب فيها وجوده الذي صار بمثابة نذيرا بحرب أهلية لن تتوقف عند حدود لبنان بل تتجاوزها إلى المنطقة. ميليشيا مقاومة حُظيت يوما ما بإعجاب الجماهير المهضومة حقوقُها، تحولت بعد انتهاء وظيفتها إلى فتى المنطقة الأرعن الذي إن لم يجد له في طريقه خصما بادر إلى اختراعه.

ربما يكون صادما بالنسبة للمعجبين بالحزب المذكور أن يُقال إن وظيفته قد انتهت. بالنسبة لهؤلاء فإن المقاومين لا يذهبون إلى بيوتهم ووظائفهم الأصلية التي تركوها من أجل النضال يوما ما.

ولهذا لم ينجُ الحزب المقاوم من حتمية استقوائه على الآخرين، كونه موجودا رغم أنوفهم بمعزل عن حاجتهم إليه.

المقاومة باقية وعليها أن تبحث دائما عن أسباب تفسر من خلالها ذلك البقاء الثأري الذي تحول إلى عبء ثقيل على المجتمع المدني.

اقرأ أيضاً: أبعد من جرود القاع بكثير

فلو لم تهبه الظروف جبهة النصرة خصما عقائديا مسلحا، ما كان حزب الله قادرا على الإمساك بنفسه والامتناع عن الانزلاق بلبنان إلى هاوية حرب عبثية قيّدت مستقبل سوريا بكوارثها.

لقد رأى حزب الله في الحرب السورية فرصته لإثبات نظريته في انقسام المجتمع العربي إلى طوائف لا فرصة لها في التعايش. وهي النظرية التي استلهمها من سيده الولي الفقيه في إيران. كانت كذبة تحوله إلى قوة سياسية مجرد غطاء لهيمنته العسكرية على الحياة السياسية في لبنان.

منذ عام 2008 وهو عام احتلاله لبيروت تحول لبنان إلى رهينة بيده.

لقد كان على اللبنانيين يومها أن يخترعوا شيئا فريدا من نوعه في التاريخ هو مقاومة المقاومة. وما كان في إمكان أحد أن يلومهم على القيام بذلك.

لقد وضعهم حزب الله بين قوسي الانضمام إلى مفهومه عن المقاومة الذي يعني إلحاق الدولة اللبنانية ومن خلالها المجتمع اللبناني بسلاحه غير الشرعي، أو مقاومته والتعرض لكل الاحتمالات بما فيها التصفية الجسدية كما حدث لسلسلة من الشخصيات الوطنية اللبنانية.

الثابت في المعادلة اللبنانية أن حزب الله موجود بقوة سلاحه. من المؤكد أن تبعية ذلك السلاح لإيران تزيد المشهد كآبة وشؤما.

فالمقاومون السابقون صاروا مجرد مرتزقة لدى الولي الفقيه، تحركهم جثة قابعة في قم لا يهمها في شيء مصير بشر يقيمون في راس بيروت أو جونيه أو الأشرفية أو المصيطبة أو عين المريسة.

مقاومو الأمس هم اليوم مقاولو حرب. يمكن النظر إلى الحرب السورية باعتبارها صفقة دخل إليها حزب الله ليربح وجوده الدائم في لبنان. لذلك فإن نهاية الحرب في سوريا لن تحمل سلاما إلى لبنان.

لن يهب حزب الله لبنان فرصة لالتقاط أنفاسه. فالبلد الصغير قليل الإمكانيات الذي عانى من عبء أكثر من مليون نازح سوري سيكون عليه أن يواجه استحقاقات مرحلة يحمل فيها الآلاف من شبابه السلاح غير الشرعي.

ولأن حزبهم المقاوم لن يتخلى عن شعاراته الثورية بالرغم من أن أحدا لا يمكنه أن يجد لتلك الشعارات محلا في الواقع، فإن أولئك الشباب لن ينخرطوا في المجتمع بعد أن صارت لغة السلاح هي اللغة الوحيدة التي يتقنونها. ستكون تلك المرحلة أسوأ بكثير من المرحلة التي مهدت للحرب الأهلية في سبعينات القرن الماضي، يوم استقوى الفلسطينيون بسلاحهم على الشرعية اللبنانية.

سيكون السلاح الموجه إلى صدور اللبنانيين هذه المرة إيرانيا. ما يعني تحول لبنان إلى مختبر لتجارب سيكون هدفها التنفيس عن أزمات نظام الولي الفقيه وهي أزمات لا تنتهي.

لن يكون مقبولا القول إن لبنان كان قد ابتلي بالمقاومة مضطرا، وها هو يدفع ثمنها اليوم من حريته واستقلاله وسيادته وراحة شعبه أضعافا مضاعفة لما ربحه يوم حرر المقاومون جنوبه.

السابق
أبعد من جرود القاع بكثير
التالي
«أبو صياح» حرّم أولاده من الميراث بسبب معارضتهم للنظام السوري!