ما هي حصة «الشيعة» في العهد المقبل؟

إيلي القصيفي

تقريباً، قالت القوى السياسية الأساسية، كلمتها بشأن التطورات الرئاسية الأخيرة في ضوء حركة الرئيس سعد الحريري المكوكية التي أظهرت الرجل في واجهة الحياة السياسية اللبنانية بعدما كثر الحديث عن أزماته الشخصية والسياسية إلى حد اعتبار البعض أنّه “انتهى”، فإذا به يستنهض في أيام معدودة موقعه السياسي وقد ضبطت القوى السياسية ساعتها على توقيت تحركاته. لكن ذلك لا يعني أنّ مفتاح الحل بيده وحده- حتى لو تبنى ترشيح العماد ميشال عون- على ما أظهرت تطورات الأيام الأخيرة.

فقد بتنا اليوم أمام مشهد رئاسي جديد لم ترسم معالمه حركة الحريري وتوسيعه لمروحة اتصالاته وبالتالي خياراته الرئاسية، بل أيضاً المواقف السياسية التي صدرت خلال اليومين الماضيين بموازاة هذه الحركة، والتي بيّنت موقف القوى الأساسية من الاستحقاق الرئاسي وسبل حل أزمته.

فعلى أهمّية انفتاح الحريري على تبني ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، إلّا أنّ موقف الرئيس نبيه بري- مدعوماً من حزب الله- المتمسك بـ”السلة” وبـ”تفاهمات وطنية” تسبق انتخاب الرئيس لا يقّل أهمية عن انفتاح زعيم المستقبل هذا. وبالتالي نحن راهناً أمام معطيين رئاسيين: الأول مبادرة الحريري باتجاه تبني ترشيح عون المدعوم من القوات اللبنانية، والثاني تمسك بري، ومعه حزب الله، بـ”السلّة” حتى لو أيدّ الحريري عون للرئاسة.

اقرأ أيضاً : جعجع يقترب من حزب الله: عون للرئاسة والحريري للحكومة
طبعاً طرح “السلّة” سابق على حركة الحريري، لكن إصرار بري ومعه حزب الله عليها في ضوء انفتاح الحريري على عون يعطيها معنى مكثفاً، إذ يطرح الإصرار عليها في هذا التوقيت أسئلة جديدة بشأن موقف “الكتلة الشيعية” من رئاسة الجمهورية والنظام السياسي عموماً.
فإذا أخذنا في الاعتبار أن موقف بري من ترشيح عون معروف وهو لم يدعم ترشيحه يوماً وقد أوحى أخيراً بتمسكه بدعم النائب سليمان فرنجية للرئاسة، يصبح السؤال الأساسي في ضوء المعطيات الجديدة التي أفرزتها حركة الحريري الأخيرة: هل انتخاب العماد عون- مرشح الحزب الوحيد منذ شغور كرسي الرئاسة- بمعزل عمّا يلي هذا الانتخاب بخصوص تركيبة الحكم، كاف بالنسبة للحزب؟
ما صدر من مواقف على لسان شخصيات الحزب في اليومين الماضيين يوحي بأنّ انتخاب عون من دون الإتفاق على “السلة” لا يؤمن طموح الحزب وبالتالي هو غير ممكن. وأحدث هذه المواقف ما صرّح به النائب نواف الموسوي السبت بقوله: “نعتقد أن الحوار بمستوياته المختلفة وحول الموضوعات التي تشكل مادة للحوار بشأنها، يمكن أن يصل بنا إلى الخاتمة القريبة والسعيدة التي يتوخاها اللبنانيون للخروج من أزمتهم الراهنة”. وقبل الموسوي كان النائب محمد رعد قد تساءل الخميس: “لماذا يتم تعطيل هيئة الحوار الوطني، ولحساب من ولماذا تعطل الحكومة وأين مصالح الناس، والمجلس النيابي؟ وهو موقف يفهم منه في اللحظة السياسية الراهنة أنّه تأييد لـ”طروحات بري التي تعكس تمسكه بجدول أعمال الحوار الوطني”، أي الاتفاق على مرحلة ما بعد انتخاب الرئيس ولاسيما تركيبة الحكومة وقانون الانتخاب.
الموقف “الشيعي” الموّحد بشأن “السلة”- على عكس ما يوحى به في بعض الأجواء السياسية والإعلامية- يطرح سؤالاً أساسياً بشأن “طبيعة” هذه “السلة” ومحتواها والهدف منها. فالرئيس بري يحصرها بالاتفاق على الحكومة وقانون الانتخاب، معتبراً أنّ “من شأنها أن توفر الحماية السياسية للعهد المقبل ولرئيس الحكومة المقبل”، على ما صرّح به لـ”السفير” السبت. لكنّ وضع الاستحقاق الرئاسي في سياق صراع النفوذ الدائر في الإقليم بما في ذلك لبنان، يجعل السؤال مشروعاً حول “استراتيجية” القوى السياسية الأساسية للمرحلة المقبلة. فالمستقبل يسعى بلا أدنى شك إلى “تحصين” مكتسباته في “نظام الطائف” الذي يعتبر المدافع الأول عنه. و”المسيحيون” يطالبون بتحقيق “الشراكة” بدءاً بانتخاب الرئيس الأكثر تمثيلاً في بيئتهم- على ما هو حاصل في البيئات الأخرى لجهة تمثيلها في المناصب الرئيسية المخصصة لها في “الصيغة”- وصولاً إلى قانون انتخابي يؤمن “المناصفة الحقيقية” أو أكبر قدر متاح منها.
يبقى السؤال: ما هي مطالب “الشيعة” في المرحلة المقبلة؟ وهل يريدون المحافظة على النظام الحالي، أمّ أنّ الهدف من السلّة تطويعه لمصلحتهم من خلال تركيبة العهد الجديد بدءاً من شخص الرئيس وصولاً إلى الحصص الوزارية وتوزيع الوزارات السيادية– فضلاً عن المطالبة ربما بوضع قانون ينظم أعمال مجلس الوزراء- مروراً بقانون الانتخاب؟
تكفي مراجعة أولية للأحداث السياسية والعسكرية في الإقليم ومشاركة حزب الله فيها للاستنتاج أن “الشيعة” لا يمكن أن يفصلوا لبنان عمّا يحصل في المنطقة حيث تضع إيران كل وزنها العسكري والسياسي لتحصّل ما أمكنها من مكاسب سياسية تكرس نفوذها في أي تسويات مقبلة على دول النزاع في الإقليم.

والحال هذه لا يمكن أن يكون لبنان خارج الحسابات الإيرانية، ولا يمكن فهم “سلّة بري” بمعزل عنها. خصوصاً أنّ الخطاب “الشيعي” اللبناني بمجمله يؤكّد عدم جواز التفريط بتضحيات “الشيعة” في المنطقة كما في لبنان، وهم ضحوا بالكثير ضدّ الاحتلال الاسرائيلي لاسيما في حرب تموز ولم يطالبوا بإعادة تركيب النظام “رسمياً” لمصلحتهم (هذا ما أوحى به السيد حسن نصرالله سابقاً بحديثه عن أنّ المحرِّر هو الذي يحكم). أمّا اليوم فالمعطيات مختلفة في ظل ما يحصل من حولنا.. ونظرة سريعة على الوضع العراقي تجعلنا نتساءل ما إذا كان لبنان مقبلاً على تعديلات جوهرية في نظامه تكرّس تبدّل موازين القوى فيه، وإن كان هذا التبدّل غير واضح تماماً بعد.

اقرأ أيضاً : مسرحية حزب الله لإبعاد عون عن الرئاسة: الوفاء لنبيه بري!
وبالتالي الخلاف الرئيسي بشأن السلة هو على حدودها وليس على مفهومها نفسه. إذ إنّ أياً من القوى السياسية لا تمانع في الحصول على حصة سياسية- في الحكومة وقانون الانتخاب- ترضيها في تركيبة العهد المقبل. حتى أنّ الحريري نفسه سيكون مغتبطاً في حال تم الاتفاق قبل انتخاب الرئيس على قانون انتخاب يؤمن مصلحته، والأمر نفسه ينطبق على عون والقوات، هذا فضلاً عن أنّ عون سيكون مطمئناً أكثر في حال أبصرت حكومة عهده الأولى النور سريعاً. لكنّ الخشية من السلة نوعان.

فبعض القوى، أبرزها عون، يخشى أن تكون السلة عقبة في طريق وصوله إلى الرئاسة بالنظر إلى صعوبة الاتفاق عليها في وقت سريع، لاسيما أنّ المناخ الإقليمي لا يوحي بإمكان بذل جهود اقليمية ودولية للدفع باتجاه انضاج تسوية لبنانية، وهذا ما عبّر عنه بيانه المقتضب أمس. وهناك قوى، أبرزها المستقبل، تخشى أنّ يكون هدف السلّة توسيع الحصة “الشيعية” في النظام، عرفاً أو دستوراً، وهذه خشية مشتركة بطبيعة الحال مع “المسيحيين”.

(المدن)

السابق
تنديداً بهولوكوست حلب.. ساحة سمير قصير تنادينا
التالي
السعودية: وداعا للسَنة الهجرية!