الفهم المغلوط للإسلام

إن العلم والمعرفة ليس ما يدعى، بل ما كان مرتكزا على نظرة نقدية وسعة إدراك يسموان على التسطح والجمود، وينطلق في معالجات الواقع بأفق رحب، لينتج قراءة موضوعية تساهم في تطوير فكر ووعي يبشر بنهوض العقل الإسلامي باتساع مساحة قبوله للقراءات النقدية والانفتاح عليها لأنها مصدر إثراء لا عامل تصادم.

إن مخالفة المنهج الذي رسمه الخطاب القرآني لخلق العقلية العلمية سبب للضلال والانحراف في الأمة خصوصا مع وجود ضعف الوعي الديني وإعمال العقل العلمي في فهم الدين كما حصل مع خوارج الأمة، وتلك الفكرة بحاجة العالم الإسلامي إلى دعامتين للوصول بيقظتها للكمال، وهما دعامة التجربة الإيمانية الحية، ودعامة الفكر المحرر على شروط المناهج العقلية.

ان أزمة الوعي والفهم في الخطاب الديني المعاصر، هو ممارساته الخاطئة، فنبدأ بأزمة التطرف الفكري والديني ومظاهرها، وعلينا ان نعترف بوجود ألغام فكرية يتبناها أفراد يجعلونها قناعات لهم تبقى في عمق أذهانهم منتظرة فتيلا مناسبا لتنفجر.

ان الأسباب الجذرية لهذه الحالة، والمنطلقة جميعا من قاعدة الانغلاق الفكري في فهم الدين وفقه التدين، ومنها، وجود عقلية البعد الواحد التي تعدم مجالات الحوار وتتعامل ككتلة صلبة ذات وجه واحد يحكم عليه بسرعة دون اعتبار لأسبابه ومكوناته، كالحكم على كل الغرب بالإجرام والكفر مثلا. كما من أسباب التطرف الديني هو فقر البيئة الثقافية والاجتماعية وتسببها في الكثير من الممارسات الخاطئة، كالتعصب للعلماء والاعتقاد بآرائهم بما لا يحتمل قبول آراء غيرهم، حتى وإن كانت مخالفة للنصوص الشرعية، أو التعصب ضدهم بتقديم الفهم الشخصي على فهمهم.

ان نماذج الازدواجية التي تجتاح المشهد العربي والاسلامي، منها الازدواجية الدينية ويمثّلها سلوك يجمع بين خطاب وعظي وممارسات تتناقض مع القيم الأخلاقية، وازدواجية معايير سياسية تتبنى الكيل بمكيالين في التعاطي مع الآخر، وتقرن المناداة بالمصالح الوطنية والعمل ضدها، أو تطالب بحقوق الفقراء ثم تنتهكها، أو ترفع شعارات الإصلاح والعدالة الاجتماعية ثم تعيق تحقيقهما. أن منهج مجتمع “القيم الإنسانية” باعتبارها مشتركة بين ثقافات متعددة. فإذا قامت على قاعدة احترام حقوق الإنسان كمبادئ عالمية، ومراعاة الخصوصيات الثقافية للمجتمعات، والموازنة بين العام والخاص، فإنها ” دولة أخلاقية” يفترض أن يتضمن دستورها وقوانينها كل ما من شأنه تعزيز الحياة الأخلاقية السويّة للإنسان باعتباره عضوا في مجتمع تتحقق فيه معادلة الحقوق والواجبات، بحيث يتصرف الفرد بإيحاء مما يسميه ضيفنا “قدسية حقوق الآخرين وحرياتهم”.

وهذا الوعي يطلق عليه “روح المواطنة” التي تُحدد في نظره طبيعة علاقة الإنسان بـاﻵخر بوصفه كل ما هو خارج الذات الفردية في المجتمع، من أشخاص ومظاهر وممتلكات، وقوانين وأعراف وتقاليد، وحقوق وواجبات، وبنى مادية وروحية.. وتتعدى روح المواطنة الخصوصيات التي تؤسسها اﻷديان والمذاهب والطوائف، وتتجاوز البناء القومي وترتقي فوق العلاقات السياسية والحزبية والاقتصادية الضيقة وعابرة لحدود الثقافات المحلية، ومتصلة بالمنطق الإنساني الذي يجعلها منهلا ثريا للقيم الإيجابية، فيحصل التفاعل البنّاء المعبّر عن مواطنة الإنسانية وإنسانية المواطنة، بما يعزز المشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية، ونكران الذات والنظرة العقلانية للعلاقة بين الحقوق والواجبات.

السابق
وزير الدفاع الأميركي لمحمد بن سلمان: نتطلع للعمل معاً
التالي
لبنان يفوز على الأردن ويحرز بطولة غرب آسيا في كرة السلّة