الأحزاب اللبنانية وسياسة التجويع: جريمة الضاحية «نموذجاً»

جريمة في الضاحية، ودولة لا تعلو فوق سلطة الدويلة.. فما هي نهاية هذا التفلت الأمني؟

مما لا شكّ به أنّ الفلتان الأمني في الضاحية أصبح خطراً لا لأنّه استثناء فالجرائم وعمليات السطو هي على كل مساحة لبنانية ولكن لأنّ الدولة مغيبة ومؤخراً أصبحت مهددة في الثأر بعد جريمة قتل آل جعفر للعسكري القاق، إضافة إلى انّ صفة الضحية هي الطاغية على مرتكبي الجنحات والجرائم، فالفقر وسياسة التجويع هي التي أدت لهذه الإنفجار الاجتماعي، فما هو واقع الضاحية وما دور حزب الله وسياسة الإستعلاء الشيعي؟

الباحث والمحلل السياسي، مدير جمعية “هيا بنا” الأستاذ لقمان سليم أكّد لـ”جنوبية” أنّ “الفلتان الأمني هو مكون من مكونات خروج الضاحية عن منطق الدولة، إذ أنّه مجرد ما نقول أنّ هناك أمن رديف أو أمن أهلي، فهذا الأمن الأهلي بطبيعة الحال لا يستطيع إلا أن يكون نسبيا وهذه النسبية لا يجب النظر إليها على أنّها عرض غير طبيعي من وجهة نظر الحزب، إذ حينما يكون لديك حزب يستمد قوته من علاقته بالأهالي، فهو بحاجة أيضاً في مكان ما أن يراعيهم، وإن اتفق أنّ هؤلاء الأهالي هم أحياناً قبائل وعشائر لديهم عادات وتقاليد ونوع من الاستقلالية الذاتية السابقة عليه فهو بحاجة أن يراعيها وهو ما يجعل حزب الله في علاقته مع البنى الإجتماعية التي لا يستطيع ضبطها أن يحاول التوسل إليها ومراعاتها ومجاملتها”.

مضيفاً “لكن رغم كل هذه الجهود للتوسل والمراعاة والمجاملة فإنّ هذه المجموعات تظل خارجة عنهم مثل ما هي خارجة عن الدولة”.

متسائلاً “لماذا لم نستطع ادخالهم على الدولة ولم نحولهم إلى مواطنين؟ هذا جزء من فشلين، من فشل أوّل للنظام اللبناني كله، وجزء من فشل هذا النظام أنّه يسمح اليوم بقيام دولة رديفة وهذه الدولة الرديفة يجب ألا تكون أقوى من الدولة الأصلية، وهذا برأيي ليس فلتان وإنّما هذا في منطق الأمور في بلد يرث هذا الكم من الفشل وينتج دويلات افتراضية وحقيقية على هوامشه طبيعي أن يحصل ذلك”.

 

لقمان سليم

وعن عقيدة الثأر التي نشهدها مؤخراً، أشار سليم إلى أنّ “الثأر نوع من أنواع العدالة السابقة على الدولة، واليوم نحن نعيش في بعض أجزاء الضاحية وبعض مناطق البقاع في زمن سابق على الدولة، ومن الطبيعي حينما لا يكون هناك قانون عملي يسري على الجميع أن نعود إلى قانون الفئوية، والثأر هو قانون فئوي ولا نستطيع أن نحط من قدره”.

متابعاً “بخصوص استهداف القوى الأمنية بالثأر “إنّ الذي لم يقال في كل هذه الجرائم أنّه لم نرّ مارونيا أو ارثوذكيا أو حتى سنيا، يعتبر نفسه مساويأَ للدولة بإحقاق العدالة أو بتطبيق القانون، هذا كلّه يعود لمنطق الاستعلاء الذي تعيشه الطائفة الشيعية والذي يجعل جماعات في هذه الطائفة تعتبر نفسها مساوية في الجوهر للدولة. ولكن هذه ليست المشكلة، المشكلة أنّ هناك جماعة في لبنان تعتبر نفسها قرب الدولة وفوقها ومساوية لها في القوة والتعريف”.

وفيما يتعلق بنفي قوى الأمن أنّ أحد عناصرها هو الذي أطلق النار على عباس زعيتر أكّد سليم “هذه مسخرة وفضيحة، فهم لا يريدون لـ آل زعيتر أن ينزلوا به نفس القصاص الذي أنزله آل جعفر بالعسكري محمد القاق، لا عناصر الجيش ولا قوى الأمن يملكون أن يحموا عناصرهم وبالتالي لا يملكون حماية القانون”.

معلقاً “القصة ليست ثأر وإنّما هناك طرف يعتبر نفسه أقوى من القانون ومساوي للدولة ولديه ذات حقوقها، لا يقوم بلد بالنهاية بدولتين”.

وأشار عند سؤاله عن انعكاس هذه النماذج على قيام القوى الأمنية بواجباتها، إلى أنّ “القوى الأمنية على الأقل في بعض المناطق لن تقوم بواجبتها، علماً أنّ هذا الأمر من مفاعليه الخطيرة أنّه ممكن أن يسوّل لآخرين من غير الطائفة المنصورة أن يتشبهوا بها، الخلاصة هي أنّه اليوم خروج الشيعة اجتماعياً عن الدولة يعطي نموذجاً سيئاً لكل اللبنانيين”.

خاتماً “الشيعة عملياً باستعلائهم على الدولة وباعتبار أنفسهم مساوين لها في الإمتيازات السيادية يرسمون الثلم الأعوج الذي يخشى أن تسير على هديه الجماعات الأخرى”.

 

عباس زعيتر

 

في السياق نفسه أوضح مصدر من الضاحية الجنوبية لـ”جنوبية” أنّه “بموضوعية هذه الجرائم موجودة في كل مكان في لبنان، وليست حصراً على الضاحية، أما السبب فهو غياب الدولة والقانون والحكم الرادع الذي يجعل هناك عبرة تردع كل من تسوّل نفسه الإقدام على جريمة”.

مضيفاً “الضاحية تعاني من غياب الدولة الموجودة فقط شكلياً، وهناك تفلت أمني، فالدولة لا تستطيع أن تأخذ أي مطلوب براحتها”.

إقرأ أيضاً: تعليقات على مقتل عباس زعيتر: الفقير الذي يسرق ليؤمن قوته يقتل!

وتابع المصدر فيما يتعلق بمسؤولية حزب الله أنّ “الجسم كبر والفقر قد عمّ، ابن زعيتر هو ابن البقاع، والبقاع منطقة محرومة وهذا قصداً لاستمرار التجنيد، كل الأحزاب تجوّع الناس لتتبعها لها، والشخص الذي لا يلتحق بحزب معين هو في العراء بلا عمل بلا مال وبالتالي يلجأ لأعمال مخالفة للقوانين لتأمين معيشته وهذا طبعاً ليس مبرراً”.

مشدداً أنّ “الحزب ليس سلطة ولا يطلب منه ضبط هذه المواضيع، ولكن يفترض أن تترك السلطة تفرض سيطرتها وعدم التدخل حينما تقوم بالقبض على أحدهم وعدم الضغط لإخلاء سبيل الموقوفين وعدم سجنهم”.

وأشار المصدر إلى أنّ “حزب الله يخشى مسبة ومذمة الناس التابعين له إن لم يقم بحمايتهم، فضلاً عن أنّ جسمه قد كبر ولم يعد هناك انضباطاً كما كان السابق ولا دورات تثقيفية”.

إقرأ أيضاً: إحباط سطو مسلح في الضاحية حوّل قوى الأمن إلى ضحية تنفيذ القانون

لافتاً إلى “حينما نسألهم يقولون الدولة الموجودة، إلا أنّه حتى المداهمات التي تقوم بها الدولة في الضاحية تكون بوجود الحزب وإشرافه وحتى أنّ عناصر الحزب هم الذين يداهمون ويقبضون على المطلوب”.

وختم المصدر مؤكداً أنّ “الأوضاع الاجتماعية والفقر والبطالة هو الذي يؤدي إلى هذا الفلتان، فابن الضاحية وإبن البقاع وأبناء العشائر ككل حينما تتأمن لهم حياة لائقة بحدها الأدنى سوف ينطوون تلقائياً تحت راية الدولة”.

السابق
زيارة الرئيس عون إلى السعودية تحدّدت…
التالي
الهدنة الروسية تغضب النظام السوري وايران