ماذا يريد بوتين من الرئاسة الأميركية؟

وجهت الولايات المتحدة مطلع الأسبوع الفائت، أصابع الإتهام لروسيا بقرصنة منظومة الإقتراع الرئاسية. وكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف.بي.آي) ان قراصنة تمكنوا من سرقة بيانات من قاعدة المعلومات الخاصة باسماء الناخبين في 4 ولايات، وكذلك استهداف السجلات الرسمية لعشرات الولايات.

وقال مدير المكتب جايمس كومي، امام اللجنة القضائية في الكونغرس، ان هؤلاء القراصنة لم يستهدفوا نظام التصويت نفسه بل فقط قاعدة البيانات والأسماء.

وقد يعني هذا ان للجهة المُقرصِنة نوايا للتلاعب في فرز الاصوات او التصويت وليس تخريب عملية الانتخاب!

يوم السبت الماضي، اعلن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الاميركية (سي.آي.إي) في بيان حازم ان “عمليات السرقة والقرصنة هذه تهدف الى التدخل في العملية الانتخابية الاميركية”، واضاف “نعتقد على ضوء هذه المبادرات وحساسيتها، ان مسؤولين روسيا هم وحدهم قادرون على السماح بهذه الانشطة”.

وقد سبق لمدير الإستخبارات جايمس كابلر ان اتهم موسكو خلال الاجتماع السنوي الثالث للاستخبارات والامن القومي في واشنطن مطلع الشهر الماضي، بالوقوف خلف “قرصنة كافة الانظمة الالكترونية الأميركية العائدة للدولة، وتلك الخاصة بالشركات والأفراد، طوال الوقت”.

حتى فضيحة تسريب رسائل اللجنة الوطنية في الحزب الديموقراطي منتصف تموز الماضي، أكد خبراء في الأمن السيبراني في مقال نُشر في “واشنطن بوست” نهاية الشهر الماضي، ان روسيا تقف خلفها. في وقت يُنتظر ان يقوم موقع “ويكيليس” قبل نهاية العام، بنشر نحو مليون وثيقة مرتبطة بانتخابات الرئاسة، كشف عنها الثلاثاء الفائت مؤسس الموقع جوليان أسانج المتهم بقربه من موسكو، قائلا انه سيتم البدء في نشر الدفعة الأولى منها هذا الأسبوع.

المحاولات الروسية هذه، يضعها البعض ضمن فرضية مساعدة المرشح الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب في الوصول الى الرئاسة، الذي سيساعد وصوله إن حصل، بوتين في اعادة إحياء الدور الذي لعبته روسيا كقطب ثان للعالم خلال الحرب الباردة.

فترامب ذو النزعة الانعزالية، لا يترك مناظرة او مقابلة الا ويمدح فيها بوتين، ويعتبره زعيما أقدر من أوباما، وإنه يحظى بتأييد 82 في المئة من الروس.. ولديه تحكم عظيم في بلاده، وإنه سيكون قادرا على التعامل معه في حال انتُخب رئيسا.

في المقابل، يرى بوتين في ترامب “شخصا موهوبا”!! كيف لا؟ فالأخير لطالما اتهم في حملاته الانتخابية، حلف شمال الأطلسي بالفشل في محاربة الإرهاب، واعتبر ان الحلف بات جزئيا من الماضي، معلنا عن خطة للتخلي عن حماية دول الحلف، والإنسحاب منه وكذلك مساعدة روسيا في غزو دول البلطيق “إن لم تفِ بالتزاماتها مع واشنطن”!

فرضية آخرى ينطلق منها البعض، للقول ان التدخل الروسي سببه يتعدى السياسة الى “الشخصي” وهو: الجفاء الذي راكمته التجربة بين بوتين والمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. دعم ترامب قد لا يكون هدفا بذاته، بقدر ما هو مُطية او فرصة مؤآتية  للحؤول دون وصول المرشحة الأكثر تشددا ضد روسيا، الى البيت الأبيض. وهي فرضية أكثر ترجيحا، خصوصا مع ما تظهره الإستطلاعات حول تقدم الأخيرة (بفارق 5 نقاط في أحدث إستطلاع)، وكذلك تفوقها في آخر مناظرتين مباشرتين على الهواء، على منافسها الجمهوري.

الكراهية بين المرشحة الديموقراطية والقيصر الروسي، بدأ منسوبها بالارتفاع عقب اندلاع الأزمة في جورجيا عام 2008. وقتها، قامت السيناتور كلينتون بعد فوز المرشح الديموقراطي باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية، بالطلب منه إعادة النظر في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك اعترافها في أكثر من مناسبة بوجود خلافات جوهرية ومعقدة بشأن العديد من القضايا مع الكرملين.

إقرأ أيضاً: بوتين أم البغدادي؟

كره كلينتون لبوتين بلغ حدود وصفها له بالرجل الشرير او bond villain (شرير جايمس بوند في اشارة الى الشخصيات الشريرة التي يحاربها الأخير في أفلامه) وذلك حينما استقبلها يوم كان رئيسا للوزراء عام 2010 في مكان اقامته وسط موسكو، في طابق سفلي فخم مليء برؤوس الحيوانات، وهو يعرف جيدا شغفها وتعلّقها بالحيوانات والحياة البرية.

وقد بلغ الحمق ذروته تجاهها، حينما اتهمته بالتلاعب بنتائج الانتخابات التي أوصلته الى الرئاسة عام 2011، إذ اعتبرت ان الانتخابات كانت مضللة وغير نزيهة، وان الشعب الروسي يستحق الديموقراطية كما يستحق نتيجة أفضل.

تحليلات كثيرة ترى في التدخل الروسي في سير الانتخابات الرئاسية، صافرة نهاية تعلن حتمية فوز كلينتون. وعليه، فإن سلوك بوتين المستجد ينطلق من هذه الفرضية، لمقاربة كل الملفات المتأزمة مع واشنطن، وفق نهج حافة الهاوية او التصعيد المفرط، طالما ان الرئيس المقبل للولايات المتحدة سيكون أكثر المرشحين تشددا: هيلاري كلينتون.

الأسبوع الفائت، نقلت روسيا صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية إلى منطقة متقدمة شرق أوروبا، تحديدا الى منطقة كالينينغراد بين بولندا وليتوانيا، وهو استفزاز مباشر لحلف “الناتو” الذي تقوده الولايات المتحدة.

إقرأ أيضاً: هل تستسلم أميركا لروسيا في سوريا؟‎

ما حصل في مجلس الأمن حول الأزمة السورية، نهاية الأسبوع الفائت، مثال آخر عن قرار مواجهة اتخذه الكرملين ضد واشنطن، يتماهى في الشكل ايضا مع الإعلان الذي صدر حول إقامة قاعدة بحرية روسية دائمة في طرطوس والبحث في امكانية إعادة فتح قواعد كانت موجودة إبان الحقبة السوفيتية في فيتنام وكوبا، ويندرج ضمن الهدف نفسه.

واقع جديد يحاول بوتين من خلاله القول للعالم وللرئيس الأميركي المقبل تحديدا: أنا أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم منذ السنوات الثلاث الماضية على التوالي بإعترافكم، هذا ليس كلامي وانما كلام “فوربس” مجلّتكم .. فحذاري الخطأ!.

السابق
لماذا حذف القائم بأعمال السفارة السعودية تغريدة جان عبيد؟
التالي
التعنيف في باص مدرسي.. ماذا حصل مع طفل عرمون؟