الديمغرافيا المتغيِّرة: حزام شيعي – إيراني يرعاه «حزب الله» لحماية نظام الأسد!

رلى موفق

«بات الصراع في سوريا مفتوحاً على مصراعيه بين أميركا وروسيا. فهناك سباق بين الدولتين أيهما يتقدّم الثاني. وتنطبق عليهما القاعدة بأن اللصوص يتفقون على سرقة البنك ويختلفون على الحصص». هكذا يوصّف واقع الحال في سوريا، اليوم، رئيس الوفد المفاوض للمعارضة السورية إلى محادثات جنيف العميد الطيّار أسعد الزعبي. يُقدّم صورة قاتمة حيث تحوّل السوريون وقوداً في عملية تقسيم المغانم. «سرقة البنك» هي في الحالة السورية تحقيق مصلحة إسرائيل التي تقتضي تقسيم سوريا وتفكيكها ويتفق عليها الروس والأميركيون، إلا أنهما يختلفان في التنفيذ بغية حصول كل  منهما على الحصة الأكبر التي تراعي مصالحه.
خريطة التقسيم ماضية بالتشكّل: روسيا تريد استعمار «سوريا المفيدة»  الغنية بالثروات، والممتدة من دمشق العاصمة وأحيائها إلى حمص وطرطوس واللاذقية تشاركها فيها قوات النظام. المصلحة الروسية في المناطق التي تكتنز الثروة من النفط والغاز. فقد بدأت روسيا بإنشاء محطات كهرباء في الساحل وبحفر آبار من أجل التنقيب عن الغاز، فضلاً عن أن المعلومات المتوافرة  من الثوار تتحدث عن أن  «حزب الله» بدأ بتسليم حواجزه في القلمون الغربي والانسحاب من المنطقة القريبة من يبرود والنبك وقارة ورانكوس ودير عطية المليئة بآبار الغاز، والتي تشكّل جزءاً من «سوريا المفيدة» لمصلحة قوات النظام، فيما يُعزز وجوده في مناطق محافظة ريف دمشق التي لا  تشكل جزءاً من «سوريا المفيدة»، بحيث بدأ النظام ينسحب من حواجزه في مناطق حول مضايا والزبداني لمصلحة «الحزب». ومردّ ذلك إلى أن هذه المنطقة واقعة ضمن حصة إيران التي أوكلت لـ«حزب الله». لا يريدها الروس لأن لا موارد فيها، فيما وجود «الحزب» فيها يُشكّل خط دفاعٍ عن نظام الأسد.
يروي الزعبي أنه حين استلم الأسد الأب زمام السلطة، قام بعملية تغيير ديموغرافي في مدينة دمشق المترامية الأطراف، حيث بدأ بزرع خلايا من العلويين من الساحل بذريعة أنهم موظفون أو عسكريون، وشكّل وجودهم ما يشبه السور حول دمشق امتداداً من منطقة قدسيا إلى دمرّ فالسومرية وصولاً إلى الحارة الشرقية في المعضمية وداريا وكفرسوسة والقدم والميدان. كان هناك قوس من الأحياء العلوية التي بناها الرئيس السابق حافظ الأسد كانت بمثابة سور حمى النظام من السقوط مع اندلاع الثورة عام 2012.
اليوم يستعيد الأسد الابن  السيناريو نفسه، إنما بتوسيع هذا السور ليشمل محافظة ريف دمشق بعد تفريغها، بحيث تتحوّل الميليشيات الإيرانية والشيعية إلى تشكيل طوق حماية وسور بينه وبين المناطق السنية، وهو ما عبّر عنه من داريا، حين زارها بعد إفراغها، بأنه لا يمانع وجود تغيير ديموغرافي في تلك المنطقة. وهذا لا يتم من دون رضى أميركي – روسي، حيث الصمت الأميركي مُطبق على عمليات التهجير، فيما روسيا تتولى عملية مهادنة ومصالحة في هذه المنطقة.
على أن خرائط الجغرافيا العسكرية تؤشّر ليس فقط إلى منطقة آمنة جديدة لإسرائيل تضاف إلى حدود الجولان باتجاه عمق الأراضي السورية، وتمتد  من الجنوب حتى حدود القنيطرة  بعمق عشرة كيلومترات كمنطقة خالية من أي تواجد عسكري، بل أيضا يجري الحديث عن كيان  في المنطقة الواقعة من القنيطرة باتجاه مزارع شبعا وباتجاه بحيرة القرعون، وهو كيان لن تسمح إسرائيل بأن يكون منطلقاً لتهديد أمنها أو أن يكون معادياً لها. وليست الضربات التي توجهها لأي تواجد عسكري أو مخازن أسلحة أو اشتباه بوجود صواريخ سوى مؤشر على الخطوط الحمر التي ترسمها.

إقرأ أيضاً: الشريط الحدودي خاضع لحزب الله: سنّة سوريا رهن التهجير والدور المتبقي لهذه المناطق

الروس حالياً يتسلّمون حلب. حين تنتشر قوات روسية على طريق الكاستيلو، فإنها تأخذ مكان القوات الإيرانية وميليشاتها من «حزب الله» وقوات «النجباء» العراقية وحتى الميليشيات الفلسطينية التي كانت متواجدة هناك. ثمة أسرار في الاتفاق النووي الإيراني. وليس بعيداً أن تكون من تداعيات الاتفاق إطلاق  يد إيران شمالاً  في حلب وإدلب وحماة، وفي مناطق شرق سوريا. وما إعلان النظام عن بدء عملية عسكرية شرق حلب سوى ترجمة للاتفاق الذي  جرى في اجتماع طهران منذ أشهر بين وزراء دفاع روسيا – إيران – سوريا لإطلاق معركة السيطرة على حلب. إيران تريد حلب، وهي ماضية في عملية شراء أراضٍ واسعة فيها. لكن المعركة هي اليوم لقطع طريق الإمداد للثوار في إدلب ومحاصرتهم وخنقهم.
ما يسعى إليه الروس والإيرانيون والنظام هو تجميع المعارضة في إدلب، وبعدها يتم القضاء عليهم تحت ذريعة أنهم إرهابيون، ويتم إلحاق إدلب بالنظام.
أميركا تريد إقامة قواعد عسكرية لها في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، وتريد أن تكون منطقة الحسكة والقامشلي تحت سيطرتها. ومن أجل تحقيق ذلك، تعمل على عقد صفقات مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني، الذي هو فرع سوريا من الحزب العمالي الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية، وتمدّه أميركا بالسلاح وتدعمه لإنشاء دولة في تلك المنطقة، التي يمكن أن تسمى في يوم من الأيام «كردستان سوريا». وفي رأي الزعبي أن ما يدفع واشنطن إلى التردد في الضغط على حزب الاتحاد الديموقراطي لنقل قواته من منطقة غرب الفرات إلى شرقه هو من أجل أن يحظى انتقاله لاحقاً بالشرعية كجزء من التسوية. هدف أميركا، الحسكة وريفها، وحتى الوصول إلى ريف الرقة الشمالي والسيطرة عليه.
وفق قراءته، فإن التدخل التركي شمال سوريا الذي تمّ بموافقة روسية وغض طرف أميركي ليس مفتوحاً بل هو مُقيّد، ويشمل حصراً المنطقة الواقعة بين أعزاز وجرابلس، والتي لا يتعدى عرضها 90 كيلو متراً، بينما الحدود التركية – السورية تتجاوز الـ800 كيلومتر.

إقرأ أيضاً: التغيير الديمغرافي لن يوقف الثورة ضد الأسد حتى إسقاط النظام
أما مناطق المعارضة السورية، فهي حتى الآن الخارجة عن تقسيم الكعكة السورية. وهي حيث يتواجد الثوار في إدلب وريف اللاذقية الشمالي وريف حماه الشمالي والشمال الشرقي والشمال الغربي وريف حمص الشمالي الغربي  والمنطقة الجنوبية الغربية من حلب، إضافة إلى شرق حلب حيث تستهدفها الضربات الجوية من قبل روسيا والنظام.
قد يكون القول صحيحاً، وفق الزعبي، أن تغيير الجغرافيا العسكرية  في سوريا هو رهن مشيئة موسكو وواشنطن، اللتين تحتكران ليس فقط المسألة السورية بل مسائل أخرى من أوكرانيا إلى القرم فالدرع الصاروخية وغيرها من الملفات في وصاية على أوروبا  وتهميش لبقية القوى العظمى في مجلس الأمن. لكن الرهان هو على السوريين الذين قدّموا الكثير من أجل ثورتهم، وعلى الدول الخليجية الداعمة رغم ما تتعرض له من ضغوط أميركية وروسية، وعلى تناقض المصالح الغربية مع روسيا وأميركا، الذي قد تستفيد منه الثورة السورية، وعلى احتمال إتيان إدارة أميركية جديدة توقف حلم روسيا بأنها على قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح القطب الأوحد الذي يُدير العالم!

(اللواء)

السابق
العونيون يراقبون حركة المطار: هل يصل الحريري إلى بيروت قبل 28 أيلول؟
التالي
الشعار لـ«ريفي»:غفر الله لك.. ما الفائدة من توجيه الأسهم والصواريخ