2016: عام التطهير الطائفي في سوريا

ابرز محطات التطهير الطائفي في سوريا

منذ توسع رقعت العمليات العسكرية الروسية في سورية مطلع العام 2016، ازدادت نسب التهجير القسري والممنهج على أساس طائفي/مذهبي في العديد من المناطق السورية ولا سيما تلك القريبة من العاصمة دمشق أو التي توازي العاصمة في أهميتها الاستراتيجية كالزبداني التي تربط الشام بالمناطق اللبنانية القابعة تحت حكم حزب الله.

وكان ملفتاً أن جميع حالات التهجير القسري، تتم برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر والمجتمع الدولي، مما دفع عدد من المنظمات الدولية الحقوقية إلى إتهام الامم المتحدة بالتواطؤ مع النظام السوري عبر طرق عدة، من بينها تقديم مساعدات لمناطق النظام تفوق تلك التي تقد إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.

إقرأ ايضاً: مجلس الأمن يصوت على مشروع الهدنة في حلب.. وروسيا تهدد بـ«الفيتو»

البداية كانت مع ريف حلب الشمالي، ففي شهر شباط/فبراير خسرت المعارضة السورية المسلحة أبرز معاقلها في الشمال ولا سيما تل رفعت ومارع معرستة وغيرها من المناطق. حيث كثف النظام الروسي غاراته بغية مساعدة النظام السوري والمليشيات المذهبية لفتح الطريق أمامهم للوصول إلى بلدتي نبل والزهراء لفك الحصار العسكري عنهما بالإضافة إلى تمكين المليشيات الكردية للسيطرة على بعض المناطق المحاذية للحدود التركية. وأشار الناشط الإعلامي في ريف حلب الشمالي أبو يوسف عبدالقادر إلى دور المليشيات الكردية في عمليات التهجير القسري في مناطق ريف حلب الشمالي ولا سيما تل رفعت ومحيطها حيث منعت الأحزاب الكردية أهالي تلك البلدات من العودة إلى منازلهم. واعتبر أبو يوسف أن “الغطاء الجوي الروسي للمليشيات الكردية في تمكينها للسيطرة على المناطق المحاذية للحدود التركية هو للضغط على الحكومة التركية، بسبب دعمها للمعارضة المسلحة. حيث قصفت الطائرات الروسية مدينة تل رفعت ما يقارب 200 غارة جوية، ودمرت نحو 150 منزل وتسببت بنزوح كل أهالي المدينة”.

الميلشيات والديمغرافية السورية 

وعن دور المليشيات المذهبية القادمة من لبنان والعراق، أكد أبو يوسف “أن كان لها الدور الأول في التهجير القسري لريف حلب الشمالي وخاصة في ماير، معر ستة، وريتان وارتكبت جرائم قتل بحق أهالي الثوار. حيث كان هدفها الأول هو تأمين درع حماية لبلدتي نبل والزهراء”. وفيما يخص أهالي ريف حلب الشمالي، قال الناشط أبو يوسف: “أن جميع الأهالي والمدنيين نزحوا إلى الحدود التركية في إعزاز، وحالتهم الصحية سيئة نتيجة قلة المساعدات الإغاثية للمخيمات التي وصل عددها إلى 20 مخيم”. وأكد أن الحكومة التركية لم تفتح حدودها للنازحين.
وختم أبو يوسف “أن ريف حلب الشمالي، كان تحت سيطرة الجيش السوري الحر. وحصار بلدتي نبل والزهراء كان حصار عسكري فقط، بحيث بقيت تصل لتلك البلدتين المؤن الغذائية والطبية عبر عفرين المسيطر عليها من قبل المليشيات الكردية”.
ونالت الأقلية التركمانية نصيبها في التهجير القسري الممنج في الساحل السوري، ولكن لم يكن إفراغ مناطقهم برعاية أممية أو دولية. ودفعت هذه الأقلية القومية في سورية ثمن باهظ نتيجة مساندة أبنائها وبناتها الثورة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاقتها.

تهجير التركمان وابناء حمص

وبدوره أشار نائب رئيس حزب الحركة التركمانية المعارض طارق سلو عبر الجزيرة نت، إلى أن عمليات التهجير القسري في جبل التركمان مرت على مرحتلين: الأولى في شهر رمضان من عام 2012 عندما دخلت المعارضة السورية المسلحة إلى الجبل مما أدى إلى قصف الجبل من قبل النظام السوري. والثانية بدأت يوم 30 سبتمبر/أيلول الماضي جراء قصف الطيران الروسي بمختلف أنواع الذخائر بما فيها المحرمة دولياً، وقال إن ما بين 30 إلى 35 ألف مدني نزحوا دفعة واحدة، ومن ثم استمرت عمليات النزوح الجماعي إلى أن أفرغ جبل التركمان من سكانه. والآن يعيش معظم المهجرين قسرياً من جبل التركمان على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا بأوضاع انسانية سيئة نتيجة سوء الأحوال المناخية وخاصةً في فصل الشتاء. وأما عن حي الوعر الحمصي الذي دفع أبنائه الثمن الباهظ جراء مشاركتهم الثورة السورية منذ اللحظة الأولى، يعاني هذا الحي حصار منذ عام 2013 إلى يومنا هذا. ويفيد الناشط الإعلامي أسامة محمد علي الذي ما زال داخل حي الوعر المحاصر “أن التهجير في هذا الحي ليس جديداً بل هو تم في السنوات السابقة أثناء تهجير النظام لأبناء حمص”. وأشار الناشط إلى “أن الجيش السوري النظامي وفرع أمن الدولة والدفاع الوطني والمليشيات المذهبية تحاصر حي الوعر وتمنع دخول المؤون الغذائية إليه.”

إقرأ ايضاً: مصطفى بدرالدين وعماد مغنية.. والثأر الروسي
ولفت محمد علي إلى “أن عناصر المليشيات المذهبية هم سوريين من الشيعة، حيث سمح لهم النظام السوري بتشكيل مليشيات بداية الثورة السورية ومن أبرز هذه التشكيلات قوات الرضا وحزب الله السورية، ولكنهم يأتمرون من قبل حزب الله اللبناني. حيث تم تدريبهم جيداً من قبل حزب الله اللبناني على القتال واصبحوا اقوى من الجيش السوري”. ولمح الناشط إلى “أن هناك خلاف مبطن ما بين النظام السوري والمليشيات المذهبية حول من سوف يسيطر على حي الوعر، ربما لأهمية الحي  الاستراتيجية لانه بوابة حمص الغربية بالإضافة إلى أنه يطل على طريق حمص طرطوس”. وأكد علي أن لا سلطة لـ”فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً) على الحي بسبب أعدادهم القليل جداً، ولفت إلى أن الحي “تسيطر عليه فصائل الجيش الحر وأحرار الشام وغيرها من الفصائل الإسلامية المعتدلة وجميعهم من أبناء الوعر وحمص”. واعتبر أسامة علي أن النظام السوري اخترع كذبة التسوية للانتقام من أبناء المناطق المتمردة، حيث أجبرهم على القتال في صفوفه أو اعتقل بعضهم.

دمشق.. الغوطة .. الزبداني.. داريا
وبالرغم من التدخل الروسي الذي قلب موازين القوى في سورية، بقيت المناطق الملاصقة للعاصمة دمشق تشكل خطراً استراتيجياً على النظام السوري والمليشيات الداعمه له وخاصة حزب الله. فأرياف دمشق هي الأقرب إلى عمق حزب الله اللبناني، حيث كانت تشكل هذه المناطق سداً منيعاً بوجه طموحات حزب الله في التغير الديموغرافي للسكان. مما دفع حزب الله العامة لإرسال قوات النخبة إلى هذه المناطق المتمردة وخاصة الزبداني. حيث سجلت معركة الزبداني عام 2015-2016 اعنف المعارك التي خاضها حزب الله في سورية، ونتج عنها خسائر بشرية للحزب في المقابل تفريغ مدينة الزبداني شهر أيلول للعام الماضي من أهلها ومحاصرة بلدة مضايا في الشهر ذاته.
وقبل نهاية عام التهجير القسري شهدت عدة مدن في الريف الدمشقي، حملات تهجير واسعة ومن أبرزها مدينة داريا التي تم تفريغها بأكملها من أهلها وإرسال من تبقى فيها إلى إدلب تحت إشراف الأمم المتحدة. وبفيد الناشط تمام أبو الخير الذي عمل داخل مدينة داريا كناشط إعلامي ومعلم “أن الحصار الخانق بدأ في داريا منذ بدايات عام 2013، وأدى هذا الحصار لنقص المؤن الغذائية والطبية مما تسبب بأضرار صحية جسيمة للقاطنين في هذه المدينة”. ولفت أبو الخير إلى “أن للمليشيات المذهبية الدور الأكبر في تهجير سكان وأهالي مدينة داريا، وخاصة حركة النجباء العراقية”. وأكد أبو الخير أن إلى حد يومنا هذا لم يسمح لأي أحد من سكان وأهالي داريا بالعودة إلى منازلهم رغم وعود النظام، في المقابل أشار إلى أن النظام اعتقل النساء التي فضلن تسوية أوضاعهن بدلاً من الذهاب إلى إدلب. واعتبر أبو الخير أن آخر يوم لهم في داريا كان من اصعب الأيام التي مرت على أهالي المدينة على المستوى النفسي. وبعد داريا سقطت عدة مناطق في الريف الدمشقي بيد النظام السوري، كمعضمية الشام والتل ومخيم خان الشيح وقدسيا والهامة. وهذه المناطق التي لا تبعد عن العاصمة السورية عدة كيلو مترات شهدت أيضاً حملات تهجير واسعة النطاق إلا أن بعضها لم يكن بإشراف الأمم المتحدة كحال قدسيا والهامة بل تمت بتسوية بين وجهاء هذه المناطق والنظام السوري.

حلب الشرقية مقتلة الثورة 
ختام هذا العام المأساوي، كان تهجير سكان وأهالي حلب الشرقية. هذه البقعة الجغرافية التي نالت نصيبها من الإرهاب الروسي الممنهج والبراميل والصواريخ المحرمة دولياً. وشهدت احياء حلب الشرقية معارك طاحنة بين النظام والفصائل المسلحة، واستسلمت المدينة بعد أسبوعين من القصف العشوائي الممنهج على المنطقة. وتوصل طرفي النزاع لتسوية بإشراف روسي – تركي تقضي إلى إخراج الثوار والاهالي من المدينة، واعتبر سقوط حلب بيد النظام إنتصار للأسد وضربة قاسية للمعارضة

 

السابق
عون يلتقي بروجردي في بعبدا
التالي
إيران لن تتجرَّع السمّ ولا «حزب الله»