«جسد محرّم» قصص حبّ وخيانة لحنان ضيا

"جسد محرَّم"، هو عنوان المجموعة القصصية للكاتبة اللبنانية حنان ضِيا. وهذه المجموعة الصادرة عن "دار المؤلِّف في بيروت" وفي طبعة أولى عام 2016، تضمّ تسعة عشر نصّاً قصصيّاً، تخوض في موضوعات عدة، ومن عناوينها: "النداء الأخير أيقظها"؛ "أرجوانيّة الهويّة"؛ "أربعون سنة رجلاً"؛ "إنتبه عذريّتي!"؛ "أنا زوجة ثانية!"؛ و"مونوز ترقص على الجفون".

ومن قصّة بعنوان “الأبوَّة” نقتطف: قام من مرقده وسار نحو النافذة مثقلاً، لا توافيه الذاكرة بأي ماض. تحوم في ذهنه بضع أفكار ضوضائيّة، يعجز عن تحديد مصدرها. ضجيج علا خارجاً أفاق سكون أذنيه. رأى امرأة ترتدي فستاناً أزرق تعبر الطريق وتنظر بطرف عينيها إلى شبّان يقفون قرب الزاوية، ثم أطرقت برأسها وأكملت سيرها بخفّة يمامة وغنج غزالة. ضرب ذيل فستانها السماويّ الذي تماوج مع هبوب الريح أطراف ذاكرته، فحرّك فلول الماضي الراكد فيه. دقائق وعادت الشابّة مواجهة له هذه المرّة وفي يدها باقة ورد صغيرة أثارت في نفسه شيئاً. زاد من تأمّله لها، فغاصت ذاكرته في عينيها البنّيتين وثغرها الرقيق. لا حقها بعينيه لاهثاً وهي تقترب من منزله. فتحت البوابة الكبيرة بكل ثقة ودخلت الحديقة، فلمع شعرها البنّي الممتزج مع أشعة الشمس في وجهه، وانعكس صوراً غامضة في ذهنه. توجّهت المرأة نحو بلاطة بيضاء تعلو العشب قليلاً، وضعت الباقة عليها وتلمّستها بحنوّ فشعر هو بلمساتها تنصبّ اليه زئبقاً. إنها ابنته التي استودعها قبل خمسة عشر عاماً، وكان هي ابنة الثلاثة عشر ربيعاً، لقد باتت امرأة يافعة مفعمة بالحياة من دون أن تنسى ذكرى موته في هذا اليوم المقدس، يوم ولادة المسيح.

اقرأ أيضاً: تأمّلات حنَّة أرندتْ «في العنف»… تاريخياً

أثار فيه اقتراب ابنته من صومعته الصغيرة التي يعلوها صليب حديديّ عاتٍ، أملاً من رقاد أفضل. وشعر برغبة مطلقة في القيام من مرقده كسيّده المسيح، لكنه ما استطاع حراكاً. بدت له كرغبة عمرها آلاف السنين ويعرف أنها لن تتحقق أبداً.

لمَ لا يقترب منه فيشمّها، يضمّها ويقبّل وجنتيها؟
هي أصرّت على أن تدفنه في حديقة المنزل، ليبقى إلى جانبها… إلاّ أنّ رياح الزمن أرغمتها على هجره تماماً، فغابت عنه سنين طويلة. انتقلت “روجين” مع أمّها بعد موت والدها بثلاث سنوات من لبنان إلى اسبانيا بسبب الحرب.

كتاب جسد محرم

سمّاها روجين، وهو اسم إيرانيّ ويعني أوّل شعاع للشمس عند بزوغ الفجر. بحث عن ذلك الإسم كثيراً، ولما وجده استحوذ عليه. سحره كما سحرته تلك الطفلة وهي تتحرّك بين يديه.

روجين هي ابنته الثانية من زوجته الثانية. الابنة الأولى لا يعرفها، رآها وهي طفلة في المهد. ثم رآها مرة عندما كانت في السابعة من عمرها، وبعدها لم يتمكّن من رؤيتها مجدّداً، وكانت للمرّة الثانية تُختطف منه.

اقرأ أيضاً: لقيت كتاب؟ دار الساقي تملأ الحمرا كتبا

أخذتها أمّها أوّل مرّة عندما كانت في الأشهر الأولى من عمرها. رحلت مع عشيق لها وهجرته. لم يعرف يوماً سبب خيانتها له رغم حبّه لها. رحلت من دون كلام. عاد ذات يوم إلى المنزل ولم يجدها، غابت فجأة. لم يشعر قبل ذلك بأيّ خيانة تقوم بها زوجته. لم يفكّر يوماً أنّ هذا الوجه الملائكيّ يمكن أن يكون خائناً.

السابق
أيام إيرانية صعبة في سوريا؟
التالي
الكرملين: لم نسمح لإسرائيل بضرب حزب الله في سوريا