الممانعة.. والإنسانية «المنفصمة»

الإنسانية لا تتجزأ.. أو تكون بشرياً في التعاطي مع كل الجرائم أو التزم الصمت.

ما إن حدثت مجزرة الفوعة وكفريا والتي لا نقاش حول بشاعتها وإدانتها، حتى خرج الممانعون يتباكون على الأطفال والنساء ويتحدثون عن فظاعة الجريمة ويعلنون الحداد.

فجأة تحوّلوا إلى بشر، صدّقوا الصور والمشاهد ولم يداخلهم شك أنّ هناك ضحايا وهناك عشرات القتلى الذين سقطوا دون أيّ ذنب.
هم أنفسهم من كانوا يتحدثون عن بشاعة الحصار في الفوعة وكفريا، وعن لا أخلاقية المتاجرة بالمدنيين في الحروب، وما يواجهه المحاصرون من نقص في المواد الغذائية والطبية واستهداف مخزي برصاص القنص.
هم أنفسهم من كانوا يطالبون المنظمات والأمم بإيجاد حلول سريعة للحالات المستعصية التي لا بد من إخراجها للعلاج في المستشفيات المتخصصة حتى لا تموت وهي تصارع الألم في ظلّ غياب الكوادر الطبية وغرف العميات وأجهزتها.

كل ما سبق هو منطقي، بل هو الإنسانية المفترضة، ولكن أن يكون هؤلاء أنفسهم بالأسماء من سخروا من مجزرة خان شيخون واصفين إياها بالمسرحية الهزلية، وأنّ الأطفال قد قتلوا، وأن الدفاع المدني هو مجرم وهو من نفذ هذه الفبركة، ولكن أن يكونوا هم أنفسهم من وصفوا الصور بالكاذبة والخادعة والتي لا تمت للحقيقة بصلة، وأن يكونوا هم أيضاً من استهزؤوا بمجاعة مضايا بنشر صورهم مرفقة بالبرادات والمأكولات بأسلوب مقيت، فهنا الإشكالية الحقيقية.

إقرأ أيضاً: كفريا والفوعة ووباء الإجرام

كيف يستطيع هؤلاء أن يتضامنوا مع نصف الجريمة، فيما يباركون النصف الآخر، كيف يصدقون مشهداً واحداً مؤلماً، فيما يكذبون كل المشاهد من حلب لإدلب لداريا للزبداني ومضايا.
كيف يروا جثثاً مشوهة للأطفال، فيما تتحول صور أخرى ل”فوتوشوب”.
وكيف يتضامنون مع بطون خاوية في الفوعة وكفريا، فيما في الزبداني ومضايا المحاصرتين يدحضون مزاعم المجاعة بهما لمجرد أنّهما من “القرى السنية”.

إقرأ أيضاً: كفريا والفوعة وخان شيخون الجريمة هي الجريمة

هذا الإنفصام في تعاطي الممانعة مع القضايا الإنسانية، مع الجريمة، مع المجازر التي أحرقت سوريا، مع الجثث التي أحرقها الكيماوي، مع الأطفال اليتم والحفاة، تجعلنا نقول لهم “اصمتوا”.
لا يمكن للمرء أن يكون إنساناً مع “حيوان”، وحيواناً مع “الحيوان” الأخر، أنتم اخترتم أن تكونوا في المقلب الثاني، الذي تقوده الغرائزية والطائفية.

ودماء الشهداء التي تفجرت في كامل الأرض السورية وصولاً لمجزرة الأمس في الفوعة وكفريا تتبرأ منكم ومن تضامنكم الانتقائي.

السابق
ترامب يأكل الشوكولاتة ويقصف «الحيوان»
التالي
النتائج الأولية للاستفتاء التركي