زيارة الأربعين: عبادة أم كرنفال؟

هل من المفيد للشيعة ان يصبحوا أداة تعطيل للحياة لأجل إحياء مناسبة ليست مؤكدة ان أجرها فوق أجر باقي العبادات؟ إحتفالية تلغي الحياة العامة بكافة أشكالها، فمن هي الجهة المستفيدة من هذا الكرنفال الخاسر بكل وجوهه؟

الشيخ  محمد عباس دهيني– وهو باحث إسلامي لبناني، وأستاذ في الحوزة العلمية، وحائز على ماجستير في علوم القرآن والحديث، ودبلوم الدراسات العليا في الأدب العربي. ويشغل حالياً منصب مدير تحرير لكل من مجلتي نصوص معاصرة، والاجتهاد والتجديد، وله عشرات المقالات المتنوعة على موقعه على الإنترنت- يشرح في دراسة تفصيلية على موقعه الإلكتروني جميع المتعلقات الشرعيّة حول المرويّات الشيعية التراثيّة فيما يتعلق بزيارة الأربعين الى مقام الإمام الحسين في العشرين من صفر من كل عام.

إقرأ أيضا: السيد محمد حسن الأمين: ظاهرة التطرّف تواجه بـ«الإصلاح الديني»

يحلل الشيخ دهيني ويفنّد الآراء الفقهية التي تفتي بوجوب أو استحباب زيارة الأربعين الى كربلاء في الـ20 من صفر أي بعد أربعين يوما من اليوم العاشر من محرم، وهي ذكرى استشهاد الإمام الحسين، كما لم يثبت انها مستحبّة في التاريخ نفسه، فهي مستحبة دائما وأبدا دون خصوصية لتاريخ الأربعين الشهير والمقدس لدى الشيعة.

ويعيد الشيخ عباس دهيني فتاوى مسألة استحباب توقيت الأربعين الى انه كان وقت وصول موكب أهل البيت بقيادة السيدة زينب بعد أربعين يوما من استشهاد الإمام الحسين.

وحول الحديث الذي يردده الشيعة، والذي سعى الشيخ عباس دهيني الى تفصيله في بحثه الخاص حول الموضوع، أن “علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين، وزيارة الأربعين، والتختُّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم”. هو أصلا حديث ضعيف باسناده، بحسب المصادر الشيعية، وضعيف بمصادر الحديث ورجاله.

اما بخصوص “المشاية” وهي عادة تترافق مع ذكرى الأربعين في العراق حيث تستقطب هذه العادات الالاف من المسلمين الشيعة، الذين يسيرون حوالي75 كلم تقريبا اذ ينطلقون من النجف من مقام الامام علي نحو مقامي الحسين والعباس في كربلاء، عبر طريق تقسّم الى 1452 عامود موزعة على طول الطريق، يفصل بين عامود وآخر 50 متر تقريبا، وتنتشر بينها الحسينيات للطعام والراحة والصلاة.

هذه الاعمال التي تروج للمشيّ لم تثبت تقدمها في ميزان الحسنات في زيارة الامام الحسين على الركوب، اذ جُعل ثواب المشي والركوب واحداً، مما يُفقد المشيّ أفضليته.

فلو أثرّت الزيارةُ، على أداء واجب ما كالصلاة بطهارة، التي تتعذَّر على بعض الحفاة الذين تتجرح وتتقرّح أقدامهم. وعلى العمل وتحصيل رزق العيال والأطفال لأصحاب الاسترزاق اليومي، وحفظ حرمة النفس وعدم إذلالها، ورعاية العهود  في الحضور الى المدارس والجامعات والحوزات، لكانت غير جائزة.

كما ان هذه الزيارة بنظر الشيخ دهيني قد تودي بنمطية عملها الى الإسراف والتبذير خلال هذا الفولكلور الشعبيّ المعروف بـ(المشّاية)، اضافة الى الإضرار بالنفس كما في حالات الإدماء حين المشي، او الاختلاط المحرّم بين النساء والرجال، والتعطيل لمصالح الناس، وهَدْر الوقت الكثير، وهدر الطاقة الكبيرة في ما يمكن تحصيله بوقت وطاقة أقل بكثير، من خلال المشي لمسافات طويلة، من مدن بعيدة، حيث يستغرق الأمر أياماً عديدة، واستنفار للقوى الأمنيّة كافّةً وافراد كامل لطاقتها وجهوزيتها، لمواكبة هذه الحشود وحمايتها والسهر على أمنها، في حين ان الدولة أحوج ما تكون بهذه الفترة لجيشها وقواها الأمنية لمواجهة الارهابيين الدواعش في العراق كافة.

ويستطرد الشيخ دهيني بشرح انه يتخلل هذه الإحتفاليات سلوكيات شائنة، يحكمها العقل الجمعيّ وضرورات الإجتماع البشريّ، كرميِ للنفايات في الطرقات والساحات، وترداد بعض الشعارات المذهبية المُفرِقة بين المسلمين، اضافة الى التطبير، والمشيّ على أربع كالكلاب، والزحف على البطون، والتطبير، والركض على الجمر الملتهب، وتعليق الأقفال في الأبدان بعد تخريمها.

إقرأ أيضا: خطوات على طريق اصلاح عاشوراء

والنتيجة المتوقعة هي ان هذه الاحتفاليّات تمهد الطريق لتجمعات شعبوية سريعة وحاشدة، وهو ما يحتاجه سياسيو العراق في أية لحظة يريدون فيها تحريك الشارع ضد الآخر الذي يصورونه كخصم، وبوجه من الأوجه تعد مظهرا ومشهداً من مشاهد فائض القوة، وحشدا هو أشبه بالكرنفال الاستعراضي لا أكثر ولا أقل.

السابق
الموفد السعودي يصل إلى لبنان ودعوة للرئيس لزيارة المملكة
التالي
بناء السور حول مخيم عين الحلوة: جدار أمني أم «جدار فصل»؟