سعد الحريري… قيادة نحو «الحياة» لا نحو «الموت»

سعد الحريري
كثيرا ما قيل في الحديث عن "سنة لبنان" ارتباطهم بالامتداد السني العربي وان قوتهم في لبنان مستمده من هذا الامتداد. التاريخ يشهد للسنه في لبنان التزامهم القضايا العربية والقومية حيث قدموا "القومي" على "الوطني" و"العربي" على "اللبناني" فكانت مساهماتهم في القضية الفلسطينية، بغض النظر ان كنا نتفق او نختلف مع هذه المواقف والتمساهمات.

الذاكره الجمعيه “للسنة” راكمت تجارب الحرب والدمار و”المغامرات” التي خاضتها كل الفئات اللبنانية تحت عنوان قضاياها التي طالما استوردت من خارج ال 10452 كلم2، الى ان استقر النظام اللبناني بعد الطائف الى توازن انتج سلطة كان الشهيد رفيق الحريري هو العلامة الفارقة بين عهدي ما بعد الطائف وما قبله ممثلا للسنه في النظام السياسي.

اقرأ أيضاً: القيادية في «المردة» ميرنا زخريا لـ «جنوبية»: وصول عون الى الرئاسة سيوّلد أزمة خطيرة

السنة بعد الطائف بدأوا ببناء “مشروعهم الوطني الحاسم بالانتماء الى الجمهوريه” ومارسوا هذه القناعه بالتجديد للمرجعية السياسية لهم المتمثله بزعامة الشهيد رفيق الحريري. وقفوا معه في وجه “الاحتلال السوري” وحكم “اميل لحود” بعد العام 1998 وفي انتخابات ال 2000، قدموا له انتصارا حاسما وتاريخيا في بيروت العاصمه، لصالح الزعامه الجديدة التي ثبّتت ركائزها واساساتها بالتراكم من مواجهه الى اخرى والتقدم مره تلو الأخرى الى عمق الفكره الوطنية الخالصة التي تكسر كل الحواجز بين اللبنانيين كمجموعات طائفيه.

مع استشهاد الرئيس رفيق الحريري كان الامتحان الاكبر لما بناه هذا الرجل من خط وطني وهو بناء الشخصية السنية الميثاقية العابرة للطوائف بالفكر الوطني الحاسم للانتماء الى لبنان. فتفجّر الغضب الشعبي دون اصطفاف ولا غرائز وتوالت، الازمات على هذا الخط السيادي الذي انتج تجربه فريده في تاريخ لبنان وكانت “ثوره الارز” و”قوى 14 آذار”.

يواجه اليوم “مشروع الدوله” ووحدة الجمهوريه ونهائية الكيان تحدٍّ خطير، الرئيس سعد الحريري يواجه هذا التحدّي في ظل لحظات اقليمية شديدة التعقيد، حيث لم تستقر المعركة الدائره رحاها في المنطقة منذ 2010 الى اليوم، ومع توسع رقعتها من اليمن الى العراق فسوريا وليبيا. وفي النظر الى المعطى التاريخي لارتباط السنه بالامتداد السني العربي فلا شك ان حالة “تراجع” الدور السني الاقليمي من ما تعانيه دولهم من انهيار و تشظّ وصراع دموي ستمتد الى “سنة لبنان” فهذا الارتباط حتما في الاتجاهين، فيستمد القوة ان كان قويا ويتأثر بتراجه.

المهمه التي يواجهها سعد الحريري اليوم مزدوجة، الأولى هي كيف يحد من تأثُر “سنة لبنان” بحالة التراجع العامة لسنّة العالم العربي من خلال الحفاظ على الدولة والمؤسسات ولو بحدودها الدنيا، وعدم اللجوء الى العنف في المواجهة، والثانية هي حماية “المشروع الوطني الحاسم بالانتماء الى الجمهورية” الذي بناه رفيق الحريري واصبح سعد الحريري مؤتمنا عليه، وذلك ما يجب ان يترجم في الخيارات التي يتخذ قرار السير بها في مرحلة التحولات الكبرى.

سعد الحريري

ان الازمات السياسية والتحولات الكبرى لطالما شكلت اختبارا لدينامية الحركات السياسية والاحزاب فبالقدر الذي تستطيع فيه التعاطي بمرونة والانتقال من مرحلة الى اخرى، بالقدر الذي تكون قد استطاعت ان تحجز موقعا في التوازنات الناشئة. ولا شك ان قرار الرئيس الحريري بتأييد ترشيح الجنرال ميشال عون ليس من بديهيات الامور، فالرجل من تكتل سياسي منافس وبينهم ما صنع من خلاف سياسي، والخصام متجذر وله مستندات كثيرة لتبريره، الا ان الحديث اصبح عن “بقاء الجمهوريه” بعد كل هذا المسار التعطيلي للدولة فأصبح السؤال المُلِح: من يتَحمّل رؤية انهيار البلد وانحلال الجمهورية دون اي مبادرة انقاذية؟

اقرأ أيضاً: ماذا ينتظر لبنان بعد ترشيح عون؟

انها مبادرة انقاذية لدرء الخطر عن الجمهورية وحماية ” المشروع الوطني الحاسم بالانتماء الى الجمهورية” وحسم “السنة” لامرهم بالبقاء في كنف الدولة، وحفظ وحدة البلاد وحمايتها من الانزلاق الى التشظي والاقتتال. لم ينزلق سعد رفيق الحريري لنموذج قيادة الناس الى المذبحة كالخراف وكأنهم خلقوا ليكونوا قربانا وذبائح على أضرحة المشاريع الفئوية والطائفية. بل قدم نموذج القيادة التي تحتاجها منطقتنا العربية لقيادة الناس الى “الحياة” لا الى “الموت”.

السابق
غطاء روسي وأميركي للمشروع الإيراني
التالي
عاجل من باريس: محاولة خطف فاشلة لهيفاء وهبي!