«القجة» والجمعيات الخيرية: من يراقبها؟ (1/2)

تنتشر القجة في كل مكان في لبنان، فلكل طائفة قججها واحيائها ومناطقها وفلسفتها الدينية الخاصة بها.

“القجة” من منّا لا يعرفها؟ من وحيّ “القجة” اليومية المنزلية، وجدت القجة الخيرية التي توزعها المؤسسات الخيرية على المحال التجارية او المؤسسات الكبيرة كالمطاعم والسوبرماركت والشركات. لكن حديثنا اليوم ليس عن القجة التي نجدها في البيوت، بل تلك التي توزعها الجمعيات الخيرية على أفراد المجتمع بكافة فئاته.

إقرأ ايضا: أزمة مالية تدفع «حزب الله» الى لمّ التبرعات

فالجمعيات الخيرية التي تعتمد على توزيع المساعدات على الفقراء والمحتاجين والمعوزين خاصة الآرامل والاطفال وعابري السبيل، ترش قججها في مناطق انتشار ابنائها.

ففي لبنان، ولا أدري ان كانت هذه الفكرة قد أُعتمدت في بلاد اخرى سواء العربية منها او الغربية، نشهد، وبسبب التوزيع الديموغرافي الطائفي للمناطق والأحياء والشوارع، ان القجج الخيرية ما هي الا كشف حساب سياسي غير معلن، اذ نادرا ما نجد قجة لجمعية خيرية شيعية موجودة في حيّ تقطنه غالبية سنيّة.

فبالاضافة، الى قجج جمعية المبرات الخيرية التابعة لمؤسسات المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وقجة جمعية الامداد الخيرية وقجة هيئة دعم المقاومة الاسلامية التابعتين لحزب الله، وقجة جمعية الرسالة الخيرية التابعة لحركة أمل، نجد مجموعة قجج تابعة لأفراد وجمعيات كقجة زاد الخير التابعة لجمعية الامام المهدي الخيرية، وقجة حوزة الامام الهادي، وقجة جمعية القرآن الكريم، وقجة إحياء مجالس ابي عبدالله الحسين، وقجة جمعية العطاء، وقجة رابطة العمل الخيري.. والى ما هنالك من قجج لا تُعد ولا تحصى في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع، هذا في المناطق ذات الاكثرية الشيعية.

اما المناطق ذات الاغلبية السنيّة فلها قججها ايضا، وخاصة في البقاعين الأوسط والغربي، فمنها لتحفيظ القرآن، ومنها للمعوزين، ومنها لبعض الجمعيات التعليمية، ومنها للنازحين السوريين، ومنها لاطلاق السجناء، وقجج مكتوب عليها لـ”لايتام” او لـ”فعل الخير” او في “سبيل الله” او لـ”عائلة مستورة” غير معروفة الجهة التي تقف ورائها.

اما في المناطق الاخرى المسيحية او المتنوعة، فان الجمعيات فيها تتكل على التواصل المباشر مع الناس من خلال المندوبين او الاتصالات الهاتفية عبر شبكة الهاتف الثابتة، او عبرالـSMS.

والخلاصة من هذا العرض البسيط هو اثارة الاسئلة التالية: من الذي يشرّع توزيع هذه القجج؟ ومن يقف وراءها؟ ومن يوافق على توزيعها؟ ومن أين تحصّل هذه الجمعيات الأذونات لفرش قججهم؟ أهي وزارة الشؤون الاجتماعية؟ ام وزارة الداخلية مثلا؟

ومن يراقب الجمعيات التي توزعها ويراقب طريقة توزيعها؟ ومن يقف على فريق العمل المؤلف من الموزع والمحصّل والمحاسب؟ ومن يتابع حركة التوزيع على الفقراء والمساكين والمحتاجين؟

صحيح ان من يتبرّع لهذه الجمعيات انما يقوم بذلك من تلقاء نفسه، وليس هناك من يُجبره. وهو يتبرع انطلاقا من قناعة دينية يُلزم نفسه بها، لكن المسألة باتت أبعد من ذلك بكثير ان لجهة استعمال بعض الجمعيات لهذه القجج لأجل أهداف خاصة متعلقة بالشخص المُؤسس لهذه الجمعية او تلك، او لجهة الأهداف السياسية لهذه الجمعية او تلك.

اما الوجه الآخر للعمل الخيري جراء نشر هذه القجج فهو التعاون الأهلي البدائي البسيط، الذي يحاول ان يحلّ محل الدولة والسلطة!

“ام محمد يحيى” مثلا تضع قجة في منزلها، وتقول انها “وضعتها لأجل جمع الاموال للفقراء والايتام”. وهل تأكدت ان هذه الاموال للفقراء؟ قالت نعم”. وتبلغ قيمة ما تجمعه 300$ كل خمسة أشهر، وهي تضع في المنزل قجتان لكل جمعية واحدة. وهي فخورة بعملها هذا لكونه يساهم بمساندة الفقراء.

اما “ام محمد شحادة” فانها تجمع في قجتها المنزلية “ما يصل الى 50 ألف كل 3 اشهر، وهي تضع في منزلها ثلاث قجج”. بالمقابل، زينة قشمر ترى ان “فقراء العائلة اولى بهذه الاموال”.

إقرأ ايضا: «هيئة دعم المقاومة»: «قجة» على شكل رصاصة لمساندة المقاتلين

وتعتمد العائلات على الصدقة اليومية، وخاصة يوم الجمعة لدى المسلمين بناءا على حديث ديني، كنوع من تكافل اجتماعي ظاهريا، باطنه اقتصادي.

وقد عمدت بعض المدارس ذات التوجه الديني الى وضع قجة في كل صف من اجل اشاعة التصدّق والتبرع.

ويبقى السؤال من يدير هذه “البنوك” الصغيرة؟ ومن هو المؤهل لادارتها بعيدا عن الرقابة سواء العامة او الرسمية؟

السابق
عن قطر وشقيقاتها اللدودات
التالي
الدور المتوقع من لبنان في خضم الصراع السعودي القطري