قصَّة تَرْوِيْها دمعةُ نازحٍ

هل بات النازح السوري في وضع مزر لهذه الدرجة؟

بعد انتهاء كلمتي من مناسبة روحية وقفَ نازحٌ سوري بعفويةٍ خطيباً: أيها الناسُ انا ابنُ رجلٍ أَثْرَى مَنْ ولِدَ في بلدتِهِ وبلدِهِ سوريا، كانَ الناسُ يسألوننا حاجتَهم لِنَقْضِيها، فنكَرِّمُ الضيفَ ولا نُقْهِرُ السائلَ إذا أتانا وطرقَ بابَ ديوانِنا، وما كنَّا لحظةً عالةً على مضيفٍ في دياره، بل أعزّاءَ حتى وجدْنا أنفسَنا نازحينَ في بيئتنا العربية والمسلمة، وَلَمَسْنا مَنْ تاجرَ بمعاناتنا مِن مانحينَ وممنوحينَ ومضيفين، فلا يصلنا إلاَّ الفتاتُ حتى أصبحنا مسرحاً يمرحُ فيه كلُّ تاجرٍ ومستثمرٍ في قضايا حقوق الإنسان والطفل والمرأة، يأتونَ إلينا بسيارتهم الفارهة وبلباسٍ فاخرٍ وبرواتبَ تضاهي الوزراء والرؤوساء ليضحكوا علينا بابتسامةٍ مدفوعةَ الثَّمَنِ سلفَاً، مكتفين بالْتِقاط الصور التي تُظِهرُ بأسَنا وضرَّاءَنا وعورةَ مشاكِلِنا.

إقرأ أيضا: جبران باسيل.. خلف كل مصيبة لبنانية نازح سوري!

فأنا يا سادة أعمل في مركز(…) أشعر بالذل والخزي والعارعندما أستلمُ راتبي البخس الممزوج والمُلَوَّثِ بكلمات الإهانة والتركيع والتسكيع وجرح الكرامات، فأنا لستُ كأيِّ نازحٍ يستعطف القلوبَ والجيوبَ.

يا أيها الناسُ مَن يُرجِعُنِي إلى بلدتي وبلدي ووطني آمناً سالِماً على نفسي وأسرتي وله مني أغلى وأثمن ما أَمْلِكُ، فخذوا المكاسبَ والمناصبَ واتْرُكُوا لي وطناً أعود إلى حضنه الدافئ بعدَ أنْ احْتَرَقْتُ بنار فُراقه، فارْحَمُوا عزيزَ قومٍ أَذَلَتْه المِحَنُ والفتَنُ والمصائبُ والنكباتُ، آسفينَ ألاَّ نجدَ نحنُ المهاجرين في المسلمين أنصاراً بل رأينا بعضَهم مستغِلاً وشامتاً وتاجراً تارةً باسم الثورة وأخرى باسم النظام، فنريد الان وليس غداً حق العودة المقدسة إلى أرضي وبيتي ودارتي ومئذنتي وزاويتي ورزقي، فيا ليتَ عفةَ المهاجرِ وشفقةَ الأنصار تَرُدُّ إلينا بعضَ خسارِنا المادية والمعنوية. فلا أريد منحةَ مانحٍ وإنما دُلُّوني على السُّوق لأكتسبَ من سواعدي وعرقِ جبيني، فالمهاجرُ القويُّ الحِرَفِي المهَنِيُّ أحبُّ وأقرِبُّ إلى الله والناس من النازحِ المتسوِّلِ منتظراً عطاءَ المتبرِّعِين.

إقرأ أيضا: نازح فلسطيني من سوريا ينتحر في مخيم البرج الشمالي

يصدح هذا بألمه ويتنهد بكلمات العتب والغضب الذي ترافقه دمعةٌ صادقةُ المعنى والمغزى والمبنَى، تلك الدمعة لم تُشْعِلْ فينا نخوةَ المعتصمِ وهارون وصلاح فَقَسَتْ قلوبُنا فهي كالحجارة أو أشدُّ قسوة، لقد تمنى الموتَ والدفنَ السريعِ على أنْ يرى ويسمعَ ويعيشَ مرارةَ عذابات الغُربة حيث أمسُه القريبُ كانَ سيدَّ بني قومِهِ، والآن يُعامَل كعبدٍ أجيرٍ مأسورٍ تحتَ مَنْ ظنَّ نفسَه أنا ربُّكُمُ الأعلى. ولعلَّ في اليوم القادم نخطبُ خطابَه المأثور.

السابق
رفع الحظر عن ارتداء الحجاب بصفوف المجندات في القوات التركية
التالي
شربل خليل يواصل استفزاز الحركة: بالاعتذار «ما في أمل»