اعتذار أم مزايدة على الحكيم والجنرال؟

ميشال عون
الإعتذار عن جرائم الحرب ظاهرة غريبة لم يتم حلها حتى الآن أو معرفة أسبابها، و يقيناً هي ظاهرة لم تعد موجودة ولا حتى مقبولة إلا في بلد مثل لبنان، لأنها ببساطة تشبه الدواء الوهمي الذي لا يحتوي على أي عناصر فعالة.

وفرضية حصول أي تغيير لحالة المريض يرجع فقط للعوامل النفسية. ومع ذلك نحن نظن ولا ندري إن كنا على صواب أنها أتت على لسان سعادة النائب هذه المرة من منطلق أن لبنان بلد الرسالة، ولا ندري أي رسالة هي تلك التي يمكن البناء عليها أو الإستناد إليها في بلد أبناءه إعتادوا أن يكونوا بالفعل وبعكس القول أكبر من بلدهم، لا ندري كيف يكون ذلك كذلك وذوي الهيبة المكتسبة من أصحاب الفرق والأديان لطالما تشبثوا بالقول ان ما آل لنا بالقوة أو بالوراثة أو حتى بالصدفة أو بشكل خارج عن الطبيعة لا يمكن أن يؤول لغيرنا حتى وإن خربت البلد والبلاد التي على حدود البلد، ومن أولئك وهؤلاء من تحالف مع إبليس للفوز على ميخائيل تحت شعار “لقد لزم الأمر ذلك” للإبقاء على المصالح والحؤول دون خسارة المراكز.

اقرأ أيضاً: الكاوبوي والفيلم اللبناني الطويل

وللسائل عن البديل وللمدافع عن الإعتذار نقول “إن الإعتذار في العادة لا يكون مقبولاُ إلا إذا اتى في سياقه الطبيعي، أي بعد حصول المحاكمة والمحسابة وتطبيق فترة العقوبة التي تحكم بها المحكمة بحق من أقر بإرتكابه الجرم وسحبت لأجلها منه كل حقوقه، فما بالك والإعتذار هنا والأسف هو عن جريمة موصوفة، تفاصيلها بارزة، أدواتها معروفة، مكانها وزمانها محددين، ولم يحاسب عليها أحد أقلها بالشكل المطلوب، وكانت عن حق واحدة من أبشع وأفظع الجرائم التي حصلت بحق البشرية وشهدها العصر.

وبالعودة إلى سر التوبة أو سر الإعتراف، ولا ندري إذ أمكن تصنيفه أيضاً على أنه واحداً من أسرار المصالحة المقدسة مع الله، تلك التي يعترف فيه المذنب ويقر بذنبه ويطلب الصفح من الله الذي وحده غافر الذنب، فيقصده عبر وسيط يرشده ويروح عنه ليكفر بعد ذلك عن الإثم بأعمال البر. لكن عجباً يحصل كل ذلك من دون الإلتفات إلى المفجوع المظلوم منتقص الحق، مع علم يقين بأن الخطايا المعلن عنها كبرى وتصنف على أنها مميتة، ومع ذلك يبقى سر الإعتراف والإعتذار يجري سنوياً وهو ما يفهم منه على أنه كفارة لما يحصل بينهما من جرائم وأخطاء.

لقد ذهلنا ذهول خفاش ايقظه نور الشمس وعلى النائب سامي الجميل أن يوضح مسألة الإعتذار تلك، عليه أن يوضح عما إذا أتى في إطار السياسة أو في إطار الدين؟ عليه أن يوضح عما إذا كانت دعوته هي لإحقاق الحق وإجراء المحاسبة أم هي دعوة يطلب فيها إلى اللبنانيين تأجيل الحساب إلى قيام الساعة وإلى يوم الدين؟ عليه أن يخبر اللبنانيين عما إذا كان ما قاله طقس ديني يخدم المذهب السياسي الذي يعتنق ويصب في خانة الصراع السياسي على مناصب الدولة وملذات الجمهورية التي يتبارى عليها مع الجنرال والحكيم؟ أحسب أن النائب الجميل سيعتذر من خمسة وأربعون عائلة فجعت بموت أبناءها ورجالها وبناتها وهم في طريقهم إلى مدارسهم وجامعاتهم وأعمالهم قضوا في مجزرة الأونيسكو جراء القصف في 14 آذار من العام 1989.

البلد لم يعد يحتمل مزايدات ولا مقابلات ولا مفاضلات، البلد بحاجة إلى معجزة غير تلك التي أتت بالأحفاد وإلبستهم ثياب الأجداد، البلد بحاجة إلى مقامات تبني ما خلفته العائلات السياسية الإقطاعية من دمار، نحن بحاجة إلى قانون يمنع الوراثة لصالح الحق العام.

السابق
السرّ الجماعيّ المسيحي الذي اسمه ميشال عون
التالي
ناشطون لبنانيون يطالبون باستقالة باسيل