عمر العاصي: الانتحاري الملتبس

الانجاز الأمني الباهر الذي تحقق أمس بالقبض على الانتحاري عمر العاصي في اللحظة الأخيرة قبل تفجير نفسه في شارع الحمراء المزدحم بالمواطنين، لا يعفي هذا الانجاز الجهات الرسمية من توضيح أمور ملتبسة رافقت ما أعلن، ولو ان الأجهزة الأمنية تستحق التهنئة والشكر لأنها أنجت الوطن من مجزرة محققة.

ربما يجب علينا الانتظار لكي تتضح تفاصيل العملية الانتحارية التي كان يزمع عمر العاصي القيام بها في احد مقاهي شارع الحمرا.

الرواية الرسمية التي تحتاج الى مزيد من التفاصيل لكي تتضح الصورة، اشارت الى انه تمّ القبض على العاصي قبل ان ينجح في تفجير حزام ناسف في مقهى الكوستا ليل امس الاول (السبت). ومثل هذا التفجير لو كان وقع كما قيل لحصد عددا كبيرا من الابرياء الذين يرتادون هذا المقهى ومن المارة في ليلة تشهد كالعادة نهاية كل اسبوع، اكتظاظا من قبل رواد هذا الشارع.

إقرأ أيضا: لغز الإنتحاري…

ومهما كانت التساؤلات حول العملية والهدف وكيفية القاء القبض على الانتحاري، فان الذي يجب التأكيد عليه هو الاشادة بالانجاز الذي حال دون سقوط اناس ابرياء. فالجهد الأمني يقتضي الشكر والاشادة بالذين نجحوا في انجازه أيّا كان الجهاز الرسمي الذي انجزه.

على انه ونحن نحيّد الجانب الأمني التقني الذي افشل العملية الانتحارية، لا بد من السؤال هل ان لبنان يشكل هدفا لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”؟

ربما الاجابة عليه تتفاوت بين التأكيد والنفي. لقد اعلنت مصادر أمنية رسمية تحقق مع المتهم عمر العاصي انه ينتمي الى هذا التنظيم، وقد تلقى اوامر تنفيذ عمليته من خارج لبنان ومن قيادة التنظيم في الرقة السورية تحديداً، وهو كما بات معروفا من ابناء مدينة صيدا، التي سبق ان خرج منها ايضاً من نفذ عملية انتحارية في السفارة الايرانية هو معين ابو ظهر في تشرين الثاني من العام 2013.

ولعل المشترك بين الانتحاريين انهما كانا من انصار الشيخ احمد الاسير. وكان العاصي كما تردد قد اصيب في المعركة التي جرت بين جماعة الاسير وحزب الله من جهة ثانية في احداث تعمير عين الحلوة منتصف العام 2013. وهذا يفرض تساؤلا حول الاسباب التي تدفع عمر العاصي العامل في مهنة التمريض باحدى مستشفيات صيدا، ان يقوم بهذه الخطوة التي تنم في جانب منها عن خلل ما في شخصيته، الذي يفترض ان يدرك انه لو نجح في تنفيذ عمليته سيتسبب بقتل مواطنين ابرياء.

تجاوزه لهذا المحظور هو الخلل الشخصي، او البعد الانتحاري في كل شخص ينفذ عملية تستهدف الآمنين. والى جانب الخلل هذا لا يمكن ان نغيّب عوامل تدفع مثل هذا الشاب ابن الخامسة وعشرين عاماً الى الخيار الانتحاري، هو كما تناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صورة له وهو يتعالج من الاصابة في احدى المستشفيات اثر احداث التعمير في العام 2012، ما يعني انه نجا في تلك المرحلة، فيما ما تبع هذه المرحلة ومن ضمنها أحداث عبرا، وما رافقها وتلاها يبدو انها دفعت الشاب الى الخيار الاكثر تطرفا وتشددا نحو تنظيم “داعش”.

إقرأ ايضا: صورة النائب بهية الحريري مع انتحاري الحمرا هل هي حقيقية؟

يبقى ان المواطنين ينتظرون ما يزيل بعض الشكوك المحيطة بالروايات المتداولة حول فشل العملية، اسئلة بديهية تتمثل بكيفية كشف العملية وبالتالي منع الانتحاري من تفجير نفسه؟ كما أنّ دخول الانتحاري وبقاءه لمدة دقائق في مقهى الكوستا يبقى محل تساؤل، لا سيما انه طلب الحصول على فنجان قهوة؟ واذا كان مراقبا كما تردد فلماذا سُمح له بالدخول الى المقهى ولم يتم القاء القبض عليه قبل الدخول او في مكان لا وجود فيه لجموع من المواطنين كما كان حال المقهى حين القبض عليه من قبل الاجهزة الأمنية؟

يبقى ان ثمة تساؤلاَ، هل نحن امام عملية أمنية استخبارية؟ بمعنى ان الجهة التي جنّدت طلبت من عمر العاصي تنفيذ العملية وزودته بالحزام الناسف، هي جهة استخدمت هذا الاسلوب لاسباب تتصل بغاية كشف مدى استعداده لتنفيذ عملية ارهابية ومن هم أقرانه الذين يشابهونه بهذا الاستعداد؟

إقرأ أيضا: من هو الإنتحاري عمر العاصي؟

ان هذا التحليل الذي ينافي الرواية الرسمية المتداولة والناقصة حتى الآن، هو تحليل يتم تداوله في اوساط شعبية غير مقتنعة بالرواية الرسمية، ويمكن ملاحظة ان الشكوك لا يُستهان بها حيال ما احاط بهذه العملية.

ويبقى ان كانت عملية القبض على الانتحاري هي استخبارية لها اهدافها او عملية نوعية للاجهزة الامنية؟ ففي كلتا الحالتين نحن امام مظاهر انتحارية لبنانية يجدر متابعتها وتحليلها كملمح اجتماعي وسياسي وليس أمنيّا فحسب، فالعلاج الامني الذي يبشرنا به الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب للقضاء على الارهاب لا يبشّر بالخير، طالما ان النظرة الامنية هي التي تختزل وسائل المعالجة.

السابق
لغز الإنتحاري…
التالي
وزير الصحة يمنع مرضى غسيل الكلى الفلسطينيين من العلاج