وثيقة «حماس»: صراع من أجل البقاء؟

جومانة نمور

أيام مرت على إصدار حماس لوثيقتها، وما زالت ردود الأفعال والتحليلات تتفاعل. الرئيس الفلسطيني قال إن فيها تناقضات كثيرة، فيما رأت أوساط فصائل فلسطينية اخرى أن جزءا كبيرا منها موجه للخارج، رغم اللغة والصياغة الجديدة التي اعترفت بالتنوع الفلسطيني، والتقت فيها مع لغة القوى الوطنية والعلمانية لأول مرة. كما توقف مراقبون عند محاولة التوفيق بين مرونة مستجدة، وتمسك بمواقف تصعيدية سابقة شكلت ثوابت في ميثاق الحركة منذ تأسيسها.

التغيير في لهجة «حماس» تمثّل أيضا في القول انها حركة تحرر وطني اسلامي، في صراع مع الصهاينة وليس اليهود، ومستعدة للنضال بوسائل مختلفة. لكن أكثر ما لفت الانتباه، كان القبول بدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧. قبول ظل مشروطا بعدم الاعتراف باسرائيل، والتمسك بالتحرير من النهر الى البحر.

اقرأ أيضاً: «حماس» ووثيقتها: حلف الكذّاب والأبله

ما الدافع وراء هذا القبول؟

ثمة من يقول إنها صياغة تم اللجوء اليها باعتبارها صيغة توافقية تقترب فيها «حماس» من العديد من الأطراف الأخرى، في حين ذهب آخرون الى حد اعتبار تبنّي هذا الخيار، مدخلا تقدم الحركة نفسها من خلاله كبديل عن سلطة أبو مازن. في هذا الإطار، قال عضو اللجنة المركزية لـ«الجبهة الديموقراطية» فتحي كليب لـ«المستقبل» إن الوثيقة استدارة تكتيكية تراعي الواقع الدولي والعربي المستجد، وتحاول «حماس» من خلالها تقديم نفسها بثوب جديد سواء على المستوى السياسي والفكري، أو على مستوى التركيبة التنظيمية، حيث تريد أن تقدّم نفسها بديلا عن السلطة. وأكبر دليل على ذلك، تزامن اعلان الوثيقة مع وجود الرئيس الفلسطيني في واشنطن، وهذه لم تكن مصادفة.

عضو المكتب السياسي لـ«الجبهة الشعبية» كايد الغول، أشار في اتصال معه في غزة، الى «ايجابيات في صياغة الوثيقة، من الممكن البناء عليها في تقريب وجهات النظر في الساحة الفلسطينية، من أجل محاولة الوصول الى قواسم مشتركة في البرنامج». إلا أن الخشية برأيه من أن يُعمّق الانقسام نتيجة تسابق سلبي لنسج العلاقات مع الاطراف الاقليمية والدولية، وتكون الطامة الكبرى في محاولة تقديم الذات كبديل. والظاهر حتى هذه اللحظة داخليا، أن الاستئثار بالقرار ومقدرات السلطة واستمرار الرهان على عوامل خارجية وما هو مقبل، تُبقي القرار بيد من يمتلكه في غزة أو الضفة. في حين أن «حماس تقدم نفسها من خلال الوثيقة للمنتدى الدولي أكثر من توجهها للداخل، بحسب اعتقاده.

ما الذي قصده الغول في الاشارة الى ما هو مقبل؟

عاد الحديث هذه الأيام عن مؤتمر سلام جديد سيُعقد برعاية أميركية من المنتظر الاعلان عنه قريبا، ربما على هامش زيارة ترامب للمنطقة، وعن صفقة ذهبية يمكن أن يُخرجها«صهر ترامب الساحر من قبعته». لكن سيد البيت الأبيض لم يعط أي إشارة تتعلق بحل الدولتين، أو القيام بجهود لوقف الاستيطان، أو التعهد بالعمل على وقف نقل سفارته الى القدس. جُلّ ما وعد به التوصل الى تسوية دون الضغط على أي من الطرفين. هنا، أكثر ما يمكن التوصل اليه برأي الغول، هو مفاوضات بمشاركة عربية، تتفاوض فيها اسرائيل مع الفلسطينيين لمجرد التفاوض، فيما يكون الهدف الحقيقي تعميق العلاقات مع أطراف عربية بشكل يتيح تشكيل حلف بمواجهة الخطر الايراني والارهابي، وتبقى القضية الفلسطينية بلا حل.

في هذه الحالة، إذا كان ثمة رهان من«حماس»على دور خارجي، هل هو في محله؟

طبعا للحركة حساباتها الخارجية وعلاقاتها الاقليمية، لكن اللجوء الى خيار يعتمد على حل الدولتين جاء متأخرا كثيرا، فالموضوع لم يعد مطروحا على الطاولة أصلا، ويتم تشبيهه بالجثة التي تنتظر الدفن. فيما الوضع على الأرض أسوأ حالا مع سياسة الاستيطان التوسعية التي لم تترك الكثير من أراضي الـ٦٧ أو مياهها. فيما ميزان القوى مائل بشدة نحو إسرائيل المتمسكة بخيار الدولة القومية للشعب اليهودي. ( اشارة هنا الى مشروع قانون أمام الكنيست يحصر القرارات المصيرية باليهود، ويعتبر العبرية اللغة الوحيدة الرسمية). هنا كان الأجدى بحماس بحسب محللين أن تطرح خيار الدولة الواحدة الديمقراطية، وتعمل على توحيد الداخل الفلسطيني وطي صفحة الانقسامات.

في هذا الاطار، يستبعد كليب نية بتوحيد الحالة الداخلية الفلسطينية لدى«حماس»، كونها لم تطرح وثيقتها للنقاش على المستوى الداخلي، ولم تتواصل مع أحد بشأنها، معتبرا أنها قدمتها للاطراف العربية والاميركية والاسرائيلية، وستبقى شيكات من دون رصيد، لأنه لا شيء يجبر الادارة الاميركية أو اسرائيل على قبول الوثيقة ما دامت غير مستندة الى حالة شعبية وفصائلية قوية. أوساط مقربة من حركة«فتح» وضعت التوجه بالوثيقة نحو الخارج في إطار «محاولات فاشلة لتقديم أوراق اعتماد». وكان المتحدث باسمها اسامة القواسمي قال تعليقا على الوثيقة:«اذا كانت حماس قد احتاجت ثلاثين عاما لتخرج علينا بذات مواقفنا، فكم من الوقت ستحتاج لان تفهم ان الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام أفضل للشعب الفلسطيني؟».

من جهتها، اختلفت«الجهاد»مع«حماس» بالنسبة لقبول إقامة دولة في حدود الـ٦٧، مع تشكيكها بالتوقيت. معتبرة أن باقي بنود الوثيقة تخص الحركة وحدها.

في أي حال يطل الوضع الداخلي الذي يُعاني منه القطاع برأسه بقوة. فبعد امتدادات الحركة اقليميا خلال عشر سنوات من حكمها، حصلت تغييرات كثيرة في المعادلات الاقليمية، خاصة في سوريا ومصر، تركت انعكاسات واضحة على ما يجري في غزة. تحول الحصار الى اختناق، وزادت المعاناة ومعها الضغوط. الوجع في غزة واحد، يقول أحد المسؤولين المقيمين هناك، والتغيير داخل قيادات حماس قد يعطي بعض الأمل، خاصة أن اسماعيل هنية هو ابن القطاع وابن المخيم، ويعرف احتياجات الناس. لكن ما يكتب على الورق شيء والممارسة شيء آخر.

فهل ينجح هنية، مدعوما بوثيقة لم تخلُ من البراغماتية والتجديد، بإيجاد مخرج للأزمات الداخلية والخارجية المستعصية؟ وبتحسين علاقاته مع دول الجوار وخاصة مصر، الرئة التي يتنفس منها القطاع؟ وهل هذا يعني ان مبادرة«حماس» لا تعدو كونها محاولة في معركة صراع من أجل البقاء؟

السابق
هل بات قرار قطع رأس الأسد قريباً؟
التالي
البخاري يقدم درع وزارة الخارجية السعودية لحاصباني