«برج البراجنة» والمخيم.. جيران ولكن

الخسائر المادية من الجهتين، في معركة مجهولة السبب الفعلي، ومجهولة الأفق. فما الذي جرى يوم أمس؟ وهل هو اختبار موازين قوى لجهات محرّكة؟

الفلسطينيون واللبنانيون جنباً إلى جنب في برج البراجنة، فلا تمييز بينهم، في حال كنت تمر في السوق الرئيس لمحلة برج البراجنة هذا المنطقة المكتظة بالسكان، والتي يسميها البعض بـ”الصين الشعبية” نظراً لمساحتها الشاسعة التي تمتد من أطراف حارة حريك جنوباً، إلى أطراف طريق المطار شمالاً، إلى حدود  منطقة الكوكودي والشويفات غرباً، وإلى الحدث شرقاً حيث يصلها به شارع الرويس المعروف.

منطقة سكنية شعبية تضم الفقراء من الجنسيتين، وضمن منطقة برج البراجنة. فبعد نكبة العام 1948 جاء الفلسطينيون كضيوف إلى لبنان أسكنهم اهالي برج البراجنة من محافظة المتن الجنوبي في خيم على أساس مؤقت، إلاّ أنّه ونتيجة ظروفهم السياسية المعروفة أقاموا مكان الخيم بيوتاً بحجارة بشكل عشوائي نظراً للقرارات الرسمية المانعة للبناء النظامي، وكان انضمامهم إلى الاحزاب المتنوعة سبيلهم للعيش نتيجة الفقر ونتيجة الهمّ الوطني، ونتيجة الصراعات السياسية بين زعمائهم.

كانت العلاقات ودية مع اللبنانيين إلى أن اندلعت للمرة الأولى معارك بين حركة أمل عام ١٩٨٥، المنضوي تحت إطارها أبناء برج البراجنة آنذاك، وبين الفصائل الفلسطينية المؤيدة لأبي عمار والتي سقط خلالها عدد  كبير من الشباب من الطرفين، ضحايا للصراع السياسي السوري- الفلسطيني.

لكن ما يجمع الفلسطينيين واللبنانيين لا تفرّقه السياسة، وظلّ الفقر والبطالة هما الجامع الأقوى. فالبيوت تشبه بعضها في مربع لا يتعدى الكيلومتر الواحد وبشكل دائري.

مخيم برج البراجنة

وبعد معارك نهار أمس الدامية التي سقط خلالها رجل مسنّ وعدد من الجرحى، واشتعلت البيوت الفقيرة، أخذت تتصاعد إلى السطح مجدداً الخلافات “الجيرانية”، خاصة أنّ القاطنين في مخيم البرج هم متنوعو الاتجاهات فلسطينياً، يختلف البعض منهم مع القوى الحزبية الشيعية، خاصة وأنّ الصراع السوري-السوري قد أوقع هؤلاء الحلفاء والمؤيدين للقضية الواحدة والأبدية، في شباك الانشقاق والخلاف.

وقد ربط العديد من المراقبين معارك أمس بالمحاور والأقاليم، وبمعارك عين الحلوة المتأججة على الدوام بجولات متقاربة، كما أشاع البعض أنّ معركة نشبت في مخيم البداوي أيضاً، الا ان الخبر كان عبارة عن إشاعة مغرضة.

وقد قيل من بين الأسباب التي وردت بين الناس، أنّ الاشتباكات اندلعت على خلفية إشكال فردي بين شبان من آل جعفر المعروفين ببلطجيتهم، وآخرين فلسطينيين من آل القفاص في حي الجورة، وهو الحي الشهير بإحتوائه على تجار المخدرات، والذي لطالما داهمته القوى الأمنية اللبنانية الرسمية لسحب مطلوب هارب أو تاجر أو مروج أو بائع سلاح. وقد نُقل عن أحد القاطنين في حي الجورة وهو (ر.ش) أنّ المعركة انتقلت على خلفية فرض خوة على شاحنة تنقل مواد بناء إلى داخل المخيم.

هذه الدويلة في حي الجورة الشهير، التي يقيم على شاكلتها آل جعفر في كافة المناطق اللبنانية تنتّقل باشكالاتها من حي الليلكي الى البرج الى بعلبك، الى أي مكان لهم فيه وجود وانتشار، سيما أنّ معلومات خاصة قالت أنّ الأسلحة المستعملة كانت ثقيلة جداً، والأسماع أكدت ذلك من “آربي جي”، إلى القنابل اليدوية، إلى القنص، إلى ما هنالك من أسماء غير معروفة  لأسلحة كثيرة..

ورغم حضور ومتابعة قوى التحالف الفلسطيني وفوج التدخل الرابع في الجيش اللبناني، فرّ المسلحون المطلوبون من الطرفين، وبقيت الحرائق مشتعلة في البيوت الفقيرة التي تقف على أحجار باطون بغياب الأعمدة، وفي ظل سقوف تغطيها ألواح “الزينكو” التي خرقها الرصاص فباتت كمنخل الماء.

وكان القنص سبيل المتقاتلين، الذي أربك وأثار فعاليات المنطقة، سيما حزب الله الذي اعتبر بعض مناصريه أنّ التفلت الامني المفاجئ يطاله هو قبل غيره لأن الشعبين يعنون له.

وفي اتصال مع مواطنة لبنانية مقيمة في “حي الجورة” منذ سنوات وتدعى (س.ش) قالت أنّ “آل جعفر سيحتاجون إلى أكثر من ألفي خزان مياه بدلاً من الخزانات التي قنصها القناصون الفلسطينيون”. في إشارة إلى حجم  الأعمال العسكرية التي حصلت.

و”أنّ الهدوء يسود اليوم الأحياء، حيث انطلقت المعارك أمس في الواحدة بعد الظهر، وانتهت تماما في السادسة مساء”. و”الناس باتت معتادة بحسب (س.ش) على أصوات القذائف، فتراها في الشارع  دون خوف”. أما “الخسائر فكبيرة جداً”. “علماً أنّ جميع الصور التي عرضتها التلفزيونات كانت من داخل المخيم ولم يعرضوا صور الأضرار في حيّنا”.

إقرأ أيضاً: فلتان برج البراجنة إنتهى بإشتباكات دامية بين العشائر والفلسطينيين

وفي اتصال مع المسؤول الاعلامي لحركة حماس رأفت مرّة، قال لـ”جنوبية”: “أنّ ما حصل أمس هو نوع من استحضار مؤلم لما جرى في العام 1985. وهم جميعهم أهلنا بعيداً عمّا حصل أمس، وهو أمر صعب كوننا جيران، ونحن لا نريد العودة إلى الماضي الذي بات خلفنا، فلا مبرر أبداً لما حصل، خاصة سرعة ارتفاع وتيرة العنف واللجوء إلى الأسلحة الثقيلة في منطقة مختلطة ومترابطة، فهم جيراننا ونعيش معهم وبينهم، وإذا استمرت هذه الحال فالأحقاد تنمو خاصة في ظلّ الصراع السوري”.

وأكّد “انّني بقيت في منزلي داخل المخيم، خاصة أنّ قذائف صاروخية أطلقت مع قصف عنيف في وقت هو وقت خروج الأولاد من المدارس”. وبرأيه “الأسلحة الثقيلة هذه موجودة في البيوت”.

إقرأ أيضاً: ⁠⁠⁠من يستدرج «حرب المخيمات» في «برج البراجنة»؟

وأكد مرّة أنّ الحاج (أبو خليل) المسؤول السياسي لحركة حماس في المخيم كان من ضمن مجموعة توجهت إلى موقع الجيش اللبناني على مدخل المخيم لحل الإشكال يرافقه كل من مسؤول جبهة التحرير الفلسطيني ومسؤول جبهة النضال. فلا ندري لما أُستهدف؟”.

وختم المسؤول الاعلامي لحركة حماس في لبنان، بالقول “مطلوب ألا تتطور الأمور، وألا تُقام جولات جديدة، وندعو إلى توحيد الموقف، علماً أنّ السبب الحقيقي لم يُعرف حتى الان”.

ولم يترك مسألة ما ورد على لسان البطريرك الراعي تمرّ مرور الكرام، فاعتبر أنّ “بعض الخطابات التحريضية لمن هم معنيّون بالتشجيع على السلم هي التي توتر الاجواء”.

السابق
رالي الجمارك والمتسابقون سياسيون وفنانون والخاسر خزينة الدولة
التالي
علماء الشيعة في بعلبك – الهرمل يناشدون نصر الله و بري: لماذا تتجاهلوننا و تظلموننا؟