الرئيس عون يتمسك بموعد الانتخابات..و «الحلف الرباعي» يؤجل

رصيد الرئيس ميشال عون الى تراجع، ولعبة تعطيل الانتخابات والتمديد كفيلة بالقضاء على ما تبقى من فائض قوته، هو الذي كان أكد على ان قانون الانتخاب سيكون أوّل بند على طاولة حكومة عهده الأولى، واذ بنا نرى تقدم "الموازنة" عليه، ويصبح التمديد للبرلمان على لسان الجميع قدر لا مفر منه.

كل الجدل الدائر حول قانون الانتخاب يبدو بغاية تأجيل الانتخابات وتعطيلها، فالخلاف حول النظامين النسبي والمختلط في قانون الانتخاب، وعلى الصيغ المتعددة لكل منهما، يدفع نحو عرقلة العملية الإنتخابية سواء بالتمديد أو الفراغ، والأرجح أنّ النقاش الإنتخابي سينتقل في ظلّ عدم الاتفاق على القانون، إلى الجدل حول الأفضلية بين الفراغ أو التمديد للبرلمان. ذلك أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون قيّد نفسه بالتزام أنّه لن يوقع الاّ على قانون انتخابي جديد، ويفضل الفراغ على انتخابات وفق قانون الستين.

ظاهر الخلاف بين التيار الوطني الحر وحزب الله النظام الانتخابي، وموقع بعض حلفاء حزب الله المسيحيين في المعادلة المقبلة ولا سيما النائب سليمان فرنجية، والخلاف الظاهري أيضاً هو موقع وليد جنبلاط في المعادلة الانتخابية، وثمّة عنصر آخر في السياق هو موقع القوات اللبنانية التي لا يريد حزب الله أن تكون قوية، فيما على غير عادته يبيع من طرف اللسان حلاوة لجنبلاط ويبدي ليونة غير مسبوقة تجاهه ورغبة في حمايته مما يتردد عن رغبة رئيس الجمهورية في إضعافه. وهذا ما جعل جنبلاط شديد اللطف وعلى غير عادته تجاه حزب الله ربما رغبة في تمرير عملية توريث الزعامة الدرزية إلى نجله تيمور، أو نوعاً من التقية السياسية التي تخفف من سهام الخصوم والأعداء في زمن يحتاج فيه إلى حضن سياسي دافىء.

يبقى أنّ حزب الله يكسب في هذا الجدل بين المخاوف والمزاعم والطموحات الانتخابية، يطمئن هنا ويعد هناك ويحذر هذا الجانب، بما يكسبه ودّ الأكثرية من القوى السياسية، ويجعله اليوم في رتبة “بي الكل” فيما رصيد الرئيس إلى مزيد من التراجع لا سيما أنّه لم يستطع أن يقدم للبنانيين عموماً أو المسيحيين بوجه خاص، أيّ رسالة توحي أنّ تغييراً جوهرياً قد تحقق في الدولة وفي مؤسساتها ولا في السلوك السياسي العام، حتى الرئيس السابق اميل لحود استطاع في بداية عهده أن يحدث صدمة ايجابية، لم يطل مداها ربما، ولكن لأنّ لحود في ذلك الحين كان يرى الفساد في الرئيس رفيق الحريري دون غيره فيما كان النائب ميشال المر يمينه والرئيس نبيه بري خارج أيّ مساءلة او استهداف. لكن الرئيس عون اليوم وهو يقدم لحزب الله ما يشتهي من مواقف داعمة لسلاحه ووجوده الأمني والعسكري، لا يقدم في المقابل للبنانيين عموماً ما يقنعهم بتغيير إيجابي قد حصل مع وصوله إلى بعبدا بعد عامين ونصف من شغور كان هو وحليفه حزب الله فرسا رهانه. فيما طفرة إعادة الاعتبار للقوة المسيحية التي كانت عنوان وصول عون للرئاسة، وقوة تفاهم معراب، آيلتان إلى التراجع والانكفاء، وكل ذلك يتم برعاية من أعدقاء الرئيس العتيد.

 

أعدقاء الرئيس اليوم، متفقون رغم خلافاتهم على منع تشكل أيّ كتلة مسيحية لرئيس الجمهورية، من خلال رفض أيّ صيغة قانون انتخاب يمكن أن يوفر هذه القوة البرلمانية للرئيس وللقوات اللبنانية، هذا الاتفاق غير المعلن والضمني، هو مصدر قوة العلاقة اليوم بين أطراف الحلف الرباعي الضمني الذي يضم إلى حزب الله حركة امل وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وبالتالي فإنّ المراهنة السياسية لدى أطرافه هي تمييع الانتخابات النيابية من خلال استنزاف القوة المسيحية بمزيد من تظهير عجزها، وإظهار رئيس الجمهورية بموقع العاجز أو الضعيف من خلال عدم قدرته على تحقيق ما وعد به في شان قانون الانتخاب، أو على مستوى إحداث أيّ تغيير يحد من نظام المحاصصة والزبائنية، بحيث أنّ مناصري الرئيس ومحازبي التيار الوطني الحر لن يجدوا أمامهم الا الغرق في تقاسم الجبنة رغم أنّ ما تبقى منها لم يعد يساوي زادا لفقير.

إقرأ أيضاً: قلق حزب الله من إجراء الانتخابات النيابية

أيّ انتخابات نيابية ومهما كان القانون، ستجعل تيار المستقبل أقل تمثيلاً مما هو عليه اليوم، وهو يفضل تأجيلها تفادياً لمفاجآت سنية لا يريدها، والأهم عجزه عن مواجهة متطلبات مالية عاجز عن تلبية الحد الأدنى منها هذه الأيام.  أما حزب الله الذي لم يستند يوما في نفوذه على عديد كتلته النيابية، فهو سيخسر من قدرته على الاستحواذ على السيطرة، بسبب خيبات ستصيب الكثير من المراهنين على دعم حزب الله لهم في الانتخابات النيابية، وهو يفتقد في أيّ انتخابات مقبلة أي عنوان لمعركته، فكل عملاء اسرائيل واميركا والوهابية أو معظم قوى 14 اذار باتوا إما حلفاء أو اصدقاء، أو على الأقل ليسوا خصومه. لذا هو في غنى عن انتخابات تفرض عليه تعويض غياب شعار المعركة، بالرشى الانتخابية لجمهوره. ويتقدم على كل ذلك ما يتصل بالبعد الإقليمي الذي يفرض على حزب الله وهو يواجه استحقاقات سورية المزيد من التهدئة اللبنانية الداخلية وتقليل الخصوم والأعداء المتربصين به.

أما وليد جنبلاط يتمسك بما تبقى لديه بعدما فقد بيضة القبان، ولا يريد الاستعجال في تقديم خسائر إضافية لا مفرّ منها في أي قانون انتخابي جديد مهما كان.

إقرأ أيضاً: قانون الانتخابات قنبلة موقوتة.. متى ستنفجر؟

الرئيس عون والقوات اللبنانية وامتدادهم المسيحي هم أصحاب المصلحة في إجراء الانتخابات النيابية بأسرع وقت ممكن، ووحدهما يتلمسان خسائر التأجيل، ويفتقدان فرصة اختراق الحلف الرباعي غير المعلن، لا سيما أن الحج الى حارة حريك لم يعد ميزة عونية.

السابق
الجماعة الاسلامية تدعو المدافعين عن بشار الاسد الى وقفة ضمير
التالي
محمد بن نايف: المساس بأمن أي دولة من الدول العربية هو مساس بالبقية