«الهيئة».. ودراستها العجيبة لـ«التبرج والسفور»

خرجت علينا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أيام بإعلان رسمي عن مناقصة لدراسة علمية عن ظاهرة التبرج والسفور في المجتمع. الهيئة تراجعت عن عزمها إجراء هذه الدراسة العظيمة، التي حقيقة لا أعرف سبب عزم الهيئة على أجرائها من الأصل، إضافة إلى وصفها بالظاهرة والوصول إلى نتيجة الدراسة قبل إجرائها لو تم. البعض طرح أن مثل هذا العنوان استفز شريحة كبيرة من المجتمع، وكان سبباً لإلغاء هذه الدراسة.

علينا الإيمان بأن هناك قضايا دينية حولها خلافات فقهية، ولكن باعتقادي أن المتشنجين من خروج المرأة في مشهدنا الاجتماعي هم أصلاً ضد عملها، على رغم وجود كل الاشتراطات التي حددتها الجهات الرسمية التي تحمي المرأة في أماكن العمل، وكلنا يتذكر التجمعات ومقابلة وزراء العمل للاحتجاج على توظيف المرأة في مجالات تعمل بها المرأة في كل دول العالم.

اقرأ أيضاً: رغم الحريات.. المرأة اللبنانية خاضعة للتمييز بكلّ أشكاله

أتحسر على وضع بعض جهاتنا الحكومية واهتماماتها في صرف الملايين لدراسات غريبة عجيبة هي ضد أبسط حقوق البشر حول كيفية لبسهم، ومن ثم نطلق الأحكام عليهم من أشكالهم الخارجية، في الوقت الذي نقرأ فيه كل يوم بالصحافة العالمية عن اختراعات علمية وطبية تخدم البشرية، ونحن مازلنا نلف وندور حول كيفية لبس المرأة وكأن ذلك يهدد السلم الاجتماعي.

علينا أن نحترم خيارات الإنسان البسيطة، وأن نحترمها، وهذا ليس بالأمر الصعب، ولكن المسألة لها علاقة بالتشدد الديني والفكري لدى مجموعات مخترِقة لبعض الأجهزة الرسمية، وتحاول أن تفرض وصايتها على المجتمع بأكمله، من خلال رفع شعار أنها هي فقط من تحمي المجتمع، وأن هناك تغريباً ومؤامرة على المرأة المسلمة، والمنطق يقول إن المؤامرات تحاك في مجالات التقدم العسكري والصناعي والعلمي، فأين نحن من ذلك كله؟ مثل هذا الفكر الخانق لـ«ناموس» التطور الاجتماعي لن يقف، والإنسان ابن عصره، حتى ولو حاول البعض منا وقف هذه المسيرة الإنسانية، وهي بالمناسبة تخلط بين العادات الاجتماعية والمفاهيم الدينية، والنتيجة دائماً ضياع فرص التقدم الاجتماعي لأي بلد بالعالم.

آلاف من فتيات هذا الوطن يعملن الآن وأصبحن مستقلاّت اقتصادياً، وكم من البيوت تعتمد عليهن في مداخيلها، والكثير من النساء السعوديات ذهبن في برامج الابتعاث في الخارج، ولم تكن قضيتهن كيف يلبسن أو يضعن حجاباً من عدمه، وهذا حق لمن تعتقد بذلك، ولكن لا يمكن أن تفرض على البقية رؤاك ومفاهيمك، فالاختلاف سنة الحياة، فالمرأة العربية والإسلامية حاضرة في مجالات التجارة والعلم والثقافة بشكل عام.

اقرأ أيضاً: بالفيديو: السيد سامي خضرا يدعو المرأة إلى استبدال صورتها فيسبوك بصورة شجرة!

إذا كنا نريد التقدم والانطلاق، فمثل هذه القضايا والفكر الذي يقف خلفها هو من أهم العوائق للتقدم بأشكاله كافة، مثل هذه التوجهات تخلق الإحساس عند البعض بأن هناك سلوكاً سيئاً ومشيناً تجاه المرأة، والأصل هو الاهتمام بما تقدمه المرأة في مجال عملها خدمة لذاتها ومجتمعها، والغريب أن البعض من هؤلاء، والذين يحاربون أي إجراءات فعلية تحفظ للمرأة كرامتها، نجدهم يستجلبون بعض الدراسات من المجتمعات الغربية التي هم ضدها بالأساس لتمرير أفكارهم على المجتمع، فنحن نقرأ لهم عن الإحصاءات عن التحرش في أماكن العمل في الغرب مثلاً، ومحاولة توظيفها لمنع المرأة في مجتمعنا من العمل.

الخوف من المرأة وصل إلى حالة مرضية عند بعضنا، والمصيبة أن تصل هذه الحالة إلى بعض الأجهزة الرسمية، وهذا الجهاز لم يحدد تعريفه للتبرج والسفور، ومن الذي سينفذ هذه الدراسة نساء أم رجال؟ وما هي منهجية تنفيذ الدراسة، هل هي بالمراقبة عن بعد والتوصيف أم المقابلة الشخصية؟

السابق
الموصل وعرسال والعفالقة المطلوبون
التالي
ترامب يتراجع… وظريف يرى الصواريخ «جميلة»