غياب #سفير_الكلمه_الحره.. وهزيمة الصحافة اللبنانيّة

ناضجة في سنّ الأربعين، اختمرت تجربتها، مدرسة في الإعلام التقليدي، لم تغيّر في خطها السياسيّ العام، فكان طبيعي رحيلها كونها كانت الإبنة الشرعيّة للفكرة القوميّة التي رحلت مع نهاية التسعينيات.

ليست أزمة “السفير” بأزمة تخصّ صحيفة لبنانيّة وحدها دون غيرها، بل هي أزمة عامة أساسها ماليّ اقتصاديّ، هذه الأزمة ضربت لبنان في إعلامه بُعيد انطلاق ما أطلق عليه اسم “الربيع العربي” نهاية العام 2011، والتي زعزعت الأنظمة الراسخة في المنطقة العربية كالنظام الليبي، والنظام المصري، والنظام السوري، والنظام التونسي. اضافة الى المشاكل في كل من دول كالبحرين، والعراق، واليمن، والأزمة النفطيّة في السعودية.

إقرأ أيضا: نديم قطيش يعلق على إقفال السفير: أودع شيئاً من تاريخي

كل هذه الفوضى “الخلاّقة” ضربت القوائم التي تقف عليها صحافة لبنان، التي لطالما اعتمدت على التمويل العربيّ وكانت في غالبها أبواقا لهذا النظام او ذاك، لهذا الزعيم اللبناني الذي يشبك في علاقاته مع هذه الدولة او تلك. وما يُقال عن صحافة حرّة في لبنان ليس الا نوعا من كذبة لحقيقة مؤلمة هي في (الحرية في الفوضى).

طلال سلمان

وقد دفع لبنان ثمنا غاليّا جراء هذه التمويل حيث ان العبث في الساحة اللبنانيّة الداخليّة كان النتيجة التلقائية لهذه السياسات الإعلاميّة التي كان يسير فيها اصحاب هذه الصحف.

ومن أوائل الصحف التي أخرجت أزمتها الى العلن كانت “المستقبل”، ومن ثم تبعتها “البيرق” التي ماتت بموت صاحبها نقيب المحررين ملحم كرم مع سلسلة من الاصدارات، و”النهار” التي تعتمد على تمويل رجال أعمال أرثوذكس يتمنّعون عن تمويل الصحيفة، اضافة الى نسبة 38 % للرئيس سعد الحريري الذي يعاني أزمة ماليّة خانقة، و”البلد”، و”الديار” العاجزة كليّا، الى ان وضعت الأزمة رحالها في “السفير” التي اقفلت يوم أمس نهائيا، والتي كان اصدار “الأخبار” منذ عشر سنوات بداية موتها البطيء نظرا لتحول قرائها نحو “الأخبار” المدعومة من الجمهور الشيعي ومن حزب الله وإيران، هذا الجمهور الذي كان يجد ما يريده في “السفير”.

وبالعودة الى تاريخ هذه الصحيفة التي تميّزت بمواجهة صحيفة “النهار” العريقة، والتي كانت تعبّر عن وجهة نظر اليمين المسيحي خلال الحرب الاهلية، انطلقت “السفير” في العام 1974 كيوميّة سياسية باللغة العربية. وهي التي عُرفت منذ تأسيسها بتأييدها للقومية العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال فترة الحرب الأهليّة، وأصبحت في سنواتها الأخيرة قريبة من حزب الله والنظام السوري معا، وان كانت قد تبنّت وجهة نظر المعارضة السورية ونشرت مقالات لمعارضين سوريين بارزين كميشال كيلو، وهي التي كانت مدعومة مؤخرا بنسبة 8% من رجل الاعمال السوري المغترب جمال دانيال الذي تخلى عن دعمها، فانتقلت الحصص الى الرئيس نجيب ميقاتي عبر شرائه نسبة 4% فقط منها.

وكانت قد حملت “السفير” طيلة فترة صدورها شعار “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”، فضلاً عن شعار “صوت الذين لا صوت لهم”. واصدرت الملحق العربي كل يوم خميس والملحق الثقافي كل يوم جمعة ونهار الشباب كل يوم اربعاء. اضافة الى ملحق فلسطين وكتاب “السفير” الشهري المجاني.

ومنذ العدد الأول لصدورها كتب على صفحاتها أسماء لامعة في الفكر العربي المعاصر مثال: سعد الله ونوس، وجورج قرم، ومصطفى الحسيني، وبلال الحسن، وحازم صاغية، وميشال كيلو، وعبد الرحمن منيف، وطارق البشري، وسليم الحص، وفهمي هويدي، وكلوفيس مقصود، وهاني فحص، وحسين عبد الرازق.. وكان رسام الكاريكاتيرالفلسطيني الشهيد ناجي العليّ من أبرز من نشرت له السفير رسوماته، وبقيت لآخر يوم  من حياتها تستعيد هذه الرسوم من على صفحاتها.

وتولى رئاسة تحرير “السفير” لفترات الراحل جوزيف سماحة قبل أن يؤسس، ويصدر الجريدة المنافسة لها في الوسط الشيعي”الأخبار” التي ضمت إليها ابراهيم الأمين. اضافة الى نصري الصايغ، وساطع نورالدين الذي تركها وأسس موقع “المدن” الالكتروني المدعوم من عزمي بشارة.

السفير

تعرضت السفير منذ انطلاقتها لمحاولات ترهيب عدة أبرزها نسف مطابعها في سنة 1980 ومحاولات عديدة لاغتيال رئيس تحريرها طلال سلمان عام1984. وتميّزت بأنها الصحيفة الوحيدة التي لم تتوقف يوماً واحداً خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

واتخذ رئيس تحريرها قراراً بالتوقف النهائي في 31 كانون الاول بعد 43 عام على تأسيسها، لسبب معلن هو المصاعب المالية وسط تفاقم أزمة الإعلام في لبنان. وتميّزت “السفير” بقربها من الوسط المهمّش شعبيّا، فكانت لسان حال أبناء الجنوب المحرومين، والفقراء في كل لبنان كالتبانة وجبل محسن ايام الحرب اللبنانية، وكانت اول من دخل الضاحية الجنوبية لبيروت التي كانت مغمورة اعلاميّا، وكشفت عن مشاهد البؤس في كل من الأوزاعي وحيّ السلم، وغيرها من مشاهد الحرمان.

إقرأ ايضا: «السفير» تهرب من «حزب الله»

اضافة الى مرور معظم الصحفيين الذين اشتهروا في الاعلام اللبناني من على صفحاتها. وكانت مدرسة تدرّب على أيدي المحررين فيها عدد كبير من الإعلاميين. وتميّزت الصحيفة التي كانت تمتد على 22 صفحة بوجود تيارات تحريرية متنوعة داخلها كلها ضمن خط سياسي عام يشدّه اسم طلال سلمان، الصديق القريب للرئيس سليم الحص بما يمثّل من قيمة وطنية لا غبار عليها.

السابق
عز الدين: الاعتراض على مرسومي النفط لتصويب الأمور
التالي
سفّاح «رينا»: لاعب «بوكيمون غو» أم «سوبرمان»؟!