خطوات على طريق اصلاح عاشوراء

عاشوراء
تعود ذكرى عاشوراء، وتعود ذكرى الإصلاح، الهدف الرئيس للحسين من ثورته المباركة، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فمن الخطأ أن تحتلّ العَبْرة مساحةَ المجلس كلَّها، ليتحوَّل إلى مجلس ندبٍ وبكاء وعويل، تنتهي مظاهره وآثاره بنزول الخطيب من على المنبر. كما أنّه من الخطأ أيضاً أن تهيمن العِبْرة على المجلس كلِّه، بعيداً عن جوّ الحزن والأسى.
من الخطأ أن تحتلّ العَبْرة مساحةَ المجلس كلَّها، ليتحوَّل إلى مجلس ندبٍ وبكاء وعويل، تنتهي مظاهره وآثاره بنزول الخطيب من على المنبر. كما أنّه من الخطأ أيضاً أن تهيمن العِبْرة على المجلس كلِّه، بعيداً عن جوّ الحزن والأسى.
ومن الخطأ الجلل الاقتحام بالعَبْرة المطلوبة والواجبة حريمَ بعض الأعمال المحرَّمة، كاللطم العنيف، وضرب الظهور بالسلاسل والجنازير المشفَّرة وغير المشفَّرة؛ والرؤوس بالسيوف والخناجر والسكاكين وإخراج الدم منها والصراخ.
ومن الخطأ الفادح الفاضح طرح قضايا ومسائل هي إلى الخرافة والأساطير أقرب منها إلى الحقيقة والواقع، أو يغلَّف الغلوّ بغلافٍ منالولاء، لتطرح بعض المفاهيم السامية المقدَّسة، كمفهوم التوحيد، بصورةٍ قبيحة مشوَّهةٍ.
ولا يستغربنّ البعضُ ما نقول، ففي ذكرى عاشوراء الماضية، وفي مجالس أقامتها جهةٌ دينيّة نحترمها ونجلُّها، غير أنّ في حواشيها مَنْ لا يستحقّ احتراماً أو تقديراً، كانت محاضرةٌ بعنوان«فِناء الموحِّدين» حيث لم يبقَ فيها لموحِّدٍ مكانٌ، وكان الشركُ الصريح؛ إذ قالت المحاضِرة:«خليفةُ الله فيه كلّ صفات الله، ولا فرقَ بينه وبينهم إلاّ أنّهم عبيدُه».
ويمكن غضّ الطرف عن ذلك، حيث قد يُقال: فيه كلّ صفات الله بمراتبها الأدون ممّا عند الله. وقالت«لولا الحسين لم نعرف اللهَ أنّه وليٌّ عالمٌ مدبِّرٌ».
وأين هذا من الدعاء القائل«اللهم عرِّفْني نفسَك فإنّك إن لم تعرِّفني نفسَك لم أعرف رسولَك، اللهم عرِّفْني رسولَك فإنّك إن لم تعرّفني رسولَك لم أعرف حجَّتَك، اللهم عرِّفْني حجَّتَك فإنّك إن لم تعرِّفني حجَّتَك ضللتُ عن ديني»؟!
فالمعرفة التوحيديّة تبدأ من فوق إلى تحت، وأمّا المعرفة من تحت إلى فوق فهي معرفة شِرْكيّة.
وأين هذا من دعاء الإمام زين العابدين، المعروف بدعاء أبي حمزة الثَّمالي«بكَ عرفتُك، وأنتَ دللتَني عليكَ، ولولا أنتَ لم أدرِ ما أنتَ»؟
وأين هذا من دعاء الصباح للامام عليّ«يا مَنْ دلَّ على ذاته بذاته، وتنزَّه عن مجانسة مخلوقاته». هذا هو توحيد أهل  البيت، وهو ما نؤمن به، وما عداه شركٌ خفيٌّ. وقالت«الحسينُ هو قدرةُ الله، الحسينُ هو علمُ الله، الحسينُ هو ولايةُ الله».
وفرقٌ كبيرٌ بين أن تقول:الحسين هو قدرةُ الله أو هو علمُ الله أو هو ولايةُ الله وأن تقول:الحسين أعطاهُ الله قدرةً أو علماً أو ولايةً.
ولو قلنا بإمكان غضّ الطرف عن ذلك، وتأويله كما هي العادة إلاّ أنّ الطامّة الكبرى في العبارة التالية، التي ليست بأهون على قلب الحسين من ذلك السهم المثلَّث الذي أصاب قلبه الشريف، فصرعه روحي له الفداء، قالت ـ وبتَؤُدَةٍ، ما يعني أنّها قاصدةٌ لما تقول ـ:«أَقصدُ الحسينَ، أَزورُ الحسينَ، عِلْمَ الحسين، أزورُ اللهَ، الحسينُ هو اللهُ».
وينكسر القلم ويعجز اللسان عن التعليق على هذا الشرك الصريح، وأترك للقادة والسادة والمراجع والعلماء والفضلاء والطلبة، ولكلّ بني البشر وأصحاب العقول، التعليقَ على هذا المقال.
وهنا أقول للمحاضِرة ومنظِّمي هذه المجالس؛ فإنّهم مسؤولون عمّا يُقال فيها، وقد سكتوا عمّا قيل.
ألا تستحون من دعواكم أنّكم أولياء أمير المؤمنين عليّ! وأين أنتم من ولايته؟ ولستم ـ واللهِ ـ تعرفون منها سوى«أشهد أن عليّاً وليّ الله» تدسّونها في آذانكم وإقامتكم من دون أيّ دليلٍ أو اقتداءٍ بمعصوم، و«يا عليّ»، و«توكّلتُ على حيدر»، و«سوَّدتُ صحيفة أعمالي ووكلتُ الأمر إلى حيدر»، ونحو ذلك.
وهكذا تحوّلت ولايةُ عليّ عندكم إلى لقلقة لسان، وتركتُم العمل بأركانها، وضيَّعتُم شروطها، وإذا نبّهكم أحدٌ إلى سيِّئ أعمالكم هذا عَلَتْ أصواتُكم بالويل والثبور وعظائم الأمور، واتَّهمتموه بالمروق والعصيان والخروج من المذهب، دون أن تأتوا بدليلٍ علميٍّ واحدٍ على ما تقومون به.
وللجهة المقيمة لتلك المجالس أقول:نحن بانتظار موقفٍ واضحٍ وصريحٍ منكم، وإجراءاتٍ تأديبيّة بحقّ المسؤولين عن إقامة هذه المجالس، المطَّلعين على مضمونها إجمالاً، والساكتين عمّا جرى.
وممّا شهدناه أيضاً أن يعمد بعض«أهل العلم» في أحاديثهم عن أهل البيت إلى توصيفهم بما لا يرتضيه أهلُ البيت أنفسُهم، من قبيل قولهم«المهدويّة جوهرةٌ كنهُها الربوبيّة». فهل يرضى إمامنا المهديّ بهذه المقولات.
أيّها الأحبّة، أهل البيت سفنُ نجاة، وأعلامُ هدى، وراياتُ حقّ وحقيقة، فلا تغرُّنا دعوى حبّهم وولائهم عن حقيقة ما نرتكبه من أعمالٍ قد تبعدنا عنهم أشواطاً كثيرة.
أيّها الأحبّة، لقد بذل الحسين مهجتَه دفاعاً عن دين جدّه رسول الله، دين الإسلام الخالص، ودين التوحيد الصافي. لقد أراد معاوية ويزيد أن يجعلا من الإسلام كرةً تتقاذفها أطماع المستكبرين. واتّضح ذلك للحسين، فخرج شاهراً سيفه، آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، وداعياً إلى التوحيد الخالص لله، والتسليم الكامل لله، وبذل في سبيل ذلك مهجته، وضحّى بأطفاله وأهل بيته، في سبيل إعلاء كلمة الله وتوحيده.
حرامٌ حرامٌ علينا أن نطعن الحسين بعد مرور كلّ هذه السنين. حرامٌ حرامٌ علينا أن نضيِّع دم الحسين وسبي زينب هدراً، بتصرُّفاتٍ طائشةٍ تافهة ساقطة هنا وهناك.
إنّ دم الحسين وسبي زينب أمانةُ الله في أعناقنا إلى يوم القيامة، جيلاً بعد جيل، وخلفاً عن سلف. فمَنْ أضاع دم الحسين وسبي زينب بمثل تلك التصرُّفات المشينة والمحرَّمة لن يكون له في الولاء لمحمّد وآل محمّد عليهم السلام نصيبٌ، ولو حمل ألف راية سوداء أو حمراء، واعتمر ألف عمامة بيضاء أو سوداء، ونصب ألف مجلس للعزاء، وإنّما هو في الطرف المقابل للحسين، في طرف القَتَلة والمجرمين، أعداء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأعداء الدين. ولكلّ عصرٍ يزيدُه ولو تلوّن بالسواد.
ولا عذر بعد اليوم لمعتذرٍ أن يقول:لا عِلْمَ لي.
فالعجل لوقف هذه المهزلة الفضيحة ومثيلاتها التي تتكرّر كلّ عام، لا في مذهب التشيُّع؛ فالتشيُّع من هؤلاء براءٌ، ؛ فالإسلامُ والتوحيد من هؤلاء براءٌ، بل في بعض المجالس التي تقام باسم الحسين، وطلباً لمرضاته، وإني لعلى يقين بأنّه لا يرضى عنها أبداً.
ها نحن وأنتم أمام الاستحقاق الحقيقيّ لنصرة الحسين، فليست النصرة شعاراتٍ نرفعها، ولا هتافات نطلقها في المجالس والمحافل. هنا هو المكان الصحيح لنهتف بالصوت العالي«لبّيك يا حسين». وهنا هو المكان للصيحة بأعلى الصوت«هيهات منّا الذِّلّة». وأيّ ذلّة أعظم وأكبر من أن تطلق عبارات الشرك بمرأىً منّا وبمسمعٍ ثمّ نقف مكتوفي الأيدي؟
وإذا لم نقف هاهنا للدفاع عن الله وتوحيده، والإسلام له، ودفاعاً عن الحسين وأهل البيت جميعاً، الذين لا يرضون بهذه الترّهات والتفاهات، فكلّ شعار نطلقه بعد اليوم هو شعارٌ زائف وكاذب. أمّا نحن فقد رفعنا الصوت عالياً، ولا نستطيع غيرَه إلى اليوم.
السابق
عاشوراء ترهق أهالي الضاحية وتأسرهم
التالي
المحور الأميركي الإيراني الإسرائيلي